أهتف إليكم يا شباب هذه الثورة العملاقة التي في حينها، والتي أيقظت الأمة من حكم طاغية دام حكمه سنين عددا أخذ بمصر الحضارة ومصر التاريخ ومصر الثرية مادياً وفكرياً واقتصادياً وحياة كانت قبل حكمه رغدة رخاء مثمرة ثمارها خصيبة أرضها ذكاء سبابها.. وفي كل ما يؤهل لحياة سعيدة، إلا أن حكم الطاغوت وشهوة الاستيلاء علي أرضها وزرعها ونباتها وكل خيراتها له ولابن له من بعده، والحواريين معه والأنصار الذين كشفت فيما بعد التحقيقات عن سرقاتهم لملايين الأموال، وصدروها للخارج وكان فضل الثورة هنا عظيماً حين كشفت خطاياهم وكلهم - حتي تاريخه - رهن السجون والليمانات وعلي رأسها حيث يرقد كبيرهم «ليمان طره». المهم كل هذا يعرفه الكافة ويعيه تماماً، ثم إذ جاءت الثورة ورأينا فيها الحدث المنقذ للبلاد والعباد، إلا أنه ومنذ خطواتها الأولي بدأت ب «عثاء الطريق» وباختصار شديد، وخير الكلام ما قل ودل: تم انتخاب مجلس شعب ولم يمكث إلا أياماً معدودات وتم - حسب رؤياي - اغتياله باسم الدستور والقانون والمحكمة الدستورية والمجلس العسكري، وكانت الضربة الأولي في جسد الأمة التي استيقظت مع الثورة، ثم جاءت انتخابات الرئاسة وتم التنافس بين أكثر من مرشح للرئاسة، ثم انتهي الأمر باختيار، الرئيس الحالي، ولم يسلم هو الآخر من صور البطلان، وبدأ يصدر القرارات ويحدد الأيام عنواناً لمنهاج حكمه، وبدأت أوجه النقد إليها وفي هذا الخضم جاءت مسألة الدستور التي قصمت ظهر البعير كما يقولون وكثرت التحليلات والتعليقات الفقهية وكان كل يلقي بدلوه حسب مشيئته، واختلفت الآراء الفقهية وباختلاف المذاهب ولا تزال حتي كتابة هذه السطور، ضمن دعوة من المعارضة أو جماعة الإنقاذ، تريد دستوراً جديداً يحقق آمال الثورة والثوار وبدأ الصراع من جديد يحتدم حتي وصل الأمر إلي مظاهرات هنا وهناك وفي شتي المدن، بدأت تحركات شعبية تنادي بإصلاح مسيرة الثورة، وخوفاً عليها من عدم تحقيق آمالها وأحلامها في صلاح الأمة، ليس هذا فحسب، فلقد امتد لهيب من الثورة الغالية، وتمت المحاكمات وجاءت بعضها بالعقوبة العظمي - أي الإعدام - وفرح من فرح وحزن وبكي من حزن وبكي.. قتل من قتل، وأصبحت الجرائم وصور جديدة من الإرهاب تتحرك في وادينا الأخضر، واحمرت الأرض بدماء القتلي وصارت الأمور أكثر سوءاً ولم يكن أحد - أي أحد - يتصور أو يتخيل أن تصل الثورة بربانها إلي هذا المصير الدامي، وهكذا كتبت الأقدار علي مصرنا الحبيبة أن تعود إلي البكاء والنحيب، وهل هذا هو قدرها، أن تعيش الأمل أياماً وينطفئ نورها المقدس بعد أن أشرقت الأرض بنور ربها.. والان والخطاب موجه إلي شباب هذه الأيام، كل الأماني الطيبة أن يجتمع حكماء الأمة وأولو الهمة والعزم لتحريك دفة الحادثات الجاريات إلي بر الأمان ويعود معها كل بريق الثورة الوليدة.. وكل الأمل في لقاء الحكمة، لقاء عقول وقلوب، ووحدة فكرية من أجل أن تفرح الأمة من جديد بإلباس الثورة الوليدة من ثوب العرس وتعود الفرحة للنفوس والابتسامة التي فقدت إلي الوجوه السمراء.. وأبي هؤلاء الشباب وقود الثورة المنتصرة، أن يفقد الأمل أو يعتريه اليأس والقنوط، فإن «الغد آت بالخيرات» فلا خوف ولا حزن واسمعوا صوت الحكمة القديمة التي كان صداها يملأ النور في ثورة 19 الوفدية، وكانت للأمة قاطبة، ووثبة الشباب وموت قائدهم فداء للوطن «الجراحي» زينة شباب وطلبة كلية الطب، وشاهدنا «كوبري عباس»، ثم ثورة الشباب ضد الإنجليز علي ضفاف قناة السويس، الأمل فيكم دائماً وأبداً، ومع حكمة الشيوخ تعود البلاد إلي «عرس أبدي» بلا يأس وإنما الأمل والعمل، ومعها نردد نداء الماضي الأبدي: شباب البلاد خذوا المدي واستأنفوا نفس الجهاد مديدا وتنكبوا العدوان واجتنبوا الأذي وقفوا بمصر الموقف المحمودا ودائماً وأبداً: إلي لقاء تحت ظل عدالة قدسية الأحكام والميزان.