تعرف على أهم المصادر المؤثرة في الموسيقى القبطية    الخارجية السورية تدين القصف الإسرائيلي على درعا    الفيفا يرفع إيقاف القيد عن الزمالك في قضية الفلسطيني ياسر حمد    الهلال يسعى لضم كانتي على سبيل الإعارة استعدادا لمونديال الأندية    موعد مباراة الإسماعيلي وسيراميكا كليوباترا في كأس الرابطة المصرية والقنوات الناقلة    القبض على المتهم بمحاولة ذبح عامل كشري بالفيوم    ماذا يقول الحاج خلال المسير إلى عرفة.. «الإفتاء» توضح    طفاطف جديدة وخطوط سير في رأس البرّ خلال عيد الأضحى بدمياط    "تنمية المشروعات" يواصل دعم الإسكندرية: تفقد مشروعات بنية أساسية وتوقيع عقد تمويل ب30 مليون جنيه    رئيس الأركان يعود إلى مصر عقب انتهاء زيارته الرسمية إلى دولة رواندا    كندا تخطط لإزالة الرسوم الجمركية الصينية على منتجاتها الزراعية    البيت الأبيض: ترامب سيشارك في قمة الناتو المقبلة بهولندا    سفير روسيا بالقاهرة يكشف ل«البوابة نيوز» شروط موسكو لوقف الحرب في أوكرانيا    رئيس جامعة أسيوط: الطبيب على سيد كان مخلصا فى خدمة المرضى ومحبوبا بين زملائه    الأمم المتحدة ترد على هجمات إيلون ماسك    رئيس الوزراء يشهد توقيع عقد شراكة وتطوير لإطلاق مدينة «جريان» بمحور الشيخ زايد    سعر الذهب الآن وعيار 21 بداية تعاملات اليوم الأربعاء 4 يونيو 2025    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الأربعاء 4 يونيو 2025    نجم الزمالك السابق يشدد على أهمية اللاعبين الكبار في نهائي كأس مصر    خوسيه ريبيرو يحدد موقفه من إبراهيم الأهلي لصفقات جديدة    إنفانتينو يهنئ بيراميدز بالتتويج بدوري الأبطال ويؤكد مشاركته في مونديال الأندية 2029    موعد مباريات اليوم الأربعاء 4 يونيو 2025.. إنفوجراف    تريزيجيه: اليوم أعود إلى حيث بدأت الحكاية.. إلى النادى الأهلي العظيم    وزير التموين: المنطقة اللوجستية بالدقهلية تقام بتكلفة 2.4 مليار جنيه وتوفر 20 ألف فرصة عمل.. ويؤكد: مخزون القمح يكفى لأكثر من 6 شهور ونصف.. وسوق اليوم الواحد يُعد نموذجًا فعالًا لتقريب الخدمة من المواطنين    قبل العيد.. ضبط 38 كيلو أغذية غير صالحة للاستهلاك بالمنيا    «الطقس× أسبوع».. «مائل إلى شديد» الحرارة و«الأرصاد» تحذر من اضطراب الملاحة والرياح المثيرة (طقس العيد)    إصابة 11 شخصًا في حادث انقلاب ميكروباص بالمنيا    حريق محدود بشقة سكنية بطهطا دون إصابات    نتيجة الصف السادس الابتدائي 2025 بالمنوفية    تغييرات جوهرية.. توقعات برج الحمل اليوم 4 يونيو    ضيف مع خبر غير سار.. برج الجدي اليوم 4 يونيو    احترس من المبالغة في التفاعل المهني.. حظ برج القوس اليوم 4 يونيو    بعد العيد... بدء التشغيل الليلي ل«مطعم خوفو» داخل منطقة أهرامات الجيزة    رشوان توفيق ينعى سميحة أيوب: موهبتها خارقة.. وكانت ملكة المسرح العربي    أبرزهم شغل عيال وعالم تانى.. أفلام ينتظر أحمد حاتم عرضها    مي فاروق توجه رسالة نارية وتكشف عن معاناتها: "اتقوا الله.. مش كل ست مطلقة تبقى وحشة!"    مسلم يطرح أحدث أغانيه "سوء اختيار" على "يوتيوب"    كامل الوزير يرد على منتقدي المونوريل: ليس في الصحراء.. وتذكرته 50% من تكلفة بنزين سيارتك    دعاء يوم التروية مكتوب.. 10 أدعية مستجابة للحجاج وغير الحجاج لزيادة الرزق وتفريج الكروب    «الإفتاء» تنشر صيغة دعاء الخروج من مكة والتوجه إلى منى    بمكون منزلي واحد.. تخلصي من «الزفارة» بعد غسل لحم الأضحية    رجل يخسر 40 كيلو من وزنه في 5 أشهر فقط.. ماذا فعل؟    "چبتو فارما" تستقبل وزير خارجية بنين لتعزيز التعاون الدوائي الإفريقي    "صحة المنوفية": استعدادات مكثفة لعيد الأضحى.. ومرور مفاجئ على مستشفى زاوية الناعورة المركزي    إنفوجراف.. كواليس جديدة فى قضية التنقيب عن الآثار أسفل قصر ثقافة الطفل بمدينة الأقصر    محافظ الإسكندرية يشدد على إزالة الإشغالات الحاجبة لرؤية البحر وتجهيز الشواطئ لعيد الأضحى    أوربان: انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي «صفقة خاسرة» ستستنزف اقتصاد أوروبا    ماهر فرغلي: تنظيم الإخوان في مصر انهار بشكل كبير والدولة قضت على مكاتبهم    «قبل ساعات من العيد».. الضأني والماعز يتصدران أسواق الأضاحي بالمنيا عام 2025    لأول مرة.. الاحتلال يكشف أماكن انتشار فرقه فى قطاع غزة..صورة    لتقديم التهنئة والمشاركة في صكوك الأضاحي: وزير الأوقاف يستقبل رئيس الطائفة الإنجيلية والوفد المرافق له.. صور    هل تكبيرات العيد واجبة أم سنة؟.. أمين الفتوى يُجيب    محافظ الدقهلية: 1161 مواطن استفادوا من القافلة الطبية المجانية    الشيخ خالد الجندي: من يأكل أموال الناس بالباطل لا حج له    حزب المؤتمر يقدم ورقة عمل لمجلس حقوق الانسان المصري حول تضمين المبادئ في برنامجه    فرص عمل للمصريين بالأردن براتب يصل إلى 350 دينار.. اعرف التفاصيل    وزير العمل يلتقي مسؤولة ب"العمل الدولية" ويؤكد التزام مصر بمعاييرها    رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية يهنئ السيسي بحلول عيد الأضحى المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نجل أسطورة التلاوة القارئ الشيخ محمود على البنا يروى رحلة والده مع القرآن
نشر في الوفد يوم 29 - 04 - 2021

امتلك قدرة على تشويق المستمعين فأطلقوا عليه الخاشع الباكى
تلقى «علقة» ساخنة بالفلكة من سيدنا «المنطاش» لامتناعه عن الحضور للكتاب
أمه تمنت أن يكون خادمًا فى رحاب «السيد البدوى» فانتدب قارئًا للسورة به 25 عامًا
مارس رياضة «الملاكمة» وضرب اثنين من عساكر الإنجليز داخل صوان العزاء
تبرع بمصاغ زوجته وبناته للمجهود الحربى وشارك فى زيارة الجنود على الجبهة عقب النكسة
بكى فى «بيت النبى».. وملك المغرب يذرف الدموع فى الحسين تأثرًا بقراءته
«عبدالناصر» أمر الإذاعة بتسجيل المصحف المرتل بصوت البنا
«السادات» يرسل خطابًا لمجلس الشعب لتأييد إنشاء أول نقابة للقراء بناء على طلب والدى
قطعة تفاحة وشربة ماء آخر رزقه فى الدنيا.. ووصف جنازته قبل الرحيل
«الشعراوى» يبكى أمام مدفن صديقه «البنا» والتف يعلن للناس دفنته الملائكة
وقف إمام الدعاة إلى الله الشيخ محمد متولى الشعراوى- رحمه الله- أمام مدفن صديقه القارئ الشيخ محمود على البناء باكيًا يدعو له مع الجمع الغفير من المشيعين فى لحظات الدفن والجثمان على مقربة من مدخل المدفن، وفى لحظة وضع الجثمان داخل القبر ليدلف فى لمح البصر إلى مرقده لتتلقفه الملائكة ويضمه التراب «منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى» (طه: 55) وشاهد «الشعراوى» آية الله فى وداع صديقه «البنا» فالتف يعلن للناس بصوت مرتفع «الله أكبر.. الله أكبر» الشيخ البنا دفنته الملائكة، وانفعل «الشعراوى» وقتها بالمشهد واستبشر خيرًا للشيخ «البنا» وهو يردد «يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفور العظيم» (الحديد: 12) ووقف الشيخ الشعراوى ينعى بدموعه فراق أعز الأصدقاء ويدعو الله له ومئات المشيعين يؤمنون على دعائه، بهذه اللقطة المعجزة انتهت حياة أسطورة دولة التلاوة الشيخ محمود على البنا الصوت الذى لا يغيب بعد أن قضاها سعيًا وراء توصيل القرآن للناس تاركًا وراءه بصمات الخير فى كل مكان وكل بلد زاره، فهل غاب «البنا» عنا برحيله؟!
