«ينبغي على الدولة أن تتسامح مع جميع أشكال الاعتقاد دينيًا أوفكريًا أواجتماعيًا،ويجب أن تنشغل في الإدارة العملية وحكم المجتمع فقط، لا أن تنهك نفسها في فرض هذا الاعتقاد أو منع ذلك التصرف « الفيلسوف الإنكليزي «جونلوك» على مر العصور ظلت متلازمة الدين والسياسة طافية على سطوح كل الأحداث، وطالما حاولت السلطة الدينية إحكام قبضتها على السلطة السياسية مما نشأ عنه تلاحم في معظم الأحيان، هذا التلاحم بين السلطة الدينية والسلطة السياسية في البلاد العربية والإسلامية ادى لظهور حركات سياسية بايديولوجية إسلامية تستخدم الدين من أجل الوصول إلى مآربها السياسية، وكان من الطبيعى أن تتشكل لهذه الحركات أجنحة عسكرية حتى تمدها بالقوة، و من هنا بدأ العنف. حول علاقة الدين بالسياسة نظمت لجنة التاريخ بقاعة المؤتمرات بالمجلس الأعلى للثقافة مؤتمرًا تحت عنوان «الدين والسياسة في مصر على مر العصور» استمرت فعاليات المؤتمر على مداريومين، نظم المؤتمر تحت رعاية الدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة و الدكتور سعيد توفيق أمين عام المجلس، و بحضور نخبة من أساتذة التاريخ في مصر. بدأت الجلسة الافتتاحية بكلمة للاستاذة الدكتورة زبيدة عطا مقررة لجنة التاريخ بالمجلس، وكلمة الاستاذ الدكتور محمد عفيفي عبد الخالق استاذ التاريخ،وعقدت الجلسة الأولى تحت عنوان «الثورات في مصرالإسلامية»،وتحدث فيها الدكتورمحمودإسماعيل و الذي دار حديثه حول الدين والسياسة في الإسلام، أما الدكتورسحرالسيد سالم فقد ناقش فكرة الرمز الديني وأثره على سياسة دولة المماليكك في مصر في الثلث الأول من القرن الثامن الهجري، فيما تحدث الدكتورمحمد أحمد محمد عن الأثر المذهبى في دعم النفوذ الفاطمى على مدى تاريخه. ثم بدأت الجلسة الثانية برئاسة الدكتورأحمد زكريا الشلق استاذ التاريخ، وكذلك تحدثت خلالها الدكتورة زبيدة محمد عطا، والكاتب حلمي النمنم، والدكتورجمال معوض شقرة، والدكتورمحمدعفيفى. واختتمت فعاليات اليوم الأول بالمائدة المستديرة وتحدث خلالها مجموعة من المثقفين والكتاب والنشطاء السياسيين منهم سميرمرقص، ونبيل عبد الفتاح،وفيفيان فؤاد، وإبراهيم الهضيبي. بدأ الدكتور محمد عفيفي عبد الخالق رئيس مركزالدراسات التاريخية بجامعة القاهرة حديثه مؤكدًا أهمية حيوية العلاقة بين الدين والسياسة، نتيجة للأوضاع التي تشهدها مصر والعالم العربي فقال: على مدى العصور لم تكن في مصر أزمة بين الدين والسياسة، مصر هي التي علمت العالم الدين و تساءل أليست مصر هي التي علمت العالم كله عبادة ايزيس؟ فالمصريون بطبيعتهم مؤمنون، لقد ظل الأزهر الشريف لعقود طويلة منارة للدين في العالم الإسلامي كله، فمن أين جاء الصدام الآن بين الدين والسياسة، لقد تخلي أصحاب المنابر عن دورهم الوعظي و هم يلهثون الآن وراء كراسى الحكم. وفي مداخلة خاصة للوفد مع الدكتور محمد عفيفى على هامش المؤتمر سألناه، هل تخشى على كتابة التاريخ في الحقبة القادمة بعد خلط الدين بالسياسة في مصر ؟ فقال: من أعماق قلوبنا نحن قلقون على كتابة التاريخ في الفترة القادمة، فالتحيز و التحزب كانا دائمى الوضوح في كتابة التاريخ، لقد طالبت بإنشاء وحدة دراسات قبطية في المركز أثناء حكم الرئيس مبارك فما كان الرد إلا بتحويل الطلب إلى جهاز أمن الدولة و رفض المشروع طبعًا، و على ذلك فلابد أن يكتب التاريخ بعيدًا عن الدين كما يجب أن يفصل الدين عن السياسة، فالدين هو دعوى للحب والخير والجمال ودعوى إلى ترك متع الحياة انتظارًا لحياة الفردوس الأجمل، أما السياسة فهى الواقع وهى فن الممكن بما تحمله من حيل و مراوغات و ربما مؤامرات أيضًا، لذلك عندما يتدخل الدين في السياسة تأتى الإشكالية التي لا يمكن حلها و عليه فلا يمكن أن يكون الدين شريكًا في السياسة بأى حال من الأحوال. أما الدكتورة زبيدة عطا فقد استهلت حديثها خلال المؤتمر بعبارة الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي، «أتمني أن يصل الدين إلى أهل السياسة ولا يصل أهل الدين إلى السياسة»، مؤكدة أن الصراع الدائر الآن من أهل الدين و محاولتهم إقحام أنفسهم في السياسة وترك مهمتهم الأساسية و هي الدعوة، هذه