قالت مجلة "فورين بوليسى" الأمريكية "مع تمرير الدستور المثير للجدل من خلال استفتاء شابه تراجع نسبة الإقبال، وفى ظل عملية اختلال عميق، وتبادل الاتهامات المريرة من جميع الجوانب، انتقلت الأزمة الأخيرة في مصر مؤخرا إلى مرحلة جديدة. وقالت المجلة إن هذا يوفر فرصة للرجوع خطوة إلى الوراء فى الأزمة المشتدة، ومع ذلك فإن هناك حالة من التفاؤل بأن تسترد مصر عافيتها وتعود مرة أخرى إلى الطريق الصحيح، حيث إن هناك فرصة كبيرة للمعارضة بأن تستغل الروح الاحتجاجية والصغوط التى تعانى منها جماعة الاخوان المسلمين فى الشارع لإحراز نجاح فى الانتخابات البرلمانية، وبالتالى الحد من أى استبدادية محتملة، أو أى تجاوز على الحريات والحقوق. مشهد سيئ فقد شهد الخطاب الاعلامى الشهر الماضى مزيدا من الاستقطاب والإهانات المتبادلة والتكهنات الكثيرة، وأشارت المجلة الى أن ما حدث في مصر ليست مسرحية أخلاقية، ومواجهة بين الخير والشر تدور ليلا، ولكنه نوع من اسوأ انواع السياسة القاسية، حيث تتناحر القوى المختلفة وتستعرض كل قوة عضلاتها بعض الأحيان في بيئة سياسية مستقطبة مع عدم وجود قواعد واضحة للعبة، وفى ظل مؤسسات غير مستقرة ومخاطر عالية، وانعدام الثقة المتبادل والمعلومات المنقوصة بشكل كبير. قواعد اللعبة وخلال الأسابيع القليلة الماضية في مصر كان هناك تفاؤل بعض الشيء، وهو نفس الشعور الذى حدث في شهر مايو عندما توقعى كثيرون أن مصر ستنتقل من المرحلة الانتقالية وتجاوز الفوضى وبدء صياغة الدستور الجديد وبناء المؤسسات وانتخاب رئيس الجمهورية وبرلمان منتخب شرعيا وكتلة معارضة سياسية قوية وعودة الجيش إلى الثكنات، إلا أن ذلك لم يحدث، ورغم الانتهاء من اقرار الدستور الجديد وقرب موعد الانتخابات البرلمانية ووجود رئيس منتخب ديمقراطي، إلا أن مصر لاتزال بعيدة عن هذا الحلم. ولبعض الوقت كان يتم التحجج بأن جوهر المشكلة السياسية في مصر هو الفراغ المؤسسي وعدم وجود قواعد مما يؤدى الى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل، ولكن هذه الحجة يبدو أنها ليست مقنعة. زيادة الاستقطاب فقد بدا ذلك واضحا فى أواخر نوفمبر الماضى عندما أصدر "مرسى" إعلانا دستوريا، كشف ان مؤسسة الرئاسة تعمل في فراغ خطير للغاية، ومع عدم وجود برلمان ولا دستور ولا معارضة سياسية منظمة وموحدة وفى ظل وجود قضاء مسيس، وتعبئة للشارع، بدا الخطر وتصاعدت المشاكل الاقتصادية، وزادت حدة الاستقطاب الاجتماعي والسياسي.
