يلتقط محمد عادل طالب الشهادة الإعدادية، أنفاسه عقب امتحان الدراسات الاجتماعية، ويشكر صديقه لأنه راجع معه المعلومات التى شكك فيها محمد داخل اللجنة، «لأن كان عندى غلطتين». يوجه محمد كلماته لتوءمه أحمد، ويصف له الامتحان بأنه مباشر لكن طويل جدا، وفى هذه الحالة يصاب محمد بارتباك خوفا من انتهاء الوقت قبل الإجابة عن كل الأسئلة. وهنا لا مانع من الغش، لأن القاعدة «ذاكر تنجح، غش تجيب مجموع»، هى المبرر الذى يقدمه التوءمان بمدرسة اللغات بمصر الجديدة. الغش الشفهى هو الطريقة المثلى فى امتحانات الترم، فى رأى التوءم، ولا داعى للجوء إلى «الافتكاسات» مثل الموبايل، البرشام، أو الكتابة على الديسك، «لأن اللى ها يتمسك بحاجة مكتوبة مستقبله ها يضيع بمحضر غش». «البرشام» مازال هو الوسيلة الأكثر شيوعا على حد تعبير التوءم، فى امتحانات المدرسة التى تجرى كل شهر، ويتم طبعه فى أحد مكاتب الترجمة بحى النزهة عند منزل التوءم. وطريقة إعداد البرشام كما يصفها أحمد، وهو يعدل من نظارته المائلة، تبدأ بكتابة المعلومات بخط صغير جدا على الكمبيوتر، ثم طباعتها، وتصويرها أكثر من نسخة، وتوزيعها فى مناطق مختلفة، «برشام فى المقلمة، وجيب القميص، والشراب، وكيس المناديل». وغالبا لا يحتاجها الطالب جميعها، لكنه قد يلجأ للتخلص من «البرشام» خوفا من المدرس إذا تجول فى الفصل أثناء الامتحان، وهنا عليه أن يجد بديلا. ليلى مدرسة اللغة الإنجليزية الأولى بالمدرسة تصادر «البرشام» فورا من الطالب لكن دون أن تؤذيه. وتعلق بابتسامة، على حكايات الطلاب عن الغش، «هم فاكرين المدرس شبح بيهدد مستقبلهم»، وهذا غير حقيقى لأن المدرس هدفه مصلحة الطالب ونجاحه، خصوصا طلاب الشهادة، لأنهم واجهة المدرسة. ليلى التى تراقب فى لجنة خارجية على طلاب آخرين من مدرسة حكومية، تعترف بأنها تسمح بالغش فى حدود. «تسلم أرقام الجلوس يعنى بداية الترتيب للغش»، يروى محمد أن الترتيبات المسبقة تبدأ بالبحث عن الأسماء التى تسبقه وتليه داخل اللجنة. «أهم حاجة أتعرف على الولدين دول»، وغالبا تكون اللجنة كلها اسمها محمد، «لأنه يعتبرهم بمثابة حماية له داخل اللجنة، «علشان لو نسيت أى معلومة أغشها». الغش فى رأى التوءم المتماثل تماما، والمعروفان «بالدحيحة»، تعاون مشروع يتبادل من خلاله الطلاب المعلومات، من أجل تحسين المجموع. وغالبا الطالب الشاطر هو الذى يلجأ للغش أكثر لأنه «يؤكد معلوماته» لكن الطالب الفاشل «مش مذاكر أصلا، ومش ها ينفع يغش الامتحان كله». تتذكر ليلى وهى تراقب على الطلاب أثناء الامتحان، نفسها وهى صغيرة، «كنت بعمل زيهم بالضبط»، وتتخيل أطفالها «مزنوقين فى معلومة» داخل اللجان، لذلك «بفك اللجنة فى آخر ربع ساعة، لكن من غير هرج ومرج». هى أم لثلاث أطفال فى مراحل تعليمية مختلفة، أكبرهم فى الصف الأول الإعدادى بنفس المدرسة. وهى ترى نظرية التوءم صحيحة، لأن الطالب الشاطر أحيانا يحتاج للتأكد من معلومة «ممكن ينسى من التوتر والخوف»، لكن الطالب الذى تلاحظ أنه «بيحرك ويفرك» من أول الامتحان تعرف أنه «مش مذاكر وعايز يغش الامتحان كله». يقول محمد فى فخر الطالب الشاطر «بيعرف يغش إيه، امتى، وإزاى»، يقصد أن هناك أسئلة تحتاج إجابات مطولة «مقالية»، لا يمكن غشها لأنها تحتاج للكلام لفترة طويلة، لن يسمح بها المراقب «حتى لو فاكك اللجنة». يتذكر محمد وهو يعدل مرة أخرى من وضع نظارته الساقطة على أنفه، كلمات والدته قبل الذهاب للامتحان صباحا، «لو فى معلومة مش عارفها أتأكد منها من صاحبك». وعبارة والدته فى تفسير توءمه أحمد «باب مفتوح إنى أخد معلومة كاملة مش بس أتأكد»، ولكنه يحب أن يذاكر جيدا، ويترك الغش للتأكيد على المعلومات فقط من أجل الحصول على الدرجات النهائية. حصل محمد على مجموع 95% فى امتحانات الفصل الدراسى الأول، فى حين قل أحمد 1% كعادته ولكنهما يحاولان رفع مجموعهما خلال الامتحانات الحالية التى بدأت فى 25 من مايو الماضى. أحدث وسائل للغش فى وصف أحمد هو الموبايل، ولكنه مخاطرة كبيرة فى رأيه «لأن المدرس عنده حساسية من أى طالب يمسك موبايله فى إيده وقت الامتحان». يقول أحمد إن الموبايل يمنع استخدامه فى المدرسة، لذلك يستخدم بحرص فى الغش، يمكن تصوير بعض المعلومات من الكتاب، «صفحة كاملة أو مقاطع معينة»، خاصة أن موبايله «آى فون» يتميز بشاشة كبيرة، تسمح له بقراءة المكتوب من بعيد»، والخوف دائما من المدرس «ممكن لو شاف الموبايل يفصلنى 3 أيام، ده غير صفر فى الامتحان». ليلى مدرسة الإعدادى تعلم جيدا أن هذا الجيل مختلف عن زمانها، لأنهم «جيل الانترنت والتكنولوجيا» وهذا يشعرها بارتباك شديد داخل اللجان، إذا شاهدت طالبا يمسك بهاتفه المحمول، «مرة ولد قال لى أنا كنت بعمله صامت»، ولكنها اكتشفت فى آخر الامتحان من طالب كان يجلس بجواره، أنه كان يضع سماعة بلوتوث على أذنه، لا تظهر من أسفل شعره الطويل، وكان يستمع طوال الوقت للإجابات من صديقه الذى ذهب إلى الحمام، ليبدأ فى قراءة الإجابات من ملزمة ملخصة مخبأة بعناية أسفل ملابسه. وعلى الرغم من أن المدرسة تمنع استخدام الطلاب للهاتف المحمول، فإن الطلاب لا يلتزمون بهذه القواعد وأصبح وجود الموبايل عرف ليطمئن ولى الأمر على ابنه. وتعترف ليلى صاحبة الأربعين عاما أنها تسمح لهانى ابنها الأكبر بالذهاب إلى المدرسة بالموبايل، «علشان يبقى زى صحابه».