يستيقظ محمد يومياً بسيمفونية من البكاء المتواصل حتى لا يذهب إلى المدرسة، ومرات يدعي أنه مريض.. تارة يشعر بدوار وأخرى بمغص، وعند العودة من المدرسة يبكي بالدموع لأنه يريد الذهاب إلى النادي وواجب المدرسة والمذاكرة التي تنتظره تمنعه من ذلك، ورغم كثرة المعلومات التي يحاول حفظها إلا أنه لا يجيد التعبير عن نفسه وغالباً لا يفكر بأسلوب صحيح . هذا هو حال غالبية أطفال مصر، إلا أنهم أخيراً بدأوا يصرخون في محاولة للفت الانتباه من خلال مشروع "سيبوني أفكر" معلنين عن رغبتهم في التعبير عن أنفسهم والتعلم بأسلوب مختلف. "سيبوني أفكر" مشروع تربوي خرج من عباءة ساقية الصاوي عام 2009 بشراكة مع الاتحاد الأوروبي، بهدف تنمية مهارات التفكير وحل المشكلات عند الأطفال، ويستهدف الأطفال من عمر 7 : 15 عاماً . ومن أهم شروط التطوع في المشورع أن يكون المتطوع ( مدرب الأطفال ) ذو خلفية تربوية فضلاً عن تميزه بالتفكير الابتكاري، ومن تتوافر فيه الشروط يخضع لدورات تدريبية متقدمة . تهدف الورشة إلى تنمية التفكير الابتكاري لدى الأطفال وكسر قاعدة الإجابة النموذجية، ويقوم المدربون بتعزيز وتشجيع أفكار الأطفال في حل المشكلات عن طريق الألعاب المرحة في جو تعليمي ترفيهي يفتقده الأطفال في تلقي دروسهم في المدرسة . انقذوا الفيل "من يستطيع إنقاذ الفيل الواقف على جزيرة من الجليد بدأت في الذوبان بفضل الاحتباس الحراري ..؟!". هذه أول لعبة في تعليم حل المشكلات في "سيبوني أفكر"، تقوم المدربة فيها بتوزيع الرسم الموجود به الفيل.. وبعدها تعلو أصوات الأطفال والتهافت على الحلول، فمنهم من يرى قطع النخلة الموجودة على الشاطئ ومدها إلى جزيرة الفيل ليعبر بسلام، ومنهم من يقبل على ركوب مركب خشبي ويذهب إلى الفيل ليعود به، ومنهم من يبتكر حلولاً غير متوقعة، ويبقى دور المدرب أن يصدّق كل إجابة بأنها إجابة صحيحة ومناقشة الأطفال فيها . سيبوني أقرر يتلو التفكير مرحلة التعبير ثم اتخاذ القرار في مشروع "سيبوني أفكر"، هذا ما تؤكده الناشطة الاجتماعية رحاب الطحان، قائلة : سيبوني أفكر هي المرحلة الأولى من المشروع ، بعدها تأتي مرحلة " سيبوني أعبر" ونقوم فيها بتدريب الطفل على التعبير الصحيح عن رأيه واحترام الرأي الآخر مهما كان مختلفاً عن رأيه، ويتم ذلك عن طريق اللعب الملموس والرسم والمشاركة في ورش عمل جماعية، وفي النهاية تأتي المرحلة الأخيرة وهي "سيبوني أقرر" وفيها يتدرب الطفل على اتخاذ القرار بمنتهى الديمقراطية والتأقلم مع الاختلاف مع الآخر . وتتابع : ولأن الطفل لديه نزعة أنانية فهو يفضل دائما إنتاجه، ويعتمد أسلوبنا في التدريب وتقويم سلوك الطفل على ألا ننهره وألا نقدم إليه المعلومة مباشرة، فنجعله يختار أفضل لوحة في المجموعة، فيختار لوحته ثم نطلب منه اختيار واحدة أخرى فيفكر بموضوعية ويختار الأفضل من وجهة نظره، نتناقش في أيهما أفضل ولماذا.. وهنا يرحب الطفل بالآخر، بعدها يأتي دور الديمقراطية في الاختيار ونعلمه كيفية التصويت فيحترم في النهاية رأي الآخر حتى وإن كان معارضاً له . سلوك مختلف مي يونس، إحدى مدربات الأطفال في "سيبوني أفكر"، تؤكد أنه رغم أن الطفل يقضي ورشة عمل