التفاؤل
ومع ذلك هناك حالة من التفاؤل بعد اقرار الدستور، حتى ولو لم يكن الدستور مثاليا، فهناك جوانب إيجابية كثيرة للدستور، وأصبح هناك قواعد للعبة يمكن السير وفقها منذ قيام الثورة، وبما يسد الفراغ المؤسسى. واكدت المجلة أن الفراغ المؤسسي حتما قاد إلى الاستقطاب والخوف، فقد رأت المعارضة أن جماعة الإخوان المسلمين تطمح إلى الهيمنة على السلطة، وخشت من أن يصبح "مرسي" صاحب سلطة مطلقة بسبب عدم وجود دستور، وبرلمان. وفى ظل أوجه القصور في المعارضة، كان المصريون قلقين بشأن احتمال أن يصبح "مرسي" ديكتاتورا، وهذه المخاوف غذتها التحركات المتهورة والخطاب غير المتزن من مجموعة واسعة من الشخصيات الإسلامية من الإخوان وغيرهم. الضغط الشعبى وفي مواجهة الضغط الشعبي، سرعان ما تخلى "مرسى" عن الاعلان الدستورى المثير للجدل، وتم سحب قرار زيادة الضرائب سريعا بعد اصداره، ويبدو أن المعارضة السياسية أصبحت أكثر أهمية وأكثر تعبئة للشارع مما كانت عليه فى الفترة الماضية، في حين تزايدت الضغوط الشعبية على الإخوان أكبر من أي وقت مضى. وما هو أكثر من ذلك، فإن الأزمة أدت الى تآكل سريع لحسن النية والسمعة التي اكتسبها "مرسى" من خلال وساطته لوقف إطلاق النار في غزة، كما أدت إلى تعقيد سعيه للحصول على المساعدة الاقتصادية من الخارج. فرصة المعارضة وقالت المجلة ان الرهان الحالى هو أن الدستور المختلف بشأنه ، ترك مجالا واسعا لتفسيرات القوانين التى ستصدر، والأمل، ألا يتسرع مجلس الشورى الذى تم منحه سلطة التشريع، فى اقرار قوانين مثيرة قبل اجراء الانتخابات البرلمانية وتنصيب مجلس نواب جديد، وفى الوقت نفسه يبقى الأمل فى أن تتمكن المعارضة من تنفيذ خططها المعلنة بتشكيل قائمة موحدة للانتخابات وأن تتخلى عن اسلوب الجدل والمقاطعة، وتكون قادرة على تحويل الطاقة السياسية إلى نجاح انتخابي. مقاطعة الانتخابات خطأ وقالت المجلة انه حتى أولئك الذين يفضلون المقاطعة يعترفون بأن ذلك يهدر مصالح كبيرة، وسيمكن الإسلاميين من اكتساح الانتخابات وبالتالى اقرار بعض التجاوزات التشريعية المقلقة حقا على الحريات الشخصية والحقوق المدنية ، كما أن الأداء القوي فى الانتخابات من قبل المعارضة سيؤدى الى نشوء حائط صد أمام السلطة الرئاسية لأول مرة في التاريخ المصري الحديث، ولذلك فإن أفضل الحال هنا هو أن تستفيد المعارضة من الطاقة الاحتجاجية ووحدتها المكتشفة حديثا وشعور الكراهية القوي تجاه الإخوان المسلمين، للمنافسة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وبالتالى العمل على سن تفسيرات وتشريعات أكثر ليبرالية فى الدستور، ومنع أى محاولة من الرئيس لفرض أجندة أكثر استبدادية أو أكثر إسلامية. الأزمة كشفت الاخوان وأخيرا، ينبغي ان نعرف ما هي الدروس التى نتعلمها حول طبيعة الإخوان المسلمين من هذه الأزمة؟ بداية ان الاحتضان الحماسى السيئ للشارع السياسى من جانب الإخوان ومفهوم الخطاب الطائفي، أغضب رقعة واسعة من الجمهور المصري. ومع ذلك كشفت الأزمة القليل فقط عن "الطبيعة الحقيقية" للإخوان المسلمين، بخلاف طبيعتهم خلا السنوات التي كانوا فيها فى المعارضة ، حيث بدا جانب سىء لعدم وجود الحدود السياسية الواضحة التى شكلت الفكر والاستراتيجية والتنظيم الداخلي على مدى عقود. ويبدو أن الجماعة تعاني من رحيل العديد من القادة الإصلاحيين الرئيسيين والأكثر إبداعا، و كذلك الشباب المحرك والمهم لتطور الفكر السياسي والممارسة في العقد الماضي. وفى ظل البيئة السياسية الجديدة المختلفة جذريا يواجه الجناح المحافظ فى الجماعة أزمة داخلية، وهو ما جعلهم يبدون أكثر جمودا داخليا على نحو متزايد، وأكثر غطرسة واتخاذ مواقف دفاعية، وأقل استعدادا لتقديم تنازلات أو معاملة خصومهم السياسيين بكل احترام. فقد كشف قرار الجماعة بخوض انتخابات الرئاسة بعد أن وعدت بعدم خوضها،عن خطأ استراتيجي كبير، كما أن الاقبال دون المتوسط في الاستفتاء على الدستور يشير إلى أن الشعب سيعاقب الجماعة في صناديق الاقتراع بسبب هذه القصور ، وهو ما يجب ان يستغله الخصوم السياسيين . الامل موجود وختمت المجلة بأن هذه القراءة ربما تكون مفرطة في التفاؤل في السياسة المصرية، فرغم العواطف والشكوك المشروعة حول نوايا الإخوان والجيش، والعديد من الطرق الممكنة التي يمكن أن تذهب بالأمور بشكل خاطئ، إلا أنه أيضا من المهم أن نتصور طريقا نحو التحول أكثر نجاحا. فما تحتاجه مصر الآن هو خريطة الطريق نحو استكمال عملية الانتقال إلى النظام المصري المؤسسى الديمقراطى ، وتجنب الاستقطاب والتوافق بدلا من إذكاء لهيب الخلاف، ودعونا نأمل أن مصر يمكن أن تدبر أمرها مرة أخرى .