الغني «مصر تنتظر 25 يناير». هذا هو العنوان الشامل الجامع لوسائل الإعلام المصرية «المستقلة جداً»، ولكن أي مصر، إنها مصر الفلول ومصر المعارضون الخائبون الحالمون بسقوط الرئيس محمد مرسي. اليوم الذكرى الثانية للثورة التي أطاحت بحسني مبارك، لكنها ما زالت تقاوم دولته العميقة سواء في أجهزة الدولة من موظفين فاسدين، أو في المعارضة مع شخصيات تعارض الرئيس المنتخب -كما قال المرشح الرئاسي السابق الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح- على حساب الوطن. ربما من يقيم خارج البلاد، يظن أن اليوم سيشهد السقوط الحتمي للرئيس محمد مرسي، باعتباره ديكتاتوراً ابن ديكتاتور، سطا على السلطة بليل.. وعاث في المحروسة قتلا وتشريداً وتهجيراً و «أخونة». إذا وصل هذا الظن إلى أي مراقب خارجي، فأنا ألتمس له العذر. إنه يستقي معلوماته ومشاهداته من الفضائيات والصحف والمواقع الإخبارية سالفة الذكر، و%95 منها تخوض معركة واحدة وحيدة، وهي قلب الحقائق وتجييش الناس ضد الرئيس الشرعي، ومحاولة زرع الأكاذيب في العقول والنفوس. هذه الوسائل الإعلامية هي أداة المعركة ضد الرئيس المصري. ملاكها رجال أعمال من خدم مبارك ونجليه. ومعظم المذيعين ومقدمي البرامج فيها رباهم جهاز أمن الدولة في عهد المخلوع، فأحسن تربيتهم، وزادهم قذارة على معينهم الأصلي من «الحقارة» و «الوساخة». أصحاب القنوات يخشون فتح ملفات فسادهم، وصبيانهم الإعلاميون واثقون أنه ليس لهم دور في مصر جديدة خالية من أراذل البشر وسخائم الناس. تلاقت رغبتهم مع رغبة أطراف إقليمية معروفة ترتعد خوفاً من نجاح مصر الثورة.. تتوهم أن الحكم الجديد سيصدر أفكاره إلى الخارج، وأن الأفضل لهم أن تبقى مصر كما كانت أيام حبيبها الملعون.. منكفئة على ذاتها، بلا دور، ولا أثر، ولا تأثير. سيأتي يوم تنكشف فيه مصادر تمويل هذه القنوات والصحف الساعية إلى خراب مصر.. سنعرف وقتها من يتحمل قيمة الخسائر الرهيبة لهذه القنوات، وحقيقة الدور المشبوه الذي يلعبه أصحابها لطرد المستثمرين من مصر، وتصويرها للعالم على أن المحروسة لم تعد محروسة، بل أصبحت خرابة تحت حكم الرئيس الدموي محمد مرسي، الذي يمارسون ضده وأسرته أبشع حملة تشنيع وتشويه لا يمكن أن يتحملها بشر، وهو لا يرد، ورغم كل هذا يقولون عنه من فرط عهرهم الإعلامي وسقوطهم الأخلاقي: إنه ديكتاتور يكمم الأفواه!! منذ بدء شهر يناير، يدعون الجماهير للاحتشاد في ميادين مصر لإسقاط الرئيس في عيد الثورة.. الثورة التي سرقها مرسي وجماعة الإخوان المسلمون كما يزعمون. يتعمدون توجيه الجماهير إلى الاعتقاد بأن «الإخوان» ليسوا ثوارا بل راكبي ثورات. تقول عناوينهم: «مواجهة بين الثوار والإخوان». يخرجون على الشاشات علناً بتعبير عجيب غريب لم يعد مقصورا على مواقعهم الإلكترونية: «المصريون» و «الإخوان». من ينتمي للجماعة إذن ليس ضمن حملة الجنسية المصرية. إنهم «إسرائيليون» كما وصفهم أحدهم. ربما أذكر أن كثيرين من الثوار الحقيقيين وليس ثوار استوديوهات البرامج سبق وشهدوا بالدور الكبير الذي لعبه «الإخوان» طوال أيام الثورة ال18 خاصة في يوم الحسم.. موقعة الجمل، التي لو كان فيالق