أعتقد أن الكثيرين ممن منحوا التيار الديني الحاكم ثقتهم، قد أصابتهم الآن خيبة أمل كبيرة، وفي المقابل هناك أيضاً الكثيرون ممن شاركوا هذا التيار الحاكم في إدارة البلاد، وكذا التيارات الدينية الأخرى المتضامنة معه، قد أصيبوا بالندم. سبق أن أوضحنا مراراً وتكراراً، أن غالبية التيار الديني السياسي، يشوب أسلوبهم في التعامل مع الطبقة الفقيرة والبسطاء من هذا الشعب، الغش والخداع، فتارة يكون الغش والخداع بإبهار الدين، وأنهم هم مبعوثو العناية الإلهية الذين سينتشلونهم من الظلمات إلى النور، وتارة أخرى، يكون بالعطايا والهبات وتقديم الخدمات، ولكن، هذا الخداع لم يكن حباً في المساعدة، بقدر ما كان الهدف من ورائه، الحصول على أصواتهم الانتخابية، على اعتبار أن التيار الديني «بتوع ربنا». لقد أكدت الأيامأن الوعود التي زفت للشعب المصري، عن جنات تجري تحتها الأنهار، ما هى إلا سراب لانهاية له، فقد شاهدنا جميعاً كيف كان وعد السيد الرئيس، عن تحقيق الأمن، وعن عودة النظافة،وعن تحقيق الرعاية الصحية المتكاملة لكافة أفراد الشعب.. إلى آخر تلك الوعود البراقة التي خدر بها البسطاء من هذا الشعب، قبل وأثناء الانتخابات الرئاسية، ولكن ما حدث أن ازدادت الأمور سوءا وقسوة، هذا فضلاً عن البطالة المتفشية ومعاناة الناس في أمور حياتهم والغلاء الفاحش الذي أحرقهم جميعاً. الطبقة المثقفة الواعية كانت تدرك من بادئ الأمر، أن مشاكل مصر جسيمة، ولا يمكن أن تعالج في بضعة أيام وإنما تحتاج لبضعة أعوام، خاصة إصلاح الإنسان المصري وجعله إنسانا منتجا ومحبا لبلده ومخلصاً لشعبه، هذه الطبقة المثقفة استطاع التيار الديني الحاكم أن يخدع البعض منها، بنغمة الاستقرار والأمل في النهضة التي ظل يرددها مرات ومرات، إلا أن هؤلاء المخدوعين لم يجدوا لا استقرارا ولا نهضة، بل وجدوا أن الحال تحول من سيئ إلى أسوأ وما قيل لهم لم يكن إلا خداعا بغرض الوصول إلى الحكم. قد يرى البعض، أن الأحداث الأخيرة التي وقعت، مجرد حادث عابر نتيجة لقرار المحكمة الصادر في القضية الشهيرة بمذبحة بورسعيد، ولكن حقيقة الأمر، أن هذه الأحداث ما هى إلا غضب شعبي دفين، وجد من هذا الحكم متنفساً لاظهاره، لقد عم الغضب الشعبي - ليس مدينة بورسعيد فحسب - بل أغلب المدن المصرية، فقد وقعت أحداث كثيرة في القاهرة والإسكندرية وطنطا والمحلة والزقازيق وبعض مدن الصعيد، ولكن أغرب شىء، هو ما وقع في الفيوم معقل التيار الديني من أحداث جسيمة، هذا الذي حدث في تقديري دليل دامغ على أن الشعب المصري قد أفاق أخيراً من غفوته نتيجة الأزمات والمعاناة التي اثقلت كاهله. مواجهة هذا الغضب الشعبي بفرض حالة الطوارئ وحظر التجول، في بعض المدن المصرية، لن يقدم أو يؤخر شيئاً، الشعب المصري نزع من قلبه الخوف بقيام ثورة 25 يناير 2011، هذا الشعب المقهور والمكلوم، لن يبالي مرة أخرى من البطش أو القهر، فتلك القوة وهذا الحزم لن ينتج عنهما إلا مزيد من العنف والتخريب والتدمير، ليس صحيحاً ما يدعيه البعض أن الاحداث الأخيرة قد وقعت من البلطجية والمخربين، لقد شاهدنا جميعاً يوم الجمعة الماضي، كيف زحفت مئات الألوف من شعب مصر، في كافة المدن المصرية مطالبة بتحقيق أهداف ثورة 25 يناير المجيدة، هل هؤلاء المصريون جميعاً من البلطجية والمخربين؟ ربما يكون قد اندس بعض البلطجية والمخربين، وسط تلك الألوف، لكن الحقيقة تقول، ان الشعب المصري قد نفد صبره وضاق صدره وندم على سوء اختيار قادته. أما فيما يخص الدعوة التي نادى بها السيد الرئيس مؤخراً للحوار مع الأحزاب والرموز السياسية، هذه الدعوى في تقديري لن تحقق الغرض المرجو من ورائها، في تحقيق الاستقرار المنشود للشارع المصري، لعجزها عن تقديم خريطة الطريق التي يمكن من خلالها إذابة نقاط الخلاف التي أدت إلى اندلاع كل هذا الغضب الشعبي العارم، وسوف تشهد الأيام القليلة القادمة على أن جبهة الإنقاذ الوطني هي التي كانت أوسع أفقاً وأكثر حرصاً على لم الشمل، حينما طالبت بأن تكون هناك بنود واضحة للحوار ونية صادقة في التنفيذ، لكن لا تصبح تلك الدعوى، كسابقاتها مضيعة للوقت بين الثرثرة تارة والمشاحنات تارة أخرى. لقد ندم الشعب على تصديقه وعود الحاكم، كما ندم الحاكم أيضاً على انحيازه لجماعته دون الشعب، والنتيجة هذه الثورة العارمة التي نشهدها الآن.. جنب الله مصرنا الحبيبة من أخطارها وألف بين قلوب هذا الشعب المخدوع المغلوب على أمره.