نصف قرن من حياته مع القرآن، بين الميلاد والرحيل مشوار طويل يرويه ل«الوفد» نجله القارئ- أيضًا أحمد محمود على البناء، الذى أكمل مسيرة أبيه بعده، فجاءت تلاواته امتدادًا لوالده الشيخ «البنا» لا ليحمل اسمه وبعضًا من ملامحه فقط، ولكن ليرث حلاوة صوته وتفرد أدائه فى مسيرة قرآنية جديدة قدر الله لها أن تبدأ بعد رحيل والده الشيخ محمود على البناء، فإلى نص الحوار:
فى البداية.. نود إعطاءنا نبذة عن نجل القارئ الكبير الشيخ محمود على البنا؟
اسمى «أحمد» حاصل على بكالوريوس تجارة من جامعة عين شمس، وترتيبى الرابع بين إخوتى اللواء مهندس شفيق البنا وآمال البنا الكاتبة الصحفية، وعلى البنا ويعمل بالكويت ثم أنا وشقيقى محمد البنا (طبيب) والابنة الصغرى ناهد البنا (ربة منزل) وشريف البنا آخر العنقود فنحن سبعة أشقاء، وقد تعلقت بوالدى منذ الصغر وكنت أطلب منه الذهاب معه فى الحفلات وأحاول تقليده، فقد كنت «غاويًا» وفى المرحلة الإعدادية استمع لصوتى وضحك كثيرًا وقال لى بالنص: «كويس.. انت شكلك كده فنان»، حيث لمس فى الحس الفنى، والتصقت بوالدى أكثر وكنت أقود سيارته بنفسى بعد أن غاب سائقه، وقد تعلمت التجويد والأحكام، حتى كان يسجل فى الإذاعة ذات مرة ومعنا الشيخ رزق خليل حبة شيخ المقارئ فأشار لى بدخول للاستديو وطلب منى القراءة وقال لوالدى «كأنه هو يا شيخ محمود» شىء جيد، حتى أنهيت دراستى الجامعية واتجهت للأعمال الحرة وافتتحت مكتبًا للمقاولات ومصنعًا للملابس، لكن منذ أن كنت طالبًا فى الجامعة كانوا ينادوننى ب«مولانا» لصلتى بالوالد، حتى أنه قبل وفاته بساعات طلب منى القراءة وكنت قد تعلمت المقامات الموسيقية بالممارسة، وبعد وفاته بشهرين كان له صديق مبتهل وقارئ فى الإذاعة المصرية اسمه الشيخ سعيد محمد الفراش وكان طبيبًا، وقد التقط لوالدى بعض الصور قبل سفره إلى أبوظبى فى رحلته الأخيرة، حيث كان يقرأ معه فى مسجد سيدنا الحسين فى صلاة الفجر، وكان فى طنطا فذهبت له بعد وفاة والدى لأحصل على هذه الصور، واستمع لصوتى فطلب منى الاستمرار على درب والدى واستخرت الله، حتى أننى فى صباح اليوم التالى وجدت أمى تعطينى«قفطانين» وقالت لى «والدك أتى لى فى المنام وقال أعطيهم لأحمد» ففهمت البشارة واكتملت الرؤية، وبدأت أقرأ الصورة كل جمعة فى مسجد والدى بقرية شبراباص بشبين الكوم فى المنوفية، وقد ذاع صيتى، وكانت أول دعوة شعبية لى فى طنطا، أما أول دعوة رسمية فكانت من قطر حيث كانت وقتها تريد جلب علماء ومشايخ وإرسالهم للدول الأخرى، وقضيت شهر رمضان فى المركز الإسلامى بلندن لإحياء ليالى الشهر الكريم وتوالت بعدها الدعوات، حتى زرت فرنسا وألمانيا وبلجيكا، وكوريا الجنوبية وإيران وقطر والإمارات والكويت ولبنان، وقد سافرت لندن أربع أو خمس مرات، بالإضافة إلى دول كثيرة أخرى، لكننى لم أفكر فى الالتحاق بالإذاعة لانشغالى، لكننى مازلت قارئًا، وعضوًا فى مجلس نقابة القراء لمدة (20) عامًا.
