على الرغم مما تسبب فيه قيام القس المتطرف تيري جونز من حرق للمصحف أمام كنيسة فلوريدا في 20 من مارس الماضي من مظاهرات ووقوع الكثير من القتلى وتنديد الكثير من البلدان الاسلامية بهذا الفعل المشين، إلا أن المتطرف غير مهتم بكل هذا ويصر على أفعاله المناهضة للإسلام. وأعلن انه سيقوم بإطلاق حملة للقضاء على الإسلام يوم 22 ابريل الجاري، وحول أنسب الطرق للرد على هذا القس وماهو التعامل الأمثل معه انتقلنا بالحديث للدكتور محمود الصيفي المتخصص في فقه الأقليات والاسلام في الغرب بجامعة "راد باود" بهولندا لمعرفة رؤيته وماهي القوانين التي يجب ان توقف مثل هذه الافعال من قبل بعض المتطرفين . * ما تعليقك على ما قام به القس المتطرف جونز من حرق للمصحف، وإطلاقه حملة مناهضة للإسلام يوم 22 أبريل الجاري؟ **حرق المصحف الشريف بكل تأكيد فعل أخرق ومستهجن آذي مشاعر كل مسلم في أعز مقدساته ولا يمكن أن يقبل به أحد وهو لا يعبر إلا عن تعصب من قام به وفي ذات الوقت قلة حيلته وضعفه لأنه لم يواجه الفكر بفكر ولم ينتقد ما يعترض عليه بموضوعية إن كان ثمة محل للنقد أو الاعتراض. ورغم فداحة هذا الجرم لكنه لا يضر الإسلام ولا يؤثر في كتابه الكريم بشيءٍ فالله تبارك وتعالى قد تكفَّل بحفظه ، كما أن القرآن الكريم بمقامه ومكانته وقيمه كمنهج حياة أعلى وأسمى من أن تنال منه تلك المحاولات الوضيعة ولو تحول أهل الأرض جميعا إلى كناسين ليثيروا الغبار على السماء فلن يثيروه على أنفسهم وتبقى السماء هي السماء. أما إطلاق هذه الحملة فليست الأولى من نوعها وبالتأكيد لن تكون الأخيرة بل هي في ظني حلقة في سلسلة ممنهجة من الإساءات للإسلام ونبيه الكريم وكتابه العزيز ولها أهداف محددة تسعى لتحقيقها . ورغم رفضي تلك التصرفات التي تنم دون شك عن جهل وعصبية عمياء إلا أنها ينبغي أن تزيد المسلمين تمسكاً بدينهم وإيمانًا بقرءانهم وإقبالاً على فهمه وسعياً إلى تطبيقه في حياتهم ليكون كل مسلم بأخلاقه وسمته وسلوكه ترجمة عملية لأخلاق القرءان واقتفاء سنة نبيه الإسلام العظيم صلى الله عليه وآله وسلم. * هل هناك قوانين دولية تفرض على هذا المتطرف عقوبة معينة جراء ما يقوم به من اذراء للأديان؟ **ليست هناك قوانين دولية إنما هناك قوانين محلية في معظم البلدان الغربية ضد ما يسمى "التجديف" أو "ازدراء الأديان"، لكن في الواقع لا يتم تفعيل هذه القوانين عملياً وخاصة أن الإسلام ليس ديناً معترفاً به بشكل رسمي في تلك البلاد. كانت هناك مبادرة أوروبية من خلال البرلمان الأوروبي في 2007 من خلال توصية لتجريم إزدراء الأديان وخطاب الكراهية ضد الأشخاص على أساس ديني وحددت تلك التوصية عدداً من المبادئ التوجيهية للدول الأعضاء في ضوء المواد المتعلقة بحرية التعبير وحرية الفكر والاعتقاد من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لكن اللجنة المكلفة بإعداد التقرير أشارت إلى أن التجديف يعتبر جريمة حسب قوانين النمسا والدنمارك وفنلندا واليونان وإيطاليا وهولندا وسان مارينو. كما أن إهانة الأديان محظورة في كل من