بلطجية مبارك سيطروا على ميدان التحرير وقتها لألقى الأمن القبض على شباب الثورة، وخرجت العناوين الحكومية تتحدث عن أن الشعب كشف مؤامرة عملاء الخارج، وخرج صفا واحداً لتطهير «التحرير» من حملة الأجندات الأجنبية. من يشاهد إذن هذه القنوات الكاذبة من المقيمين خارج مصر، أو يقرأ تلك الصحف غير المهنية، سيظن أن محمد مرسي واقع لا محالة اليوم الجمعة، وأن التيار الإسلامي هالك لا شك، وأن الشعب سيجمع مرسي على الإسلاميين على من انتخبوهم، ويعيدهم إلى السجون والمعتقلات، يدفعون جزاء جريمتهم باتباع الطرق الشرعية وتأسيس أحزاب علنية واللجوء لصناديق الاقتراع، وحسمهم معركة انتخابات مجلس الشعب لصالحهم قبل أن يتم حل المجلس لاحقا بحكم «سياسي» من المحكمة الدستورية. لا بد أن يذوقوا العذاب ألواناً لاحتشادهم خلف الدكتور محمد مرسي الذي ترشح قبل السباق الرئاسي بأيام قلائل، ورغم ذلك وصل في أول انتخابات حقيقية تشهدها مصر إلى الموقع الذي يستحق: قصر الرئاسة. فضلا عن نجاحهم في إقناع أغلبية المصريين بالدستور الجديد، مقابل فشل من استغلوا الإعلام الممول من الخارج لتوجيه الشعب إلى «لا». السذج في هذا الفريق -وما أكثرهم- يقولون عبر منابرهم إنهم سينهون اليوم حكم الرئيس الشرعي. يتوهمون أنهم على شفا حفرة من القبض على كل «الإخوان» و «الإسلاميين». هم لا يفهمون الواقع كعادتهم، ومرسي لن يسقط اليوم ولا قبل انتهاء فترته الرئاسية، للأسباب التالية: أولا: مهما بلغ حشدهم، فلن يكون في مستوى المظاهرات التي نظموها، وجمعوا فيها كل «الفلول» لدعمهم، خلال الشهرين الماضيين، خاصة بعد الإعلان الدستوري. ثانياً: الإخوان ليسوا كحزب مبارك. إذا حرقت لهم مقرا، فلن يفعلوا كما فعل أعضاء الحزب الوطني «الحاكم سابقاً» ويقولون: «يا فكيك»، ويتبرؤون من انتمائهم السياسي للمخلوع، ويعودون لجحورهم ويهتفون «يا حيط دارينا»، وليتني كنت نسياً منسياُ. الجماعة تنظيم عريق تجمعه عقيدة، وليس مجرد تجمع لأصحاب المصالح كما حزب مبارك. إنه التنظيم الأقوى في الشارع المصري طوال 80 عاماً، ولم تستطع كل الأنظمة بما تملكه من أمن مركزي وأمن دولة ومعتقلات أن تقضي عليه. ثالثاً: لو اعتبرنا أن الشارع المصري كما تقول «الشلة» إياها، منقسماً حالياً إلى نصفين بين الرئيس ومعارضيه، فهل سيرضى النصف المؤيد أن يلجأ الفريق الآخر إلى إقصائه، بعيداً عن صناديق الاقتراع، التي يدعي من يسمون أنفسهم النخبة إيمانهم العميق بها. رابعاً: هناك ظروف دولية تمنع سقوط الرئيس الشرعي. فالغرب يدرك أنه لو سدت الأبواب الشرعية أمام التيار الأكبر في الشارع المصري، فسيلجأ للأبواب غير الشرعية. لو منعته من العمل العلني فلن يكون أمامه سوى العمل السري. وربما يتكرر في مصر سيناريو «جزائر التسعينيات» الدموي الرهيب، ووقتها سيتطاير شرره إلى باقي المنطقة. خامساً: الرئيس بدأ بالفعل يقود مصر نحو الاستقرار السياسي، وإقرار الدستور، وتسليم السلطة التشريعية لمجلس الشورى، تمهيداً ليتسلمها مجلس الشعب المنتخب. سادساً: أما أهم سبب لبقاء الرئيس، فهو سقوط أقنعة جبهة «الخراب» المسماة زوراً ب»الإنقاذ»! نقلا عن صحيفة العرب القطرية