التدبر فى كتاب الله من اسباب زيادة الايمان والثبات على الحق وجاءَ في سورة الحج قول الله تبارك وتعالى: {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}،[3] وموضوعُ الآيةِ الكريمةِ هو تعظيم حُرّمات الله وشعائرِهِ وأوامرِه، ويُقصدُ بالشعائر: أعلام الدين الظاهرة والبارزة ومثالُها جميعُ المناسك كالصفا والمروة والهدايا وتقديم القربان للبيت الحرام، حيثُ قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ}،[4] والمقصود بتعظيم الشعائر أيّ إجلالها واحترامِها والقيام بها على أكملِ وجهٍ يستطيع العبد أدائه، وأكملُ وجهٍ في تعظيم الشعائر أن يستحسِنَ العبدُ كل ما يُقدمه لله تعالى كالهدي فيكونُ تعظيم هذه الشعيرة باستحسانِها واستسمانِها وانتقاءِ الأفضلِ منها، وأن تكون مكملةٌ من كل وجهِ، فمن يفعل هذا ويعظم شعائر الله تعالى فهذا صادرٌ عن تقوى قلبِهِ، فامتدحَ الله تبارك وتعالى من يعظم شعائرَهُ وعدَّ هذا دليلًا على تقواه وإيمانهِ الصحيح وسلامة سريرتِه ونقاءِ قلبِهِ؛ لأن تعظيم هذه الشعائر يتبعُ لتعظيم الله تعالى وإجلاله.[5] قال الواحدي في تفسيره لقول الله تبارك وتعالى: {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}، معناه أن يستسمن البُدن أيّ الهدي فإن ذلك من علامات التقوى، وقال البغوي في تفسيره: "{ذَٰلِكَ}؛ يعني: الذي ذَكرت من اجتناب الرجس وقول الزور، {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}، قال ابن عباس: {شَعَائِرَ اللَّهِ} البُدن والهدي، وأصلها من الإشعار وهو إعلامها ليعرف أنها هدي، وتعظيمها استسمانها واستحسانها، وقيل: {شَعَائِرَ اللَّهِ} أعلام دينه، {فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}؛ أي: فإن تعظيمها من تقوى القلوب". ومن بيانِ القرآن الكريم وفصاحتِهِ أن يبدأ بالعموم، ثمَ يأتي بتخصيصٍ في مواضع أخرى لهذا العموم، فيدخل أجزاءً من العام في هذا التخصيص، فيكون هذا الجزء قطعي الدخول في العموم، ولا يمكن إخراجه بمخصّص، ومن أمثلةِ هذا في كتابِ الله تعالى قولهُ تعالى: {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ}، فهذه الآية عامةٌ في جميعِ شعائرِ الله تعالى، وجاءت نصُ على أن البدن مما يدخلُ في هذا العموم، فأصبح جزءًا منها ويدخل من ضمن هذا العموم قطعًأ والنص الذي خصَّص هذا العموم هو قول الله تبارك وتعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ}، فيدخلُ في هذه الآية تعظيم البدن واستحسانِها واستسمانها، فقد كانوا في عهدِ رسول الله يختارونَ السمين من الأضاحي، وينتقونَ الأفضلَ منها ويرون أن هذا من تعظيمِ شعائرِ الله، كما جاءٌ نصٌ على التخصيص أيضًا وإدخالُ جزءٍ في هذا العموم وهو الصفا والمروة لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ}،[4] فتعظيمُ هذه الشعيرة المنصوص عليها في هذه الآية دليلٌ على عدم التهاون بالسعي بين الصفا والمروة وعدها من الشعائر التي ينبغي تعظيمِها.[7] وجاء في سورة الحج قول الله تبارك وتعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ}،[8] وهناك فرقٌ بين حرمات الله في هذه الآية، وشعائر الله في قول الله تعالى: {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ}، وشعائر الله تعالى كما تم بيانها هي أعلام الدين الظاهرة والبارزة والمناسك، وأما حُرمات الله فهو كُل ما جعل الشرعُ لَهُ حُرمة واستحقَ التوقير والتعظيم والتكريم والاحترام، كالحرم وموسم الحج وشهر رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى وجميعُ مواسم الطاعات والمناسك وغير ذَلك، ومن عظمَ حرمات الله تعالى ووقرها فقد استحقَ الثواب الجزيل من الله تعالى، فمن اجتنبَ كُل ما حرمه الله تعالى فهو معظِّمٌ لِحرمات الله تعالى، والمقصودُ بذَلك أن الله قد أحل لعبادِهِ أطيب اللحوم، وحرَّم عليهم كل الخبائث؛ كرمًا ورحمةً من الله تعالى لعبادِهِ، وطلب منهم اجتناب أي شيء يتسبب لهم المضرة في جميعِ المجالات، ففي الاعتقادِ طلبَ الله تعالى من عبادِهِ أن يتجنبوا عبادة الأوثان، وفي الأخلاقِ طلبَ منهم اجتناب أفعال الزور وقول الزور، وفي مأكلهم طلب منهم اجتناب الخبيث من اللحوم كلحمِ الخنزير، وذوات النابِ والمخلب والميتة والدم المسفوح، وفي المعاملات حرم الله تعالى الرشوة وأكل مال اليتيم والربا حيثُ قال الله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}[9] وقال السعدي في تفسيره لهذه الآية: "{ذَلِكَ} الذي ذكرنا لكم من تلكم الأحكام، وما فيها من تعظيم حرمات الله وإجلالها وتكريمها، لأنّ تعظيم حرمات الله، من الأمور المحبوبة لله، المقربة إليه، التي من عظمها وأجلها، أثابَه الله ثوابا جزيلًا وكانت خيرًا له في دينه، ودنياه وأخراه عند ربه".