إلى متى سيظل الإهمال يقتل أبناءنا.. وإلى متى ستظل المستشفيات الحكومية والجامعية مرتعا للتجارب قبل أن تكون ساحات طبية تنقذ المرضى قبل فوات الأوان ؟! ماحدث للطفلة رانيا إدريس حسن، 12 سنة، المتفوقة دراسيا والتي حققت مستوى متقدما في مدرستها الابتدائية بعزبة ابو حرج ببني مزار بالمنيا، يجب التوقف عنده كثيرا .. رانيا شعرت بألم في أصابع قدمها اليسرى، حملها والدها إلى أحد الأطباء بالمدينة الذي قرر لها بعض الأدوية، ولكن رغم مواظبتها على العلاج لم تتحسن حالتها والآلام لم تبرحها، لم يحتمل الأب رؤية ابنته تتعذب فحملها إلى مستشفى سوزان مبارك للأطفال بمدينة المنيا، وبعد إجراء الفحوصات وعمل الأشعة اللازمة تبين إصابتها بانسداد في الأوعية الدموية بالقدم اليسرى وأوصى الأطباء بضرورة إجراء عملية تسليك سريعة. في المستشفى الجامعي بنفس المدينة تم إجراء الجراحة المطلوبة، لكنها لم تنجح فأمر الأطباء بجراحة ثانية وتنفس الأب الصعداء آملا أن تضع الجراحة حدا لآلام طفلته الصغيرة . ولكن بمرور الوقت تبين فشل الجراحة الثانية هي الأخرى نتيجة خطأ طبي وتم تحويل رانيا لمستشفي قصر العيني بالقاهرة . ولكن بدلا من أن يسارع الأطباء بإنقاذ ساق الطفلة رفض المستشفى استقبال الحالة، وكان العذر انشغال السادة الأطباء بمطالباتهم بزيادة الأجور وإضرابهم عن العمل إلى حين تحقيق هذا المطلب!! كعب داير لم ييأس الأب ولم يصدق أن يمتنع طبيب عن القيام بمهامه في إنقاذ المريض أيا كانت الأسباب، وظل لساعات يحاول إقناعهم بالمستشفي الكبير لإنقاذ ساق ابنته ولكن لم يعبأ باستغاثاته أحد.. توجه الأب إلى مستشفى عين شمس حاملا طفلته التي قامت بتحويلها إلى مستشفى الدمرداش للأطفال، والتي قامت هي الأخرى بتحويلها إلى مستشفى المنصورة الجامعي وهناك لم يفعل المستشفى شيئا بحجة تردى الحالة..! نفذ رصيد الأب المادي والمعنوي ولم يعد يحتمل اللف يوميا على مستشفيات الجمهورية العامة دون جدوى، فقرر العودة من رحلة العذاب بابنته المريضة إلى بلده بالمنيا ليبدأ رحلة جديدة يبحث فيها عن مصدر يمده بالأموال المطلوبة اللازمة لعلاج ابنته بعد أن نفذ المبلغ الذي سبق واستدانه في الرحلة المكوكية الفاشلة . ونظرا لحالته المادية أشار عليه الأطباء الذين عرض عليهم الحالة من جديد بالتوجه لمستشفي الرضوان الخيري بعين شمس، وكانت هي المحطة الأخيرة .. فقد قرر المستشفى بتر الساق حتى نهايتها.. ولأن المصائب لا تأتي فرادى، ولأن الرحلة السابقة استغرقت الكثير من الوقت مما أثر بالسلب على الحالة وأدى إلى تدهورها.. فقد ارتفعت انزيمات الكلى في جسم رانيا، وأعلن الأطباء حاجتها السريعة لجلسات غسيل أو استصال الكلية الصغيرة. ولكن والدها الذي طاف بها معظم مستشفيات الجمهورية أصابه اليأس بعد أن فقد الثقة في أطبائها الذين تسببوا في فقد الطفلة لساقها وهي في هذه السن، وبعد أن فقد مالديه من أموال إضافة إلى ديونه التي عجز عن سدادها. وكلما تذكر فصول الرحلة وشقائها والنتيجة التي انتهت إليها يرفض أن يبدأ في رحلة مماثلة خوفا على ابنته وإشفاقا من الشقاء الذي ينتظرهما معا.. فهل يجد الأب البائس من يقدم له الخدمة العلاجية التي ينشدها لابنته؟ وهل تفتح مستشفيات وزارة الصحة أبوابها لاستقبال الحالة وعلاجها بواسطة أفضل الأطباء منعا لتكرار المأساة وإنقاذا لحياة الطفلة الصغيرة والطالبة المتفوقة والضحية لإهمال المستشفيات الحكومية ؟