إذا تحدثنا عن الوالد- رحمه الله- وبداياته ورحلته مع القرآن فماذا تقول؟
والدى- رحمه الله- من مواليد 17/12/1926 وكانت ظروف والدته غير طبيعية، فكل الذكور قبله من الأبناء كانوا يموتون، وجدى كان يرغب فى الأولاد، فدعا الله أن يعطيه ولدًا ليهبه للقرآن، وبالفعل تحققت دعوته ورزقه بابنه الشيخ «محمود» وأرسله لكتاب القرية عند شيخ الكتاب «موسى المنطاش» حتى عزف والدى عن الحفظ والحضور فى دروس الكتاب، بسبب قسوة «سيدنا» فبدأ يلعب مع الرفاق من حوله فى الحقل أو يسبح معهم فى الرياح المنوفى، وحاول والده مرارًا إعادته للكتاب حتى شكاه لسيدنا فتلقى (علقة) ساخنة بالفلكة عقابًا له عن انصرافه عن القرآن، حتى استمر بعدها وحفظ القرآن كاملاً، فقد كان يتمتع بذاكرة حديدية.
ماذا عن مسيرة التعليم فى حياة مولانا الشيخ «البنا»؟
لم يكمل دراسته فى الأزهر بسبب ضعفه فى الرياضيات والعلوم وكان يقول عن نفسه فشلت فى الأزهر ونجحت فى القرآن والإذاعة، فبعد أن أنهى حفظ القرآن وعمره (9 سنوات) أرادوا التقديم له فى المعهد الأزهرى وكان المعهد يقبل الطلاب من سن (12 سنة)، فكانت سنه صغيرة، فأشار البعض على جدى بإلحاقه بمعهد خاص بطنطا شرط حفظ القرآن، بمعهد «المنشاوى»، وفى هذه السن الصغيرة هاجر إلى طنطا مع أقرانه، وهناك تفتح ذهنه وشاهد السرادقات، والقراء الكبار أمثال الشيخ عبدالفتاح الشعشاعى ويستمع لهم ويقلدهم، وكانت ميوله أدبية وأثنى على صوته وكيل المعهد الشيخ حسين معوض، الذى أعجب به وأشار عليه بالذهاب للشيخ إبراهيم سلام
فى المسجد الأحمدى بطنطا ليتعلم منه القراءات، حتى أتم على يديه القراءات العشر، وقال له «مصنع النجوم فى القاهرة» فى عام 1944 وسافر للقاهرة فى حى شبرا بالفعل وبدأت الناس تعرفه، وكان يقرأ فى مسجد الخازندار وهو شاب قبل التحاقه بالإذاعة وأذاع أكثر من جمعة منه حتى بعد التحاقه بالإذاعة، حتى دخل مسابقة للقراءات فى الأوقاف ونجح بها، حتى سمع به صالح باشا حرب فعينه قارئًا لجمعية الشبان المسلمين وكان رئيسًا لها، وفى إحدى المرات كانت الجمعية تحتفل بذكرى ليلة رأس السنة الهجرية، وكانت الإذاعة تنقل الاحتفال على الهواء مباشرة، ورفض مسئولو الإذاعة أن يقرأ الشيخ محمود البنا فى الاحتفال لأنه غير معتمد بالإذاعة، وتوصلوا إلى حل أن يقرأ قبل نقل الاحتفال على الهواء وعندما استمع له مدير الإذاعة وقتها محمد بك قاسم طلب منه أن يحضر للاختبار أمام لجنة الإذاعة وكان اختبارًا صارمًا لمدة ثلاث ساعة نجح فيه بجدارة، وتلقى خطابًا من الإذاعة لموعد تلاوته الأولى فى صباح يوم 17 ديسمبر 1948 فى تمام السابعة صباحًا لمدة ثلاثين دقيقة بما تيسر من سورة هود من الآية (61 إلى الآية 88) وقرروا له 6 جنيهات فى الشهر وكان هذا المبلغ مقررًا للفئة الممتازة من القراء ما أثار غيرة كبار القراء وقرروا مقاطعة الإذاعة حتى تتساوى أجورهم بالقراء المميزين، فأفسحت الإذاعة مساحة للشيخ «البنا» وصارت معظم التلاوات بصوته والأذان طوال اليوم على الهواء مباشرة، مما ساعد