أغلب ترجمات القرآن مليئة بالسقطات المسيئة الفن سلاح ذو حدين.. والتبادل الحضارى لا يعنى نفى الاستقلال الفكرى الدكتورة زينب عبدالعزيز أستاذ الحضارة الفرنسية وتاريخ الفنون بالجامعات المصرية وهبت حياتها وجهودها على مدى عمرها لخدمة قضايا شائكة بالغة التعقيد تدرأ بها عن عقيدة الإسلام وما يلفقه له خصومه فى الخارج، فأصدرت ما يربو على 20 كتابًا علميًا باللغة العربية والفرنسية، ثم كرست سنوات عديدة من حياتها لتترجم معانى القرآن الكريم لتنقية الترجمات الفرنسية التى صدرت على مر الزمان من الشوائب فى أسلوب رصين آخاذ ضمنت هوامشه المآخذ التى انحرف فيها كبار المستشرقين عن جادة الصواب، إما بقصد أو بسوء نية أو عجز عن إدراك معانيه الدفينة لتصدر بعد ذلك أول ترجمة لمعانى القرآن بالفرنسية معتمدة من الأزهر الشريف، وهى عضو العديد من اللجان والمجالس، فهى عضو لجنة العلوم الاجتماعية بهيئة الإعجاز العلمى للقرآن والسنة وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية سابقًا ونقابة الفنانين التشكيليين والاتحاد العالمى للمدارس العربية الإسلامية الدولية وعضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، لها العديد من المؤلفات عن الإسلام أهمها: «(محاصرة وإبادة، موقف الغرب من الإسلام)، وترجمات القرآن إلى أين، وجهان لجاك بيرك، الفاتيكان والإسلام، التعايش السلمى بين المسلمين وغير المسلمين، هدم الإسلام بالمصطلحات المستوردة الأصولية والحداثة، وتعريف الإسلام بالقرآن». كما أسهمت فى الحركة الفنية التشكيلية وأقامت 50 معرضًا فرديًا فى مصر والخارج وأدرج اسمها فى العديد من الموسوعات العالمية كأستاذة جامعية وباحثة وفنانة تشكيلية، «الوفد» التقت القديرة الدكتورة زينب عبدالعزيز وهذا نص الحوار: بداية: كيف جاءتك فكرة ترجمة معانى القرآن الكريم للفرنسية؟ اختمرت الفكرة فى رأسى بعد اكتشافى العديد من الأخطاء الفادحة فى ترجمة المستشرق الفرنسى «جاك بيرك»، الذى كانوا يلقبونه ب«صديق العرب» ولكن حينما اتصل الأمر بالنواحى الدينية وجدناه لا يختلف كثيرًا عن بقية المستشرقين الذين يضمرون الكراهية والعداء للإسلام والمسلمين، ولهذا جاءت ترجمته لمعانى القرآن الكريم مليئة بالسقطات المسيئة، وقد قمت بعرض هذا الموقف على فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأسبق جاد الحق على جاد الحق، رحمه الله، فكلف لجنة من كبار المهتمين بهذه القضية، وكنت ضمن هذه اللجنة، وأعددنا تقريرًا شاملًا عما تحتويه الترجمة من أخطاء شديدة، ولم تأت هذه الأخطاء عفوًا، بل كانت مقصودة، وأخرجت اللجنة تقريرًا لاقى إعجابًا شديدًا وتم نشره لدحض ما فى الترجمة من أباطيل وعدم أمانة، وبعد ذلك اطلعت على معظم الترجمات الفرنسية لمعانى القرآن فوجدت فيها مغالطات كثيرة، ففى إحدى الترجمات وجدت المترجم يعتمد على جذور الكلمة فترجم كلمات «الرحمن» و«الرحيم» و«الرحمة» على أنها مشتقات حروف «الراء والحاء والميم» أى رحم المرأة ولهذا نجده ترجم أن الله عز وجل له رحم، ويؤتى رحمه لمن يشاء، وهذا نموذج من تلك التراجم الخطيرة التى قام بها المستشرقون منذ القدم، وبعد أن أنجزت هذه الترجمة لاقت استحسان الذين يجيدون الفرنسية وقررت جمعية الدعوة الإسلامية فى ليبيا طبعها وتوزيعها فى الدول الناطقة بالفرنسية، وأسهمت الترجمة بدور مزدوج فى تثبيت العقيدة فى قلوب المسلمين الناطقين بالفرنسية وتوضيح حقيقة القرآن للراغبين فى التعرف عليه دون تشويه وأسهمت فى اعتناق بعض غير المسلمين للدين الحنيف. ما أهم العقبات التى واجهتك من أجل إخراج هذه الترجمة للنور؟ العقبات كانت كثيرة جدًا وعلى رأسها الاختلافات بين المفسرين فى تفسيرهم، كثيرًا من الآيات بالإضافة إلى عدم وجود المعنى الدقيق المرادف للمعنى العربى فى أغلب الأحيان، أيضًا هناك منهج معين للتعامل مع الآيات التى فيها إشارات علمية وكذلك مشكلة تراكيب القرآن وحروف وتعدد المعنى الجميل للجذر الواحد وقد استغرقت الدراسة منى ثمانى سنوات بواقع خمس عشرة ساعة عمل يوميًا، وحاولت فى هذه الترجمة التعريف بالقرآن وبالإسلام لغير المسلمين وتصويب صورة الإسلام والدفاع عن وحدة الأمة الإسلامية. قمت بالرد على كتاب «قرآن المؤرخين» الذى صدر فى فرنسا أواخر 2019، فماذا عن هذه الواقعة؟ بالفعل صدر هذا الكتاب وقاموس مكمل له بالفرنسية ويتضمن كل ما يتعلق بالقرآن والإسلام ويقع فى ثلاثة أجزاء بواقع 3408 صفحات، ومرفق معه قاموس خاص عن مختلف المفردات التى تنتقد الإسلام، وهذا الإصدار هو أكبر وأجبن صفعة وجهتها فرنسا للقرآن والإسلام والمسلمين فى جميع أنحاء العالم خاصة مصر الأزهر التى جعلها الله منارة وكعبة للعلوم الشرعية، وللأسف صدر هذا الكتاب تحت راية العلم والبحث العلمى الشديد الدقة والأمانة، وللأسف أنها حملت اسم شخص مسلم تولى الإشراف على هذه الجريمة ويدعى محمد على أمير مُعزّى، وهو شيعى يعمل أستاذًا جامعيًا وقد تم تكريمه ومنحه شهادات وأوسمة فرنسية وشاركه فى هذه الجريمة «جيوم دى» الفرنسى أستاذ الإسلاميات بالجامعة الحرة فى بروكسل وضم فريق العمل ثلاثين عالمًا متخصصًا فى مجالات عديدة أمضوا خمسة أعوام ليخرجوا بهذه الوثيقة التى تدين أمانتهم العلمية، والغريب أن ذلك تزامن مع مساع فرنسية لاقتلاع الإسلام بخطى حثيثة من خلال إغلاق المساجد وإنشاء معهد لتخريج الأئمة ليقيم إسلامًا فرنسيًا. وماذا عن أهم الافتراءات التى تضمنها هذا الكتاب؟ ذكر الكتاب العديد من المزاعم والافتراءات، وأهم هذه المزاعم أن تاريخ الإسلام قد تم التلاعب فيه منذ القرن التاسع بأيادى مؤلفى التراث الإسلامى الذين كانوا يعملون لصالح الخلافة العباسية اتهام من كتبوا السنة النبوية بسوء النية وأنه لا يوجد فى القرن السابع أى نص مسلم أو غير مسلم يشير إلى وجود مكة أو النص الكامل للقرآن يرجع للقرن الثامن الميلادى وليس السابع، وأن نحو 20 سورة تمت صياغتها أيام العباسيين إلا أنها منسوبة للنبى وأنه لم يكن هناك أى وحى للرسول (صلى الله عليه وسلم) والتراث الإسلامى غير موثوق به، كما أن كتبة الخليفة عبدالملك بن مروان صاغوا عددًا من السور وأنه بمجرد قراءة القرآن نكتشف أن محمدًا لم يكن موجودًا لا فى أصل اختلاق القرآن ولا مجتمعه، ولا أثر لنبى الإسلام قبل 685 وهى فترة عبدالملك ووجوده فى القرآن فى القرن السابع مستبعد تمامًا مما يجعل وجوده قد يكون خرافة وعلماء الإسلام معرفتهم ضحلة بالإسلام تاريخيًا ودينيًا. على اعتبارك فنانة تشكيلية أيضًا ونحن فى شهر رمضان بعض الأعمال الدرامية والفنية تلعب دورًا فى تغييب عقل المسلم وإلهائه عن العبادة فما رأيك؟ أعتبر الفن سلاحًا ذا حدين، فإما يكون هادفًا وبناء وإما يكون وسيلة للهدم وإفقاد القيم والفضائل والأخلاق وهناك من يسعى إلى تغيير حياة المسلمين، لجعل المسلم أسيرًا للأفلام والمسلسلات والبرامج وتمنعه من نيل الثواب سواء فى أدائه العبادات أو تدبر القرآن، وقد قمت بتأليف كتاب بعنوان «لعبة الفن الحديث» أكدت فيه أهمية الفنون والآداب فى الحفاظ على الهوية القومية ضد محاولات طمسها وتزييفها وخلخلتها لحساب قيم فنية غربية، تخالف العادات والقيم العربية ولا أدعو بذلك إلى الانغلاق على الذات، بل إلى الاعتزاز بهويتنا الحضارية والقومية وقبل ذلك هويتنا الدينية، وبالتالى رفض دعاوى الانبهار بالآخر والتقليد الأعمى، فالتبادل الحضارى لا يعنى بحال من الأحوال نفى الاستقلال الفكرى، وإذا كان من الحكمة فتح النوافذ فمن الغفلة تركها للرياح التى تقتلع البيت من جذوره. كيف يمكن تصحيح الصورة المشوهة للإسلام فى بلاد الغرب؟ حان الوقت لتصحيح صورة الإسلام المشوهة فى وسائل الإعلام لدى دول أوروبا والغرب مع عدم المساس بثوابت العقيدة الإسلامية والتركيز على إمكانية التطبيق دون المساس بالأصول، فأسلوب عرض الإسلام والمفاهيم الإسلامية يتم بطريقة لا تناسب العقل الغربى ولا الأوروبى، فالإنسان الغربى ليس لديه وقت لمشاهدة برنامج تليفزيونى طويل أو تصفح الإنترنت وقراءة عبارات إنشائية جوفاء، ولكن بتقديم الإسلام بأسلوب مشوق وجديد يعود إلى فقهاء وعلماء المسلمين فى شتى البلاد العربية والإسلامية وعدم إغفال دور العلماء العرب والمسلمين المقيمين فى الغرب أيضًا. أنت مشغولة بفرنسا على وجه الخصوص، فهل هذا نابع من تخصصك فى دراسة اللغة والحضارة والأدب الفرنسى، وماذا يقصد بالإسلام الفرنسى الأمريكى والتقدمى و«مكة استايل».. وغيرها من مصطلحات دخيلة؟ بالتأكيد دراستى جعلت الصورة واضحة أمامى لا شك فيها، وأصبحت أناقشهم بلغتهم وأكشف مؤامراتهم، وبالفعل فرنسا لها دور كبير فى المؤامرات التى تحاك ضد الإسلام، ففى سابقة هى الأولى من نوعها تشجع سيدتين مسلمتين لتكونا إمامتين للمصلين وترددا أن الإسلام سيحمل على كتف المرأة وهو ما يسمى بالإسلام التقدمى، وفرنسا هى الدولة الأوروبية الوحيدة التى تضم 8 ملايين مسلم طبقًا لإحصاء الفاتيكان تعمل دومًا على التحرش بهم وتساند بشدة عمليات التبشير، والأمر يتكرر بشكل أو بآخر فى ألمانيا، لإيجاد مساجد مشتركة، حيث الرجال جوار النساء، مثال لذلك مسجد «ابن رشد - جوته» فى برلين، وفى أمريكا أيضا، حيث يطلق على هذه المساجد «مكة ستايل» أو نموذج مكة، فالإمام مرة رجل ومرة امرأة، وهذه المشاريع ترعاها حركة تدعى «صوت إسلام مستنير» تضم مائتى عضو وعضوة وهكذا نرى الإسلام الفرنسى والأمريكى والغربى. أخيرًا ما الوسيلة المثلى للرد على الإساءات الغربية ضد الإسلام؟ الإساءات للإسلام فى الخارج ليست جديدة فقد كانت مكثفة فى القرون الوسطى فى أوروبا، لكن لم تنتشر لأنه لم تكن هناك وسائل إعلام مثل أيامنا هذه ولهذا ظلت فى بطون الكتب ولكن اليوم تطيرها وكالات الأنباء فى كل مكان وهناك إساءات للإسلام من أبناء المسلمين، وهذا يعطى ذريعة لغير المسلمين لأن يسيئوا للإسلام، وهذه التصرفات الحمقاء التى تصدر عن أبناء المسلمين داخل العالم الإسلامى أو من خارجه أشد خطرًا على الإسلام أو الرد على هذه الإساءات، فيجب الرد العلمى على كل ما يثار حول الإسلام من خلال مراكز بحوث علمية فى العالم الإسلامى تكون بطريقة علمية موضوعية عقلانية مقنعة تخاطب العقلية الغربية التى لا تعرف الإنشاء وإنما تخضع للحجة والبرهان.