قبرص ، وكرواتيا وتركيا وجمهورية التشيك والدنمارك وإسبانيا وفنلندا وألمانيا واليونان وأيسلندا وإيطاليا وليتوانيا والنرويج وهولندا وبولندا والبرتغال والاتحاد الروسي وسلوفاكيا وسويسرا وأوكرانيا. وعليه خلص التقرير إلى أنه ليس من الضروري ولا من المرغوب فيه تقنين عقوبة لازدراء الأديان بل أكثر من ذلك أوصى بإلغاء جريمة التجديف من البلاد التي تقرها. وإذا أردنا أن نستعرض هذا القانون نجد أنه موجود نظريا في كندا وفي عدد من الولاياتالأمريكية لكنه لا يطبق عمليا. أما على مستوى البلدان الأوروبية ففي الدنمارك، حيث نشرت الرسوم الكرتونية المسيئة، هناك قانون ينص على "فرض غرامة وعقوبة بالسجن حتى أربعة أشهر لأي شخص يسيء علناً أو يزدي ديناً معترفاً به في البلاد". وفي النرويج يوجد قانون يعود تاريخه إلى عام 1930 يقضي بمعاقبة من يتهم بالتجديف بالسجن لمدة تصل إلى ستة أشهر. وفي بريطانيا كان هناك قانون قديم يعود للقرن السادس عشر يجرم التجديف، لكنه لم يكن يطبق إلا في حالة التعرض لمعتقدات الكنيسة الأنجليكانية، بدليل أنه لم يطبق في قضية سلمان رشدي الشهيرة، كما أنه قد تم إلغاؤه في يوليو عام 2008 واستبدل بقانون جديد يحظر فقط التحريض على الكراهية الدينية التي قد تؤدي لإثارة العنف، ولا يمكن تطبيقه عملياً إلا حدود ضيقة للغاية. في ألمانيا يوجد أيضا قانون ضد التجديف، يرجع تاريخه لعام 1871، لكن لم يطبق إلا نادراً في العقود الأخيرة، فمثلا تم تطبيقه عام 1994 لحظر كوميديا موسيقية سخرت من مفهوم الخلاص في المذهب الكاثوليكي وذلك بتصوير الخنازير على الصليب. وفي فرنسا المعروفة بعلمانيتها المتعصبة لم يطبق قانون التجديف منذ أواخر القرن الثامن عشر إبان الثورة الفرنسية. أما في النمسا وهي بالمناسبة الدولة الأوروبية ربما الثانية بعد بلجيكا التي تعترف بالإسلام كدين رسمي ففيها قانون يحظر السخرية من الدين، ويعاقب ذلك بالسجن مدة تصل إلى ستة أشهر. لكن لم يتم تطبيق هذا القانون عام 2005 حين نشر كتاب رسوم كاريكاتورية صور النبي عيسى عليه السلام باعتباره من "الهيبيز" مدخني الماريجوانا. وفي بولندا ذات أغلبية كاثوليكية، ففيها نص قانوني ضد إيذاء المشاعر الدينية لأي شخص علناً، وتصل لعقوبة إلى عامين في السجن. أما في إيطاليا فهناك قانون ضد "انتهاك الدين" وتم تطبيقه في عام 2005 ضد الصحفية أوريانا فالاتشي إثر تصريحاتها وكتاباتها التي هاجمت فيها الإسلام، وفي هذه القضية تحديداً أضيفت تهمة "التحريض على الكراهية بين الأديان" لكن القضية حسب علمي لم يفصل فيها حيث توفيت تلك الصحفية في سبتمبر 2006. وفي أسبانيا والبرتغال لا يوجد أي قوانين ضد إزدراء الأديان، لكن توجد إشارات عابرة في قوانينهما تتعرض للكراهية الدينية. أما في هولندا ففيها قانون يحرم ما يسمى ب "التجديف المقترن بالاحتقار" ويتضمن عقوبة بالسجن لمدة ثلاثة أشهر وغرامة قدرها 70 يورو، لكنه قيد الدراسة أمام البرلمان ويتوقع تغييره قريباً، ومن أشهر القضايا التي قدمت للمحاكمة بموجب هذا القانون كانت عام 1968 ضد كاتب هولندي نظم قصيدة أساء فيها للذات الإلهية (ممارسة الجنس مع الرب) -تعالى الله عنذ ذلك علواً كبيراً- وفي نهاية المطاف رفضت القضية من قبل المحكمة. في أكتوبر 2008 أجرت إحدى الجرائد الهولندية استطلاعا للرأي على موقعها وكان السؤال هل تؤيد إلغاء قانون التجديف؟ وصوت فيه 348 وجائت النتيجة كالتالي: لا بل يجب تطبيقه على كل الأديان 7.5% لا ويجب حماية المقدسات في كافة الأديان 8.9% نعم لأنه يناقض حرية التعبير 39.9% نعم لأن المفهوم بكامله من التاريخ 43.7% وتجدر الإشارة إلى أن هذا القانون لم يطبق في قضية خيرت فيلدرز التي مثل فيها أمام المحكمة العام الماضي، وها هو يعاود هجومه على الإسلام من جديد لكن هذه المرة في شخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث زعم ذلك الحاقد في مقال نشرته مجلة دي تايد الهولندية أن نبي الإسلام "كان قاتلاً ومنتهكاً للأطفال جنسيا وكارهاً للنساء ويعاني من الهلوسة بل زاد كذبه وقال بأنه كان قائداً لعصابة وحشية بالمدينة تمارس القتل والاغتصاب بلا وازع، حيث يذبح المئات وتقطع أيديهم وأرجلهم وتفقأ عيونهم ويتم إفناء قبائل بكاملها حسب افتراءه ويبدو أن فيلدرز يقتبس هذه الادعاءات من كتابات مرتدين عن الإسلام ويريد بها إلى أن يخلص إلى مهاجمة الإسلام ذاته وإلصاقه من خلال هذه التهم الملفقة بما أسماه "الإرهاب الإسلامي" حسب زعمه. * ما هو رد الحكومات والسلطات التي يجب أن تظهر في مثل هذه المواقف؟ **أولا شجب هذه الجريمة والتنديد بها على أعلى المستويات. ثانيا واجب الدول الإسلامية دفع المجتمع الدولي نحو التنبه إلى خطورة تكرار مثل هذه الأحداث على السلام العالمي والعلاقة بين الشعوب مما يستدعي ضرورة اتخاذ خطوات عملية لمنع تلك الإساءات. ثالثاً يجب أن تتعاون الدول الإسلامية لتتخذ خطوات حقيقية في سبيل إستصدار التشريعات اللازمة لمنع الإساءة إلى الأديان والأنبياء والكتب السماوية والمقدسات لدى المؤمنين بها على أي نحو، وأولها القرآن الكريم.قياساً على تجريم معاداة السامية. وربما هناك بعض التحركات الرسمية في تركيا لتفعيل القضية عبر المحافل الدولية أو وضع إستراتيجية ما لضمان عدم تكرار مثل هذه الأعمال. نعم إن حرية الرأي والتعبير عنه القناعات ضرورة من ضرورات المجتمع الليبرالي لكن حدود هذه الحرية تقف عندما تبدأ حرية الآخرين ولا يجوز التعدي على الغير في شخصه أو دينه أو عقيدته. رابعاً أنصح المسلمين بإحسان التعامل مع تلك الحملات المفتعلة على الإسلام واستثمارها في تطوير الدعوة إلى الله على بصيرة بالحكمة والموعظة الحسنة، ومتابعة العمل لتحقيق المشروع الحضاري الإسلامي بأبعاده الإنسانية الراقية وأي تحرك ينبغي أن يراعي الانضباط بشرع الله في إنكار المنكر والاستهداء بمقاصد الشريعة السمحة في إزالة الضرر، فكل عمل يأتي بنتائج تناقض مقاصده باطل، وواجب المسلمين في هذه الظروف أن يعكسوا الوجه المشرق للإسلام، وخلقه الرفيع مستصحبين قوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)، وهذا أبلغ رد عملي على تلك المحاولات البائسة.