«الهبل» الذي تطلقه القنوات الدينية.. هل نجد له حلاً فورياً؟!.. أم أن هؤلاء الذين يطلقون الفتاوي سيظلون علي مواقفهم الغريبة والشاذة التي تنم عن جهل كبير وانعدام فكر وقلة عقل إن جاز هذا التعبير.. في زمن الفتنة ليس غريباً علي الإطلاق أن نري مثل هذه الهراءات.. وفي كل أزمنة الفتنة التي مر بها التاريخ الإسلامي وجدنا مثل هذه الفتاوي فالكل يتحدث أو يفتي بما ليس لديه علم به.. كان آخر هذه المهازل أن نري «عجلاتي» زعم أنه أستاذ شريعة وفقه، وتطاول علي أهل الفن، واتهم فنانات وعلي رأسهن الفنانة إلهام شاهين بما لا يجوز أصلاً لعالم دين أن يتفوه به.. فرمي المحصنات جريمة طبقاً للقانون الإلهي الذي نزل به شرع الله.. وآيات رمي المحصنات والمحصنين واضحة لا تحتاج إلي أي تأويل أو تفسير.. ولكن في زمن الفتنة نجد مثل هذه التصرفات والأفعال الشاذة التي تنم عن الجهل الذي استشري بشكل فاق كل حد وكل تصور.. في زمن الفتنة الكبري التي شهدها التاريخ الإسلامي في عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وطبقاً لما أورده لنا علماء التاريخ عن تلك الفترة، خرج أيضاً فيها «أفاقّون» ومنافقون ومن يزعمون أنهم علي علم وأطلقوا فتاوي كثيرة جداً كان من نتائجها الحرب الشعواء التي امتدت إلي عهد الخليفة الراشد الرابع علي بن ابي طالب.. واستمرت حتي جاء حكم الدولة الأموية.. وخلال هذه الفترة من التاريخ ظهر أيضا «الأفاقّون» والمنافقون بكثرة واندلعت أشد الحروب بين المسلمين بعضهم البعض بسبب فتاوي باطلة ما أنزل الله بها من سلطان. ما يحدث الآن في مصر، وخاصة من الفضائيات التي تزعم أنها تعرف الدين، دفعني إلي الحديث بصراحة عن نماذج جاهلة لا تعرف من الدين إلا شكله ومن روحه إلا رسمه.. وأذكر تحديداً أن هناك أشخاصاً فشلوا في تعليمهم الثانوي ومرت الأيام والسنون وكانت مفاجأة لي شخصياً عندما رأيت أحدهم يعمل بالفتوي علي هذه الفضائيات، والأمانة تقتضي مني ألا أذكره بالاسم رأفة ورحمة به.. لكن أن يعتلي عرش الفتوي فهذه طامة كبري ومصيبة لا تغتفر. الأمور زادت علي حدها بشكل يدعو إلي الحسرة والألم ويثير الأعصاب بشكل فظيع.. ولذلك أناشد الأزهر الشريف وعلماءه الأجلاء الذين يعدون الوحيدين في مصر والمؤهلين للفتوي، أن يتصدوا بكل حزم لهؤلاء الذين عاثوا في الأرض فساداً وخراباً.. فالأمر بحاجة ماسة وشديدة جداً إلي تدخل الأزهر الشريف للتصدي لهذه المهازل البشعة التي تحدث في الفضائيات الدينية.. والمعروف أنه ليس كل من قرأ كتاباً أو اثنين أو حتي ثلاثة يجوز له أن يكون مؤهلاً للفتوي. الذي يفتي بدون علم شامل جامع في أصول الفقه والشريعة والتفسير، أشبه بمن يضرب رؤوس البشر بالرصاص، فكم من سيدة تم طلاقها بسبب هذه الفتاوي العجيبة والغريبة، وكم من آباء وأمهات تحسروا علي آبنائهم وبناتهم بسبب هذه الفتاوي الخاطئة.. وكم من جرائم تمت بسبب هذه «الخيبة» التي نحياها الآن.. إنه عصر الفتنة، وأري أنها فتنة أشد من أكبر فتنة حصلت للأمة الإسلامية والعربية منذ عثمان بن عفان وحتي بدايات الدولة الأموية.. بل إنها أشد من فتنة ضياع الأندلس نفسها التي استمر بها الحكم الإسلامي ما يقارب ثمانية قرون.. أما ما يحدث الآن فهو بدايات ضياع الدولة المصرية، ومع عظيم الأسف فإن وصول التيارات الدينية التي تزعم أنها تطبق الإسلام تزيد من هذه المآسي وتبدأ بالفعل في ضياع الوطن بعد حالة الانهيار التي وقعت بالفعل، فما أحوجنا الآن إلي دور الحكماء الذين يقفون بالمرصاد لكل من تسول له نفسه أن ينال من مصر وشعبها العظيم.