المحاولة لن تأتى على مصر بالخير، وتطرقت عطا بحديثها إلى فكرة الخلافة الإسلامية والتي تحولت إلى مجرد غطاء ديني لأهداف سياسية واضحة، مدللة على ذلك بالخلفاء العباسيين الذين استخدموا الدين لتغطية الاضطرابات و الفتن والإفلاس السياسي، و أكدت عطا أن الدين وتر حساس لدى الشعوب خاصة إذا كان شعبًا مؤمنًا مثل المصريين، وقالت إن الحاكم غالبًا ما يخطر هذا الوتر في ذهنه عندما يريد أن يحكم شعبه بغير العدل ضاربة مثالا على ذلك بالملك فؤاد حين أراد تغيير وتعديل دستور 1923 واستعان ببعض رجال الدين لتمرير ماتم تعديله في الدستورفى ذلك الوقت. وقدم د.عادل عبد الحافظ حمزة ورقه بحثية تحت عنوان «الدين والسياسة في مصرفى عصر دولة المماليك البحرية»، أكد فيها أن فكرة ربط الدين بالسياسة فكرة قديمة قدم دول وممالك وامبراطوريات العالم ذاته، ومصر من الدول المعاصرة لتلك الأفكار على مر عصورها لكن اختلف الربط بين الجانبين من عصر إلى آخر، طبقا للظروف السياسية لكل عصر، وإذا كان من الحكام في مصر من استغل الدين في جانب حياتي واحد، أو في عدة جوانب أو في شتي جوانب الحياة بهدف تطويعه لخدمة أهدافه السياسية.وأضاف عبد الحافظ أن الدولة الأولي لسلطنة المماليك نهجت نهجا يكاد يكون شموليا تحت ستار الدين من أجل خدمة أهدافهم السياسية، ويتضح هذا من خلال استماتة هؤلاء المماليك في الدفاع عن مصر والشام ضد الصليبيين والمغول حتى تمكنوا من طردهم نهائيا بلا رجعه، كذلك اهتموا بجذب الشعوب الخاضعة لهم في مصر والشام والحجاز تحت ستار الدين، حيث جاءوا برجل من بني العباس وأقاموا به خلافة عباسية في مصر ليضفوا علي وجودهم صبغه شرعية، واهتموا كذلك بالعلماء والقضاة وحاول بعض السلاطين استخدام هؤلاء لتنفيذ أهدافهم السياسية، وأنشأوا المساجد والمدارس والأسبلة والحمامات ليخدموا الناس علميا واجتماعيا وصحيا ودينيا، ذلك حتى ينسي الناس أصلهم غير الحر، ويعتبرون كل هذا تقربا إلى الله. ثم خصصت الندوة الثانية من المؤتمر لمناقشة مذكرات الشيخ أحمد حسن الباقوري وعن مدة بقائه في جماعة الإخوان المسلمين وعن اشتراك القمص سرجيوس في ثورة 1919 والذي لقب بخطيب الثورة آنذاك. وفي حديث خاص للوفد مع الدكتورة إيمان عامر استاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة و بسؤالها هل الخلط بين السياسة و الدين سيؤثر سلبًا على كتابة التاريخ مستقبلًا؟ قالت: للأسف هناك إشكالية كبرى في كتابة التاريخ و ربما هذه الإشكالية لا تخص مصر أو الوطن العربي فقط إنما هي ظاهرة تخص العالم كله و تتمثل هذه الظاهرة في أن كل عصر لابد أن يلقى بظلاله على كتابة التاريخ فيمجد ذاته و إنجازاته وربما يجمل قبحه أيضًا ثم يهمش كل من كان قبله وربما يشوهه، وتتجلى خطورة هذه الظاهرة في المناهج الدراسية فمتابع كتب التاريخ المدرسية في حقبة مبارك يستطيع أن يرى بوضوح كيف تم تقليص دور كل من عبد الناصر والسادات، والتهميش في التاريخ لا يكون فقط لأشخاص إنما يكون لحقبة كاملة، من منا يتصور أن الحقبة القبطية وهي التي تمثل ثلاثة قرون في تاريخ مصر تأتى في ثلاثة أسطرفقط في أي كتاب مدرسى هذا تحيز لا يقبله عقل، و عليه نحن نعلم مقدمًا كيف سيكتب التاريخ في الحقبة القادمة. أما الدكتور أحمد زكريا الشلق استاذ التاريخ حين سألناه إذا كنا نحن نكتب تاريخنا بهذا التحيز فهل ننتظر من الآخرون كتابة تاريخنا بحيادية؟ فقال: لا، التاريخ في كل أحواله يكتب بتحيز سواء كتبه الآخرون أو كتبناه نحن، و لكن حين يكتبه الآخرون تكون المغالطات التاريخية صارخة و مؤثرة على نظرة كل من يتبع هذا الآخر، فالمستشرقون مثلًا لم يكتبوا تاريخ مصر بحيادية أبدًا لأن المستعمر دائمًا ما يروج لمشروعه الاستعمارى على أنه مشروع إنسانى نهضوى محاولًا إظهار الأمم المستعمرة في صورة من الجهل والتخلف وعلى إنه كان المنقذ، وهذا ما حدث في كتابة كل تاريخ العالم وقارئ التاريخ الجيد صاحب العين الثاقبة يسطتيع أن يدرك هذا بسهولة لذلك يجب علينا أن نعرف العالم علي أنفسنا من خلال كتابة محايدة لتاريخنا، وأيضًا ان نتابع كل ما يكتب عن تاريخنا في العالم ونرد عليه من خلال كتابات تاريخية محايدة.