مر عام وجاء عام وما علينا إلا أن نتذكر «إن نفعت الذكري»، فقد جاءت الثورة بيضاء الجبين وكانت فرحة عارمة لكل أبناء المعمورة من أقصي البلاد الي أدناها، وكأن القدر قد استجاب إلي دعاء المظلومين وما أكثرهم في شتي البلاد، وباختصار استبشر أبناء مصر وكل الطبقات بأن فجرا جديدا قد أشرق نوره علي مصر وكانت الابتسامة البيضاء علي الوجه الأسمر، وجه مصر الفتاة وكأن هذه الابتسامة التي غابت عن الوجوه سنين عددا كان موعدها مع القدر يوم الثلاثاء الموافق 25 يناير عام 2011 وفيه «أشرقت الأرض بنور ربها» وزحف أبناء مصر صوب كل الميادين وفاز ميدان التحرير في قلب القاهرة وعلي ضفاف النيل بالنصيب الأكبر حيث كانت ظاهرة الملايين تحج يوميا صوب هذا الميدان الذي دخل التاريخ من أوسع أبوابه، والتقي أبناء مصر شيبا وشبابا، مسلمين ومسيحيين في لقاء السعادة الكبري، وكنت تسمع أذان الفجر الوليد مع دقات أجراس الكنائس في فرحة كبري وهنا صدقت نبوءة أهل الشعور متضامنين علي الحب فما تري إلا مسيحيا يعانق مسلما، هش المقدس للمؤذن داعيا وحنا الهلال علي الصليب وساعا. التقت الثورة الخضراء بيضاء الجبين - إذن - مع فرحة عامرة لأبرياء مصر الخالدين، ومن هنا بدأت الحكاية تأخذ مجري آخر وبدأت بعد أيام الأعياد تختلط بصراعات جديدة وأصبحت الرؤي تأخذ مجري جديدا بعيدا عن خط الثورة ومسارها الطبيعي، فبدأ كل يبغي الي محاولة قطف ثمار الثورة - وحده - ومن هنا بدأت الاختلافات العقائدية وبدأ الكل يحاول أن يأخذ نصيبه في فاكهة الثورة مختلفة الألوان والاتجاهات وكانت الطامة الكبري حينما تم الإعلان عن انتخابات مجلس الشعب وقد تم افتتاحه في يوم خالد وبدأ مشواره التشريعي وحمل اسم «مجلس الثورة» وكانت البداية احتفالا بموعد أول مولود للثورة مجلس شعب يعكس آمال الأمة المشتاقة الي تشريع يليق بعظمة الثورة ويلغي ذلك التاريخ الأسود الذي كان فيه التشريع غريبا عن حكمته ومبادئه وتلك القوانين التي أطلق عليها أهل العلم بأنها سيئة السمعة إلا أن المثل القائل: «تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن» وتم اغتيال المجلس الوليد وأيضا باسم القانون. دخلت البلاد في منحني آخر إثر الإعلان عن نتيجة انتخابات رئيس البلاد وتم الخلاف علي أشده وبدأت الأقوال تلتقي وتختلف حول الصرح القضائي عالي المقام - المحكمة الدستورية العليا - وليس هذا فحسب بل جاءت مشكلة المشاكل واختلط في آخرها الحابل بالنابل، مجلس صياغة دستور البلاد ومرت الحياة التشريعية بما لم يكن أبدا أبدا علي الحسبان ما بين صوت فقهي يبدي رأيه في مبادئ وأحكام غايات الدستور ويأتي صوت آخر بحجة مختلفة تماما عما جاء علي لسان الفقيه الأول وتم الاستفتاء علي الدستور مادة مادة وأيضا كل في فلك يسبحون وكل يغني علي ليلاه، ومازال الصراع الفقهي قائما علي أشده، والكل يأمل أن ينتهي مع مولد مجلس للبرلمان الجديد تختاره الأمة علي عينيها، مجلس يأمل أبناء مصر أن يتم في صناعته تجمع كل الاتجاهات في بؤرة واحدة وطبقا لقاعدة، وقد يجمع الله الشتيتين بعدما ظنا كل الظن ألا تلاقيا. وباسم مصر التي صبرت طويلا طويلا وباسم دماء الشهداء التي سجلت لنا أسباب الحياة الجديدة ودعاء الي كل الأطياف وكل الأحزاب وكل مفكري هذه الأمة أن يكونوا علي قلب رجل واحد من أجل أم الصابرين مصر التي في وجداننا وحبها يجري مجري الدم في العروق وحينئذ يوم يفرح المؤمنون بنصر الله حين يصنع الجميع الصالح العام، وتحقيق ما جاءت الثورة من أجل تحقيقه ومن قبل ومن بعد. تعود الابتسامة الي الصدور والقلوب ويكون النصر لنا جميعا، نصر يرتله السجود الركّع، ودائما وأبدا إلي لقاء تحت ظل عدالة قدسية الأحكام والميزان.