على شهرته وانتشاره فى وقت قياسى، وكانت المذيعة صفية المهندس هى أول من قدم الشيخ فى أول تلاوة له فى الإذاعة وكان خائفًا متوترًا، لكنها شجعته مما أعطاه دفعة معنوية قوية وتدرج فى المساجد فذهب إلى مسجد عين الحياة بحدائق القبة، حيث قضى الشيخ ثلاث سنوات قارئًا للسورة هناك من (1953 - 1956) وكان الملك فاروق الأول قد أمر بإنشاء هذا المسجد ليحمل اسم الأميرة عين الحياة، ثم تلقى ترشيحًا للعمل قارئًا بمسجد الرفاعى فى نهاية عام 1956 ثم انتدب قارئًا للسورة بالمسجد الأحمدى بطنطا، ورأت والدته فى خبر انتدابه من الأوقاف للمسجد الأحمدى أنه آن الأوان أن يحقق الله دعاءها لابنها الشيخ فى طفولته عند مقام السيد البدوى وذلك منذ ثلاثين عامًا عندما تمنت من الله أن يجعل ابنها خادمًا فى رحاب السيد البدوى، فصار قارئًا للسورة فى نفس المسجد بعد ثلاثين عامًا من دعاء الأم، وامتد انتدب الشيخ «البنا» فى مسجد السيد البدوى إلى 23 عامًا متتالية وأصبح الناس يلقبونه ب«قارئ السيد البدوى».
وماذا عن وفائه لأساتذته وأصدقائه؟
صنع البنا نجوميته فى طنطا وشهد على ذلك الشيخ عطية الحشاش أحد أئمة مسجد السيد البدوى وقال عنه: «تعلقت بصوت البنا منذ أن كنت طالبًا فى المعهد الأحمدى بطنطا ومازال هو قارئى المفضل فكنت مع زملائى الطلبة نحرص على ألا تفوتنا صلاة الجمعة فى المسجد الأحمدى لنستمع إلى تلاوة الشيخ وكنا نقطع المسافة من بلدتنا قرية قطور إلى طنطا كل يوم جمعة فى الصباح الباكر لنحظى بمكان داخل المسجد بالقرب من الشيخ، حتى أن الزحام الشديد كان يحرمنا مشاهدة الشيخ، وكانت لديه القدرة على تشويق المستمع وجذبه إليه فى متابعته بتنوع أسلوبه فى التلاوة، الذى ينبه به المستمع إلى معانى القرآن حتى تفيض عيون الشيخ بالدموع تأثرًا بالقرآن وخشوعًا لله، فأطلق عليه الناس الشيخ الخاشع الباكى، وقد اشتهر الشيخ البنا بوفائه لأساتذته وأصدقائه فكان يداوم كل عام فى طنطا على إحياء ذكرى الشيخ إبراهيم سلام الذى تعلم على يديه علوم القراءات فى طنطا صغيرًا فترة دراسته، وكان يدعو الإذاعة كل عام لتنقل الاحتفال على الهواء مباشرة، حتى أنه كان يصطحب فى سيارته الخاصة الفريق الإذاعى بمعداتهم الفنية تيسيرًا عليهم ووفاء ومحبة لأستاذه الشيخ «سلام» فى لفتة إنسانية رائعة، وأمام نجومية «البنا» لم تنس والدته دعاءها لابنها فى صغره ولما حكى لها أهالى بلدتها من شبرا باص عن نجومية ابنها سافرت فى يوم من أيام الجمعة إلى طنطا لتجلس فى مسجد السيد البدوى وهى تتخفى بين النساء فى مصلى السيدات حتى لا يعرف الشيخ بوجودها، وكان عندما يبدأ التلاوة يسكت الجميع إجلالاً لكلام الله، وأمه تستمع إليه كما يستمع الناس وقلبها يرتجف بين ضلوعها تدعو له وتشكر الله، وكانت (23) عامًا التى قضاها فى طنطا كافية لصناعة جماهيرية كبرى مع أهالى طنطا حتى صارت وطنًا له بعد شبراباص والقاهرة، وكرمته محافظة الغربية بإطلاق اسمه على الشارع الملاصق للمسجد الأحمدى بطنطا «مسجد السيد البدوى» تكريمًا لذكراه.
