يراهن كثيرون على أن «الإخوان» لن يتركوا حكم مصر إلا فوق بحر من الدم، حتى لو خسروا الصندوق الذين يحشدون من أجله رجال العشيرة وأبناءها فى كل المحافظات. أصحاب هذا الرأى يستندون إلى الممارسات الدموية التى ارتكبها النظام الإخوانى ضد الشباب ووقود الثورة المستمرة فى جميع ميادين مصر. كما يستندون إلى الإسهال التشريعى الذى أفرز حتى الآن 70 تشريعاً يجرى سلقها وطبخها لإحكام قبضة الإخوان على مفاصل الدولة. ويستندون أيضاً إلى نظرية الفأر والزجاجة التى تثبت استحالة خروج الفأرمن عنق زجاجة دخلها خطأ ولم يستطع الخروج منها بعدما كبر حجمه وتضخم ومع احترامى وتقديرى لكل أصحاب هذا الرأى، إلا أننى اختلف معهم تماماً حتى ولو كان مشهد الصراع السياسى، والقمع الدموى يخدم رؤيتهم، وحجتى فى ذلك.. ما أراه من أطفال مصر «الرجالة» الذين نضجوا قبل الأوان، وخرجوا إلى ميادين الثورة.. لايبالون الموت.. يفتحون صدورهم لرصاص حكومة مرسى ووزير داخليته الذى تم اختياره خصيصاً لاغتيال حلم هؤلاء الذين لا يملكون سلاحاً سوى صفحات «فيس بوك» وقذائف الحجارة. قبل عامين كنا نرى شباباً فوق العشرين يقودون المظاهرات السلمية وعندما تابعتهم قوات الأمن بدروعها وعصيها يصرخون «سلمية.. سلمية» أما الآن تغير المشهد وأصبحنا نرى أطفالاً دون الخامسة عشر بل فى العاشرة يتلقون خرطوش الداخلية فرحين، لأنهم نجحوا فى أن يكشفوا للعالم شرقه وغربه حقيقة النظام الذى خدعهم واغتال أشقاءهم وزملاءهم. واستأجروا بلطجية لاغتصاب بنات وسيدات جرأن وطالبن بإسقاط النظام وإقالة الحكومة الفاشلة، والقصاص للشهداء، هؤلاء الذين شاهدناهم يحملون لافتات الاحتجاج وأعلام مصر فى الاتحادية والتحرير وسيمون بوليفار وقصر العينى وغيرها من شوارع وميادين مصر هم الذين سيسقطون الإخوان. إن هذه الزهور التى تصدرت الصفوف الأولى لجنازات «الجندى» و«كريستى» و«عمرو» وغيرهم من الشهداء الشباب لن يتركوا الثورة تختطف سنوات، فوجوه هؤلاء ووعيهم الثورى ونضوجهم المبكر، تعلن عن شىء ما، لا يكترث له نظام مرسى ولازبانية داخليته الذين يسحلون المصريين داخل الزنازين وخارجها. لقد نجح أطفال مصر وصغار شبابها فى أن يكشفوا للعالم مدى هشاشة وضعف دولة الإخوان البوليسية. لقد أجبر هؤلاء الصغار سناً قوات الحرس الجمهورى على النزول لحماية قصر الحكم فى الاتحادية بعد انسحاب قوات الأمن المركزى عقب فضيحة سحل حمادة صابر، وجريمة الضغط عليه وإجباره على الكذب حماية للنظام؟! إن أطفال مصر باتوا يشكلون الآن قاعدة صلبة ضد هذا النظام الفاجر المستبد، الذى لم يدرك بعد أن غياب العدل يصنع الثورات مهما كان جبروت الحكام، وأن غياب أمن المواطن وليس الرئيس وجماعته يصنع الفوضى مهما تضخمت متاريس التشريعات والقرارات الاستثنائية الفاشية. فعندما يرى الطفل الصغير بأم عينيه شقيقه يقتل برصاص الحكومة.. ويشاهد أخته تغتصب فى ميدان عام بتحريض من الجماعة الحاكمة، التى تسعى إلى تشويه المظاهرات السلمية وميادينها، وعندما يرى الصغير رئيسه الكبير يكذب.. ويشاهد رئيس حكومته يخادع.. ماذا ينتظر منه أن يفعل؟ أقولها لسكان قصر الاتحادية.. والحاكم بأمره فى جبل المقطم.. سارعوا بتقويم أنفسكم وصححوا المسار، وجنبوا الوطن بحور الدم الذين تعشقون رائحته، فليس بالضرورة أن تنتقموا من شعب جريمته أنه وثق بكم ومنحكم أصواته فى غفلة من زمن لم ير فيها سوى وجوهكم وشعاراتكم.. فقرر أن يجربكم ويختبر مدى صدقكم.. وليته فعل. أقولها مجدداً.. ستجبرون يوماً أظنه قريباً على الرحيل، ولن تنفعكم وقتها تلك اللحى المصبوغة بكل الألوان والماركات، فأطفال الثورة لا ييأسون أبداً لمن يهدر كرامة المصريين ويعذب أطفالهم وشبابهم لا يستحق أن يبقى حاكماً لها.. وستثبت لكم الأيام تلك الحقيقة التى تتجاهلونها دائماً.