تأتي الذكرى الثانية لثورة الخامس والعشرين من يناير وسط حالة من الجدل والانقسام الشديد حول طرق إحياء هذه الذكرى.. البعض يستقبلها بالاحتفال بعد أن وضعته على رأس السلطة، ومعظم القوى السياسية والشعبية تستقبلها بمزيد من التظاهرات والاحتجاجات بعد أن اختطفها فصيل واحد وانحرف بها بعيداً عن أهدافها. الخطورة التي تواجه المجتمع الآن لا تكمن في أن الثورة لم تحقق الأهداف التي قامت من أجلها وراح ضحيتها مئات الشهداء من الشباب الطاهر.. ولا تكمن أيضاً في أن فصيلاً واحداً هو الذي قفز على الثورة وحل محل النظام السابق.. الخطورة الحقيقية في أن هذا النظام الذي حررته الثورة من المعتقلات والسجون بدأ حكمه بالوقوف في مواجهة الثوار الحقيقيين وأصبح يمثل العائق الحقيقي لتحقيق أهداف الثورة خاصة في التحول الى الديمقراطية والحرية وتبلور هذا بشكل واضح في تمرير دستور يمثل ردة الى الوراء بما يتضمنه من مواد تقيد الحريات ووسائل الاعلام ويقلص من استقلال القضاء. أزمة الثورة المصرية أنها أصبحت في حاجة الى موجة جديدة لتصحيح مسارها للوصول الى الأهداف التي قامت من أجلها بعد أن أيقن الشعب أن الثورة أسقطت نظاماً ديكتاتورياً واستبدلته بنظام متطرف بسبب الأيديولوجيا التي يقوم عليها، ويسعى الى حكم ديني - طبقاً لتصريحات قيادات جماعة الاخوان المسلمين - وهو أمر يتناقض مع أهداف الثورة وثقافة ومكونات المجتمع المصري بشكل عام.. وهذا التناقض سبب كل حالات الصدام التي شهدها المجتمع، ونتج عنه الانقسام بين ما يسمى تيارات الاسلام السياسي، وكل القوى السياسية والمدنية، وهو أيضاً ما أدى الى الوضع الاقتصادي المتدهور التي تعاني منه مصر. نفس الأمر ظهر على المستوى العربي والاقليمي بعد أن انتابت معظم الأنظمة العربية الهواجس من نظام الحكم في مصر، وسعيها الى اقامة دولة الخلافة بما يشير الى أن استقرار الحكم في مصر لهذا الفصيل سوف يؤدي الى تغير الأوضاع في تلك البلدان من خلال التنظيم الدولي للاخوان المسلمين الموجود بشكل معلن في بعض الدول وبشكل خفي في دول أخرى.. هذا الاحتقان ظهر بجلاء في الأزمة الموجودة مع الامارات الشقيقة التي تعد أقرب الدول الى قلوب المصريين، وكذا الحال مع السعودية والكويت ومعظم الدول باستثناء قطر صاحبة الاجندات الخاصة.. وكلها مخاوف وهواجس أدت الى خروج كثير من الاستثمارات العربية والأجنبية، وخلقت حالة من التوتر سواء كانت بشكل معلن أو دفين!! في ظل كل هذه الظروف المعقدة التي تمر بها البلاد، نجد النظام الحاكم مستمراً في سعيه الى تحقيق أهدافه أو أيديولوجيته أو ما يسمى بأخونة الدولة في محاولة لبسط يده على كامل السلطة في مصر اعتقاداً منه بأن السيطرة على مؤسسات الدولة يمكن أن يحقق له كل أهدافه في فترة زمنية قصيرة.. وهو أمر في غاية الخطورة ويمكن أن يسبب انهيار الدولة ذاتها على عكس ما حدث في 25 يناير 2011 لانهيار النظام فقط، لأننا الآن أمام وضع اقتصادي متردٍ ويقابله زيادة في الأسعار ومزيد من البطالة.. وأي انفجار سوف يسفر عن ثورة جياع تأكل الأخضر واليابس، ويكون على رأس ضحاياها جماعة الاخوان المسلمين.