واحدة، إلا أن غالبية الأمهات يجزمنّ بتغير سلوك أطفالهن إلى الأفضل.. من حيث الابتعاد عن الأنانية والتفكير المنطقي والمشاركة في النقاش العائلي حتى ولو كان سنه صغيراً إلا أنه يشعر بقيمته وبأن له دورا فعّالا . وتؤكد مي، وهي طالبة دراسات عليا في النقد والتذوق الفني، أن ورشة "سيبوني أفكر" من خلال أنشطتها الملوسة التي يقوم بها الطفل، والتعليم بالفن بشكل عام قادر على تغيير سولكيات الأطفال وتحسينها إلى الإفضل، وتقول :" إن الفن قادر على بناء عظماء لذلك أخدم مجتمعي بفني وأسعد عندما يخبرني أحد أولياء الأمور بتحسن سلوكيات الأطفال بعد ورشة العمل، فأنا مؤمنة بأن الثقافة الفنية تبني جيلاً من العظماء". أما آية صبري مدربة بورشة "سيوني أفكر" فتفيد بأن التعليم في المدارس حالياً خالٍ من الترفية، ويقتل قدرات الطفل الإبداعية، مما يخلق لدينا جيلاً خاليا من العلماء والمفكرين، جيلا لا يمكنه اتخاذ قرارات مفيدة . وتتابع : لذا لم أتردد في ترك عملي كمدرسة تعليم أساسي في مدرسة خاصة، والتفرغ للتعليم الحقيقي والواقعي في مشروع "سيبوني أفكر" وهذا بعد أن لمست الفارق في تحول سلوك الطفل واكتسابه مهارات عديدة لا توفرها له المدرسة أو المناهج التعليمية، وأهم تلك المهارات هي القدرة على اتخاذ القرار . انسف تعليمك القديم ونظراً لمساوئ نظام التعليم الحالي في المدارس تطالب الدكتورة عزة كريم، أستاذ علم الاجتماع بمركز البحوث الجنائية والاجتماعية، بنسف نظام التعليم الموجود حالياً من جذوره . وتوضح قائلة : إن التعليم الرسمي المعترف به في هذا البلد تعليم فاشل في كل محتوياته وأسلوبه، فهو يخرج عن أي اتجاه علمي يعتمد على الأساليب الحديثة المنهجية التي تشجع الطفل على تنمية الفكر والعقل والابتكار، كما يقتل المواهب والإمكانات المختلفة التي تساعد على تنمية المجتمع. وتؤكد أستاذ علم الاجتماع أن أفضل أسلوب للتعليم وتنمية قدرات الطفل لخلق جيل من المخترعين والعباقرة والسياسيين البارعين، هو أن يكون التعليم الأساسي تعليماً ملموساً عن طريق اللعب والرسم ليترسخ العلم في عقل الطفل، وهذا هو نظام التعليم في الدول المتقدمة لذا يسبقوننا بفارق كبير في التقدم . مضيفة : إن تطور التعليم ليس بمعضلة كما كان يوحي لنا النظام السابق كل عام، ويوهموننا بتعديلات وإصلاحات وهمية لنكتشف في النهاية أنها مهاترات لا تصلح من التعليم بل تفسده، ولذلك فإن ما تنادي به ساقية الصاوي من أساليب مختلفة لتدريب العقل والإمكانات والمهارات للأطفال أسلوب سليم منطقياً، ولكن لا يصلح إلا من خلال تعميمه، وقبل ذلك يجب دراسته الدراسة العلمية التربوية السليمة. وتطالب د. عزة كريم، مرة أخرى، بنسف التعليم الرسمي من جذوره، وتغييره لأنه تعليم فاشل، على حد قولها، يجعل الطفل والشاب يكرهه ويكره الذهاب إلى المدرسة ، والدليل على فشله تسرب أكثر من 60% من أطفال القرى من التعليم لأنهم غير قادرين على الاستيعاب، وفقرهم يمنعهم من الانخراط في دوامة الدروس الخصوصية، فتكون النتيجة تسربه من التعليم وزيادة نسبة عمالة الأطفال وزيادة عدد أطفال الشوارع، فتتفشى الأمية ويزداد الجهلاء الذين يعرقلون حركة التنيمة في المجتمع