بعض المحللين اعتبر ثورات الربيع العربي مجرد أحداث من التذمر والاستنكار والاحتجاج والعنف المتبادل، وهي بالتالي لا ترقى إلى الثورة، خصوصاً أن تداعياتها السياسية والاقتصادية طغت على معطياتها النسبية والمرحلية. حتى إن أعمال العنف السائدة، كما هو حاصل في سوريا وليبيا وإلى حد ما اليمن، وحتى مصر وتونس، باتت من الأعمال التي تقع خارج سياق الثورة بمفهومها التغييري الشامل وبحيثياتها المواطنية والأخلاقية، بل إن بعض هذه الأحداث صنفت كحرب أهلية أو طائفية وصراع على السلطة، كما أن العامل الخارجي راح يلعب دوراً في تحديد مسار هذه الأحداث، من خلال توصيلها إلى مديات تدميرية وتخريبية . لذا، فالسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الوقت هو: هل انتهت الثورة؟ والإجابة عن هذا السؤال، يجعلنا نذكر التداعيات والنتائج التي انتهت إليها الأحداث في أكثر من بلد من البلدان التي ضجت بالتطورات والتداعيات تحت مسمى “الربيع”، ولو تناولنا البلدان التي أطيحت بها النظم السابقة، كما حصل في تونس ومصر وليبيا وحتى اليمن، فإن النتائج النسبية والتداعيات المتواصلة في هذه البلدان، تجعل المراقبين والمحللين ينظرون إلى واقعها ونتائجها ومستقبلها بمنظار التشاؤم والإحباط . بينما في سوريا لايزال المشهد مضطرباً بعدما تحولت أحداثها إلى حرب داخلية في أكثر من عنوان، أو كما ذكرت صحيفة “الغارديان” البريطانية في توصيف لحال المسلحين في مدينة حلب السورية بالقول، “وهناك فئات موجودة في حلب للنهب وكسب المال فقط، وجماعات أخرى للقتال” . وهذه مصر في ظل حكم “الإخوان” تعيش أجواء مأزومة جراء مسيرات القوى المعارضة ومسيرات القوى المناصرة، حتى راحت الحالة الاقتصادية تتدهور يوماً بعد آخر، كما أن هناك شهادات عدة تؤكد على قيام مناصري الجماعة الحاكمة بارتكاب ممارسات وحشية وغير أخلاقية بحق المتظاهرين، وهي ممارسات مخجلة إلى حد بعيد، لا سيما ضد النساء اللواتي تظاهرن ضد بنود الدستور، الأمر الذي جعل المحللين يصرحون إقراراً بالقول، “نقرّ بأن نظام مبارك و(الحزب الوطني) مازال قائماً كما كان مع إعادة إنتاج شكلية، ولقد تبخرت الثورة قبل أن تحقق هدفها الأعظم . . وبالتالي فإن مصر أصبحت بحاجة إلى ثورة ثانية” . يقول أحد الكتاب المصريين: “هناك ميليشيات لا همّ لها سوى ترويع الثوار، خصوصاً السيدات والفتيات، بمحاولة التحرش بهن، لكنها في هذه المرة فاقت الحد” . وفي تونس، الثورة انتهت ميدانياً وسياسياً، إذ إن معظم التونسيين يريدون أن تجري الأمور على نحو اعتيادي، حيث اقتنع الشعب على مضض بما تحقق من تغيير شكلي، وهو تغيير لا يتعدى إسقاط نظام بن علي ومجيء نظام الإسلاميين الذين فاقوا العلمانيين “بمناوراتهم الديمقراطية”، إذ إن الاحتجاجات أصبحت هامشية أكثر مما هي مؤثرة، وفي المقابل راحت القوى السلفية المشاركة في الحكم تُكشر عن أنيابها ترويعاً في أكثر من مناسبة ومكان . وعلى هذا الواقع، فإن المراقبين يعتقدون أن تونس في حاجة إلى الانتقال من الثورة بكل شكوكها ومخاوفها إلى الإصلاح طويل الأمد، وإلا فستواجه حقبة جديدة من عدم الاستقرار، بغضّ النظر عن الأحزاب الموجودة في الحكومة . إذاً، ماذا تبقى من الثورة على نحو ما ذكرناه؟ وهنالك الكثير من الأسئلة المطروحة، مثلما هنالك الكثير من الأجوبة التي ضجرت من أسئلة كهذه، وبالتالي: هل هناك ثورة بمعنى الثورة؟ قد تكون الإجابة عن سؤال كهذا مجرد وجهة نظر شخصية، حتى لو تحلت بالموضوعية قدر المستطاع . الثورة هي الإرادة الجماعية للأمة حين تعلن العصيان، وليست حرفة القتل التي هي مهنة الطاغية بامتياز، وعلى الثورة ألا تنقاد إلى هذه الحرفة التي رائدها الغدر والسلاح، ونتائجها الموت والدمار . نقلا عن صحيفة الخليج