تذكرت مشهد وضع فيه خروشوف حذاءه فوق منبر الأممالمتحدة وطرق به المنبر متوعدا أمريكا عام 1960. وحديثا لنتنياهو في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة يشرح لهم ما تقبله إسرائيل من إيران وما لا تقبله والجمعية العامة على رأسها الطير، وكأنه يضع حذاءه فوق المنبر، وكأن إسرائيل هي القوة العظمى الوحيدة في عالم اليوم مطلقة الإرادة في فعل ما تشاء وقتما تشاء وحيثما تريد، والأمثلة بلا حدود ودون أي رد فعل من عالم أكلت القطط ألسنتهم وطحنت أمريكا إراداتهم، وتمثلت الرئيس المنتخب وكأنه يضع نعل حذائه في وجه كل قوى المجتمع المصري، متناسيا أن نعل حذائه يحمل من الثقوب ما لا حصر له، وأنه ملطخ بدماء شباب وثورة، وإن فتح الباب أمام حديث الأحذية لا رادع له، وإن الشعب قام بإزاحة رئيس سابق في مواجهة قوات أمنه التي عجزت عن الصمود أمام إرادة الشعب، ولم يكن الشعب قد استخدم أحذيته بعد. الإخوان ليسوا ذئاب المجتمع وغيرهم من الحملان، ولكن الحقيقة أن مصر ورثت بعد الثورة الشعبية، قطيعا من الأحزاب والجماعات والنخب السياسية، أقل ما يوصف به أنه غريب عن ثورة الشعب، وأن السبب الحقيقي لوجودهم هو الفراغ الذي نجم عن ذهاب الحزب الحاكم السابق، وعدم وجود تنظيم للثورة يتحمل مسؤولية أهدافها ويملك رؤية لتحقيقها ويحشد قوى المجتمع وراء هذه الأهداف. لم يكن المجلس العسكري هو راعي هذا القطيع، ولكن الحقيقة أن أمريكا هي الراعي، وأمريكا تبيع القطعان التي ترعى عندما يحين وقت ذبحها. هذا القطيع استشرى في بدن مصر الدولة كفيروس الإيدز الذي يقضي على المناعة الذاتية للجسم البشري، بعد أن استحوذت عناصره الحديث باسم الثورة والديمقراطية والبكاء على الدم المسفوك فوق الإسفلت، سواء تحت رايات دينية أو رايات غير دينية. أحذية وقطعان وفراغ يملؤه غير المهيئين له والموقف يتداعى والكل يلهث، والأفق ملبد بغيمة الذكرى الثانية للخامس والعشرين من يناير، والحوارات على برامج التلفزيون صارت كحالات الاجترار ولا تحمل جديدا، والمشاهدون يجرون إلى برامج تحول ألفاظا نابية متداولة في الشارع إلى كلمات مقبول أن تقال على مسامع الملايين، والسخرية من الذات صارت مبعث الضحك وكأن حالة الهوس بلغت مداها. الإخوان والجماعات الإسلامية قضت عمرها في الظلام وتحمل فوق كتفها أوزار القتل في تاريخها، والتعامل مع الأجهزة داخليا وخارجيا، فتخبطت وانكشف وجهها الحقيقي وما تضمره تجاه وطن وأمة واتضح أمامها عدم قدرتها على هدم الهوية المصرية ولكنها هدمت أسماء كانت تمثل داخل المجتمع نوعا من الانحياز ضد السلطة السابقة عندما انحرفت بهم كما جرى مع البشري والغرياني ومجموعة القضاة المستقلين، بل إنها تجاوزت كل ذلك وتجرأت على إحداث فتنة داخل الدين الإسلامي ذاته، وتتوعد وتكذب، وكما سرقت الثورة، سرقت الدستور، وكما أشعلت وأججت الفتنة بين الشعب والجيش، ها هي تنادي بحق ليهود مصريين أن يعودوا لمصر متهمة جمال عبدالناصر الذي حاولوا اغتياله عام 1954أنه طردهم من مصر على غير الحقيقة والوقائع التاريخية، وفي الوقت ذاته يجري وأد حقيقة الخطر الكامن في إسرائيل، بل بلغ الأمر حسب خبر عاجل من سيناء أن الإخوان والجماعات الإسلامية تحرض مشايخ سيناء على الجيش المصري، وتجاوز الأمر كل هذا إلى تحريض من عناصر إسلامية ضد عدد من الأسماء التي تنتسب إلى شباب التحرير ويصاب أحدهم بطلق من الخرطوش ينتشر بوجهه ورقبته وكاد أن يصيب المخ، ومازال تحت العلاج وآخر بثلاث طعنات في البطن وتم علاجه، هل هي نقلة جديدة بعد مواجهات 5 ديسمبر أمام الاتحادية عندما هاجمت جماعات من الإخوان المعتصمين هناك وتقتل 10 من المعتصمين، أم أنه انفلات وليس مخططا؟ وسواء أنه عمل منظم أو هو انفلات فإن تحقيقات الاتحادية تعرضت لمحاولة الإجهاض من النائب العام الجديد الذي عينه الرئيس المنتخب. ورغم كل ذلك فإن الإخوان ومن معهم ليسوا بالذئاب، بل هم ضمن قطيع الراعي الأمريكي. الإخوان ومن معهم ليسوا بالأقوياء وليس وراءهم من يدعمهم، ولا أدل على ذلك غير حرق مقارهم ووقائع الإسكندرية والمحلة الكبرى عندما كانوا يلوذون بالفرار أمام جماهير غاضبة، وهم أيضا لا يملكون قوة تتمثل في القدرة على إدارة دولة، والغريب أن الراعي الأمريكي ينصحهم بعدم الاعتماد على الأغلبية التي تحققها الصناديق فهي حتى اللحظة لم تحدث توازنا لصالحهم، بل رغم الأغلبية منذ استفتاء 19 مارس حتى استفتاء الدستور، فإنهم فقدوا القبول السياسي والاجتماعي بين الشعب. ومن يقف في مواجهتهم، يفتقد أيضا ظهيرا شعبيا، بل انكشف أمام الشعب وعناصر الثورة، واختار ذات لعبة الصناديق، وهو لا يملك أدواتها، بل واكتفى بالأسماء والعداء للإخوان والتيارات المتحالفة معهم كمبرر للبقاء، فخسر قيمة أن يطرح رؤية ليس امتناعا عن ذلك، ولكن لأن ذواتهم البشرية عششت كما العنكبوت داخل العقول وصارت شخوصهم والسلطة والصندوق هي الوطن. الكل يسهم في اغتيال الوطن... ولا أستثني منهم أحدا. المشهد يحفل بصور تستدعي الرثاء.. 1. لا أستطيع الحصول على نسخة كاملة للدستور الذي جرى الاستفتاء عليه. 2. أن قانون الانتخابات الجديد تجري صياغته بين وزارة العدل وبين مجلس الشورى الإخوانيين، وسيتم إقراره، ونحن ننتظر حكم الدستورية بشأن مدى صحة مجلس الشورى يوم الثلاثاء 15 يناير. 3. أن التناطح بين الإخوان وحلفائهم وبين الأزهر والقضاء والإعلام مستمر وبكل الإصرار والخروج على المألوف. 4. أن أعضاء النيابة في مصر يواجهون تعيين النائب العام ويصفونه بأنه تعد على السلطة القضائية التي توجب أن يختار المجلس الأعلى للقضاء النائب العام، والرئيس المنتخب مستمر في عناده، وهاتوا آخر ما عندكم!! 5. أن عناصر في الإعلام بدأت مؤخرا بناء جبهة في مواجهة الاعتداء على حرية الصحافة والإعلام. 6. أن يخرج مساعد الرئيس للعلاقات الخارجية والذي أصبح بديلا لوزير الخارجية، ومعه رئيس جهاز المخابرات إلى دولة الإمارات العربية، لبحث أمر القبض على 11 مصريا اتهموا بتكوين خلية إخوانية، بينما هناك ما يزيد على 300 مصري لم يجدوا من يبحث أمرهم هناك. 7. أن اقتراح العريان بشأن اليهود المصريين الذين خرجوا من مصر وحقهم في العودة، لم يكن من بنات أفكاره، ولكنه رد على مطالبة نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل في أكتوبر الماضي بحل أزمة 850 ألف من اللاجئين اليهود في إسرائيل والذين أخرجهم العرب من بلادهم، وحقهم في العودة والتعويض، وتذكرت استجابة بيجن للسادات. 8. أن دعوة تصم الآذان بإصدار صكوك أعلنوا أنها إسلامية، ترهن أصول الدولة، ومازال الأزهر يرفضها. ليس هناك طريق سهل أو مختصر للوصول إلى القوة الثالثة التي تعبر عن إرادة الشعب في "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، ولكن وجود القوة الثالثة صار ضرورة لإنقاذ الوطن من الاغتيال، فهل يخرج من 25 يناير القادم بداية جديدة للقوة الثالثة. قالت مهندسة شابة بحكمة فاقت حكمة المسنين والنخبة والساسة: لو كان للثورة قائد أدرك أهدافها وامتلك الإرادة التي تعبر عنها، وحقق ما نصبو إليه، لنجح خلال العامين الماضيين أن ينجز إنجازا رائعا، ولكن الإنجاز المادي فوق الأرض كان سيفقدنا حالة اليقظة الشعبية... وأكملت: الآن تنكشف الحقائق أمام الشعب، نعم نحن ندفع ثمنا متكررا لما كنا نطالب به، ويضيع منا زمن نحن أحوج ما نكون إليه، ولكن هذا ثمن مضاف ليبقى الشعب في حالة اليقظة ويقبض على أمره بيده ويحول دون إعادة بناء جدار الخوف، حقيقة هو جيل يثق في نفسه ويرى أن البناء الشعبي لأهدافه وتحقيقها هو سبيل الاستقرار، هذا جيل لا يهزم، جيل رأى أنه لا فارق بين من قفز للسلطة ومن يقف معارضا لها. جيل يبحث عن البديل، ولا يجد فيما هو مطروح عليه بديلا. جيل يعيد صياغة ذاته وما حوله ويرفض القائد الفرد، ويطالب بالرؤية الواضحة لتحقيق الوجود قبل الحديث عن الأسماء. جيل روى واحد منهم، عن ابنه وعمره 13 عاما قال لأبيه: أنا لا أخاف من شيخ بدقن أو شيخ ببندقية!! فكيف وهذا حال الأحفاد أن يكون حال آبائهم؟ نقلا عن صحيفة الشرق القطرية