ماذا عن فترة الستينيات فى عمر الشيخ وما قصة تسجيل البنا للمصحف المرتل؟
شهدت فترة الستينيات انتشارًا كبيرًا لشهرة الشيخ البنا، خاصة بعد ظهور التليفزيون فى مصر وكان أول ظهور له على شاشة التليفزيون المصرى فى منتصف شهر أغسطس عام 1960 وكانت هذه المرة الأولى التى تعرف فيها جمهوره الإذاعى إلى هيئة الشيخ وملامحه من خلال صورته على الشاشة الصغيرة، وكان من أوائل القراء الذين ظهروا على شاشة التليفزيون متزامنًا مع بداية البث التليفزيونى فى مصر، قبل ظهور الشيخ على شاشته بأسابيع قليلة، وكان أهله وأسرته يتجمعون حول الشاشة ترقبًا لظهوره ومتابعة تلاوته فى دهشة وإعجاب، وتطور ظهور الشيخ تبعًا لتطور التليفزيون إلى الألوان، بعدها بدأ بافتتاحية البث اليومى أصبح الافتتاح وفى الختام ثم قرآن صلاة الجمعة فى بث مباشر ثم تلاوات الاحتفالات الدينية المختلفة حتى ازداد شهرة وانتشارًا بين الناس، لتتجاوز شهرته مصر إلى البلاد العربية والإسلامية، وأصبح من السهل التعرف عليه فى الأماكن العامة فكان
الناس يسارعون إلى مصافحته والتقاط الصور التذكارية معه فى مصر وكل بلد يقوم بزيارته كعلم من أعلام التلاوة، وتعرف على كثير من المذيعين ومقدمى البرامج، وارتبط بصداقة قوية مع المذيع أحمد فراج والتقى الشيخ الشعراوى فى بداية مشواره مع الدعوة وبداية ظهوره ضيفًا على البرنامج الدينى «نور على نور» فى أيام الجمعة، وتوطدت علاقة البنا بالعديد من أعلام التليفزيون، حتى وصفته المذيعة كريمان حمزة ب«الشيخ النورانى» فقد عاش بين الناس متأدبًا بآداب القرآن وملأ طباق الأرض قرآنًا مرتلاً ومجودًا.
ومع بداية السيتينيات، انضم للبعثات الدينية التى كانت الأوقاف توفدها للدول العربية والإسلامية لإحياء شهر رمضان وتحديدًا فى عام 1962 فشهدت هذه المرحلة من حياة الشيخ بداية ذيوع صيته وانتشار غير مسبوق فى العالمين العربى والإسلامى، وفى منتصف الستينيات وتحديدًا 25 مارس 1964 كان إنشاء أول محطة إذاعية متخصصة للقرآن الكريم فى مصر تضم أصوات قمم التلاوة وكان من بينهم الشيخ البنا، بعد واقعة شهيرة عندما فوجئ القائمون على إذاعة القرآن بأمر الرئيس جمال عبدالناصر باستعجال انضمام «البنا» إلى صفوف قراء الإذاعة فماذا كان وراء هذا الأمر الرئاسى العاجل؟، والقصة تبدأ عندما توفى والد الرئيس عبدالناصر فى الإسكندرية وسافر الشيخ البنا مع كبار القراء لإحياء ليلة العزاء هناك، حتى استمع «عبدالناصر» لتلاوة والدى عن قرب بعيدًا عن ميكروفون الإذاعة ونال بتلاوته المجودة إعجاب الرئيس، وبعد انقضاء العزاء بالإسكندرية طلب الرئيس «عبدالناصر» مقابلة الشيخ البنا فى منزل الرئيس ليستمع إلى تلاوة مرتلة بصوته المميز وعندما حاز إعجابه أمر بتعجيل الإذاعة فى تسجيل المصحف المرتل للبنا متجاوزًا بالأمر الرئاسى الترتيبات المسبقة للإذاعة، لتكتمل بتلاوات البنا المرتلة الباقة المرتلة لصفوة قراء مصر، الذين أطلق عليهم قراء العصر الذهبى فى مصر.
