على مدار مايقرب من 45 عاماً هو عمر الساحر محمود عبد العزيز الفني، وطوال هذه السنوات لم يترك قلباً أو عقلاً الا واستطاع الدخول إليه من أقرب وأصعب الأبواب وهما البساطة والتلقائية. لن نتحدث هنا عن أعماله ورصيده وإرثه الفني كالمعتاد، وعلاماته الدرامية والسينمائية هنا وهناك، لكننا سنتطرق إلى الجذور والكواليس التي طبعت عبد العزيز في قلوبنا قبل عقولنا، والذي جعله الساحر المستمر بأدواته الفنية الخاصة به فقط التي لم ولن تتكرر . سحر "جمل" محمود عبد العزيز، وخلطته الفنية الخاصة من منّا لايرِد في ذهنه بمجرد سماع إسمه مشاهده الدرامية والسينمائية خاصةً الكوميدي منها الذي كان يقدمه بكل سلاسة وتلقائية وتدخل القلب وتبقى فيه دون استئذان، فنجد في فيلم "جري الوحوش" جملته الشهيرة"اه ياحوستي السودة يانا ياما"، وفيلم "الكيف" الذي حصد على أكبر قدر من الجمل الضاحكة ل "المزاجنجي"، الشخصية التي قدمها في أحداث الفيلم، وكان علامة فارقه في فنه عند جمهوره، وأشهرها" ده أنا بادهبزه وادهرزه عشان يبرعش ويحنكش ويبقى أخر طعطعة" ،و"إحنا اللي خلينا الشكرمون طاخ فى الترالوللى".. و"ادينى فى الهايف وأنا احبك يا ننس".. و"حلوة يا دغششة" .. و"هغديك غدوة معمعة ماللي تبهرز الأسطول" ، كذلك قال " يابتاع الكيميا يا متركب". وأيضا: "إحنا بالصلاة عالنبي حلوين قوى مع بعض ..لكن ساعة الغلط بنطرطش زلط..يعنى لحمنا جملي مكندز مانتكالش وان اتكالنا عضمنا ركب ماننقرش وان إنقرشنا نشرخ في الزور وماننبلعش.. ولو بلعتنى.. هتلاقيني مر علقم وهتطرشنى".بالإضافة إلى: "لو الحشيش حلال أدينا بنشربوه ولو حرام ادينا بنحرقوه" .. و"بحبك يا ستموني مهما الناس لامونى".. و"لازم ندوش الدوشة بدوشة ادوش من دوشتها عشان ماتدوشناش"، أنا بشوف أحسن منك فى النور وفى الضلمة كمان من فيلم "الكيت كات"، "والملاحة..الملاحة وحبيبتي ملو الطراحة" في نهاية فيلم العار، والإنسان ضعيف، حد ليه شوق في حاجة"، في فيلم "إبراهيم الأبيض" وغيرها من الجمل التي لن نستطيع قراءتها دون سماع صدى صوته فيها، فنجح عبد العزيز في صناعة خلطة فنية بين الواقعية والفكاهة، التي قلما نجد نجاحها في الوقت الحالي، بل هو قام بصناعتها منذ عقود ونجح في أن تستمر حتى بعد وفاته وغلى أجيال جديدة قادمة. سحر واقعية محمود عبد العزيز استطاع عبد العزيز تقديم كل ماهو واقعي ثقيل مخيف في المجتمع بشكل فني لطيف، يستطيع المشاهد تقبله حتى يستطيع التعايش مع واقعه الحقيقي، فلم تخلو أفلامه من الرسائل الإجتماعية التي تعطى للمشاهد بين سطور العمل، فنجد أنه تحدث عن تعدد الأزواج في "سيداتي آنساتي"، ومشكلة السكن في "الشقة من حق الزوجة"، والمشكلة الإجتماعية الأخطر ألا وهي المخدرات في "الكيف"، وصفة الرضا والقناعة في "جري الوحوش"، وأمل الكفيف في الرؤية بالإحساس في فيلم "الكيت كات"، ودوره التاريخي الذهبي في "رأفت الهجان"،وغيرها من الموضوعات الإجتماعية الخطرة التي نجدها بشكلٍ يومي في مجتمعنا ولانستطيع التأقلم والتعايش معها أو حتى أخذها على محمل الجد، فمناقشتها فنياً تساعد في حلها بعض الشيء وهذه هي الرسالة الفنية الأحق والأقوى التي يجب على كل روّاد الفن بجميع أشكاله تحقيقها، وتكون محط أهدافه في مشواره . ميلاد محمود عبد العزيز مفاتيح البقاء التاريخي لمحمود عبد العزيز أسرياً وفنياً لم يقتصر تاريخ عبد العزيز على الفن فقط، لكنه ذهب لتأسيس تاريخ من نوع آخر ، بصمة اجتماعية قبل أن تكون فنية وهي أبنائه الفنان "محمد محمود عبد العزيز وشقيقه الأصغر كريم "، واللذان شاركا والدهما في عدد من الأعمال الفنية قبل رحيله وأهمها مسلسل جبل الحلال، الذي جمعهما بثلاثية فنية أسرية كان لها شكل فني آخر مختلفة عن باقي أعماله، فكان السند الأبوي والفني الذي ليس له مثيل، رافقاه في عدد من تكريماته واحتفالاته، وظلا بعد وفاته خير خلف له من الناحية الفنية والإنسانية، حيث يحظيان بسيرة هادئة وحسنة، ويتميزان بوجودهما مع أصدقائهما داخل الوسط الفني في الأحزان قبل الأفراح، ويتمتعان بخفة الظل والتمكن من التراجيديا سوياً في أعمالهما. وفاة محمود عبد العزيز وفي الختام لن نجد سبب مادي ملموس لسحر عبد العزيز المستمر إلا أنه استطاع بإستثنائية صُنع حالة فنية خاصة به من الموهبة والتعلم والبحث المستمر داخل شقوق المجتمع ليقترب أكثر وأكثر من مشاهديه ، وسفره في عدة قوالب اجتماعية ليظل متواجد في جميع فئات محبيه، فلم يترك شخصية إلا وطرق بابها وامتزج بها، وأخذ يتنقل بينهم بكل مرونة وبساطة دون تعقيد أوتصنع أو تكلف فالذي يخرج بصدق يظل في القلب بصدق، فسيظل سحره باقي على مر الأجيال دون أن يفقد بريقه بسبب تأصله وصدقه وواقعيته.