ماذا عن مواقف الشيخ «البنا» الوطنية؟
بعد نكسة 1967م التى أصابت المصريين بالحزن الشديد والقلق، شعر الشيخ «البنا» كغيره من المصريين أن مصر تشيع الوطن لمصير مجهول، وزاد من أزمة الوطن قرار الرئيس عبدالناصر بالتنحى عن الحكم، حتى أن الشيخ «البنا» جمع زملاءه القراء فى بيته فى لقاءات متكررة للتشاور حول ما يمكن أن يقدمه القراء حيال الأحداث الجارية العصيبة واتفقوا على أن يتقدم الشيخ «البنا» باقتراح لرئاسة الجمهورية بأن يقوم وفد من كبار المقرئين المصريين بالتجول فى البلاد العربية وشرق آسيا وبلاد أفريقيا لتلاوة القرآن ويعود عائد التلاوة لخزانة الدولة مساهمة من القراء فى إعادة بناء الجيش المصرى، وما أن أعلنت القوات المسلحة عن حملة للتبرع للمجهود الحربى حتى بادر الشيخ بالتبرع من ماله الخاص ومصاغ زوجته وبناته، كما شارك فى الزيارات الميدانية لجنودنا فى جبهة القتال التى كانت تنظمها الشئون المعنوية للقوات المسلحة، وعقب رحيل «عبدالناصر» رحمه الله كان البنا حزينًا جدًا وطلبت منه رئاسة الجمهورية الحضور لمنزل الرئيس فى منشية البكرى لتلاوة القرآن، وأوصته بتكتم الخبر فلم تكن وسائل الاعلام قد أعلنت بعد عن خبر وفاة الرئيس، وكانت صدمة للشيخ البنا، ولم ينس موقفه معه من الاذاعة وتسجيل المصحف المرتل، وكان وفيًا له وحرص على إحياء ليلة الاحتفال بذكرى رحيل عبدالناصر كل عام مجاملاً دون أجر قرابة الخمسة عشر عامًا حتى وفاة الشيخ البنا ورحيله فى 1985م.
ماذا عن أشهر المواقف والطرائف فى حياة الشيخ رحمه الله؟
كان من أشهرها عندما تشرف بدخول بيت رسول الله فى إحدى ليالى رمضان مع زائرى بيت الرسول من الشخصيات البارزة ورجال الدين هناك وليلتها بكى الشيخ أثناء تلاوته بالروضة الشريفة أمام قبر الرسول وغالبته دموعه وهو يتلو «يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا» الأحزاب (45 - 46) وموقف آخر كان الشيخ البنا يزور والديه كل أسبوع فى بلدته شبراباص وهو فى طريقه قطع بعض اللصوص عليه الطريق فى الظلام وأوقفوا سيارته ليأخذوا ماله فأخبرهم أن هذا رزق لوالديه وعندما عرفوا شخصيته تركوه، وعندما قص ذلك على والديه، أخبره والده أن أمه كانت تدعو الله بعد صلاة العشاء أن يحفظه من شر الطريق وأولاد الحرام.
وموقف ثالث كان الشيخ يزور إحدى قرى الشرقية لإحياء ليلة عزاء وكان أحد أهل البلد يصطحب زوجته لرؤية الشيخ لأول مرة وما إن رأته حتى أطلقت زغرودة رغم ظرف العزاء، فتعرض للحرج وحدث أن ذهب لعزاء أحد البسطاء من أهل قريته وما ان دخل الشيخ عليهم حتى قدموا له الشربات احتفاء بزيارته لهم.
أيضًا كانت الإذاعة تنقل صلاة الفجر من الحسين مع اقتراب موسم الحج، وكان من بين المصلين الملك محمد الخامس ملك المغرب الأسبق ولما وصل الشيخ البنا إلى الآية «الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، والصابرين على ما أصابهم، والمقيمى الصلاة ومما رزقناهم ينفقون» (الحج: 35) انسابت دموع ملك المغرب تأثرًا بصوت البنا ودعاه لزيارة المغرب وتسجيل المصحف بصوته هناك.
ماذا عن جهود الشيخ «البنا» فى تأسيس نقابة القراء؟
كان مهمومًا بمستقبل القراء وزملاء المهنة، إذا ما امتد بهم العمر إلى سن المعاش وفقد بعضهم القدرة على العمل ورأى أنه لابد من ضمان اجتماعى يعينهم عند الكبر، واختمرت فكرة النقابة فى رأسه، وكانت أولى الخطوات اعداد مشروع قانون إنشاء النقابة من خلال مكتب المحامى عصمت الهوارى، بعدها سعى «البنا» لعرض المشروع على مجلس الشعب، وعرض الأمر على الدكتور صوفى أبوطالب رئيس المجلس وقتها أوائل الثمانينيات، وعندما تأخر الطلب، سعى لمقابلة الرئيس السادات فى مقر الرئاسة بالقاهرة، لكنه لم يجده وكان وقتها فى استراحته بالقناطر الخيرية فلم يتردد واصطحب معه الشيخ أحمد الرزيقى لمقابلة الرئيس فى القناطر، ونجح فى مساعيه والتقى الرئيس، حتى اقتنع «السادات» وأمر بإرسال خطاب لمجلس الشعب يؤيد فيه قانون نقابة القراء ويستعجل موافقة المجلس عليه، وكان له ما أراد حتى صدر القانون رقم 93 لسنة 1983 بإنشاء أول نقابة لمحفظى وقراء القرآن الكريم بمصر وكان أول نقيب لها الشيح عبدالباسط عبدالصمد أول نقيب للقراء الشيخ «البنا» نائبًا له والشيخ أحمد الرزيقى أمينًا عامًا لها.
وكيف كانت أيامه الأخيرة ولحظات الوداع؟
كان الشيخ لديه ذكاء فطرى وكان حريصًا على ممارسة الرياضة، حتى أنه فى شبابه كان يلعب «المصارعة» وقت التحاقه بجمعية الشباب المسلمين، وكتب عنه محمود السعدنى ذلك فقد كان يقرأ ذات مرة فى باب الشعرية ودخل اثنان من العسكر الانجليز سرادق العزاء وهما فى حالة سكر بين، وأحدثا هرجًا فى الصوان، فنزل «البنا» من فوق دكة التلاوة ولقنهما علقة ساخنة وأخرجهما من الصوان، وفى أواخر أيامه كام يهوى المشى، وتوفى وعمره (58) عامًا يوم السبت 20 يوليو 1985، عقب عودته من زيارة «أبوظبى» دخل المستشفى ولكن المرض اشتد عليه واستشعر أن النهاية اقتربت، ودعا لنا قائلاً: «ربنا يستركم ويستر أولادكم» وطلب ورقة وقلمًا وأملى علىّ نعيه بنفسه كاملاً، وطلب أن ينشر معه صورة وطلب من شقيق أخى أن يوقف العمل بالمسجد وأن يشرع فى بناء المدفن وكان قد حصل على تصريح من «السادات» بإقامة مدفن خاصة له بجوار مسجده، وسأل عن الشيخ محمد الشعراوى الذى ما إن رأى والدى حتى انهمر فى بكاء حاد وقال له والدى كلمة واحدة «التشريفة» قاصدًا بحضور الشعراوى تشريفته أى جنازته ثم قال للشعراوى مع السلامة يا شيخ محمد، والغريب أنه وصف لنا مشهد جنازته قبل أن يموت، وفى الليلة التى توفى بها تناول قطعة تفاح وشربة ماء ونظر إلى شقيقى «شفيق» قائلاً: «لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها»: يا شفيق: «من أحب لقاء الله» فأكمل شقيقى قائلاً: «أحب الله لقاءه، فقال له إنى أحب لقاء الله. ثم توفى بعدها، وتحقق ما وصفه فى جنازته، وصلى عليه الإمام الشعراوى فى الإمام الحسين ليرقد بعدها جثمانه فى بلدته شبراباص، لكن بقيت آثاره وأعماله الصالحة باقية وصوته يصدح بآيات الله آناء الليل وأطراف النهار، والجميل أن مجلس الوزراء قام بعمل لتخليد الرموز الوطنية والدينية والسياسية بوضع «باركود» يحمل اسم الشخصية تحت اسم (مشروع هنا عاش) لتحمل لوحة معدنية اسم الشيخ البنا عند مدخل منزله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.