مسابقة 30 ألف معلم 2025.. «التعليم» تعلن موعد تسليم الشهادات المؤمنة ل الدفعة الرابعة    «زي النهارده».. حرب السادس من أكتوبر 1973    «زي النهارده».. اغتيال الرئيس السادات 6 أكتوبر 1981    لجنة الشكاوى ب"الأعلى للإعلام" تستدعي الممثل القانوني لموقع "الموقع" وتحقق في شكوى هالة صدقي    للعام الرابع.. الجامعة البريطانية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يطلقان برنامج محاكاة قمة المناخ COP30    «زي النهارده».. وفاة الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد 6 أكتوبر 2012    منتخب مصر يودّع كأس العالم للشباب رسميًا    «من كوكب أخر».. رضا عبدالعال يتغنى بنجم الزمالك    بسبب الأطفال.. مصرع سيدة في مشاجرة بكفر الشيخ    انطلاق سباق رئاسة اليونسكو.. دعم عربي وإفريقي يضعان خالد العناني في صدارة المرشحين    موعد عرض مسلسل المدينة البعيدة الحلقة 32 اليوم والقنوات الناقلة    بعد 40 عامًا من دويتو «بلدي».. محمد ثروت وهاني شاكر يحييان ذكرى انتصارات أكتوبر بدار الأوبرا    من غير غسيل.. خطوات تنظيف المراتب من البقع والأتربة    «العيش الكتير».. استشاري يكشف عادات يومية تؤدي للإصابة ب أمراض القلب    سبب خفي وراء عدد من الأمراض.. 6 أطعمة مقاومة للالتهابات في الجسم    "كيفية مشاهدة مباراة السعودية والنرويج في كأس العالم للشباب 2025 بث مباشر"    تعادل سلبي يحسم قمة يوفنتوس وميلان في الدوري الإيطالي    ليل يفرض التعادل على باريس سان جيرمان في قمة الدوري الفرنسي    السفارة التركية بالقاهرة تحتفل بالذكرى المئوية للعلاقات بين مصر وتركيا    حبس المتهم بسرقة هاتف محمول من داخل محل بالسلام بعد تنفيذ 4 وقائع    حبس المتهمين بإدارة نادي صحي لممارسة أعمال منافية في مدينة نصر    قرار من النيابة ضد المتهم بالتعدي على آخر في حدائق القبة وبحوزته سلاحان ناري وأبيض    وزير خارجية الكويت: مجلس التعاون ينظر إلى الاتحاد الأوروبي كشريك أساسي في دعم الاستقرار الدولي    تصريحات ألمانية تتهم روسيا بالتورط في توغلات الطائرات المسيّرة    روبيو: الحرب على غزة تقلّل من الدعم الدولي لإسرائيل    ضياء الميرغني: مفيش "نمبر وان" في الفن والجمهور أطلق علي لقب الأسطورة    البابا تواضروس الثاني يزور إيبارشية أبوتيج وصدقا والغنايم    عضو صناعة الدواء: 1.3 مليار دولار حجم سوق مستحضرات التجميل في مصر لعام 2024    رئيس جهاز إدارة المخلفات يستجيب لشكاوى قرى القليوبية بسبب المقلب العشوائي بمنطقة الوقف    31 مرشحًا خضعوا للكشف الطبي بالفيوم.. ووكيلة الصحة تتفقد لجان الفحص بالقومسيون والمستشفى العام    بالصور/ مدير امانه المراكز الطبية المتخصصة" البوابة نيوز"..نرفع الطوارئ على مدار 24 ساعة لاستقبال حوادث المواصلات بالطريق الزراعى والدائري..القوى البشرية بقليوب التخصصى لا يستهان بها    لحظة مصرع عامل إنارة صعقا بالكهرباء أثناء عمله بالزقازيق ومحافظ الشرقية ينعاه (فيديو)    «جهزوا الشتوي».. بيان مهم بشأن حالة الطقس الأيام القادمة: «انخفاض مفاجئ»    تحديث مباشر ل سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الاثنين 06-10-2025    "قناة 12" العبرية تكشف النقاط الرئيسية لحماس في المفاوضات    تفاصيل الجلسة العاصفة بين حسين لبيب وجون إدوارد    زلزال بقوة 5.5 درجة يهز منطقة قرغيزستان    بعد حفله في مهرجان النقابة.. تامر حسني يشارك جمهوره بيان شكر «المهن التمثيلية»    هل استخدم منشار في قطعها؟.. تفاصيل غريبة عن سرقة اللوحة الأثرية الحجرية النادرة بسقارة (فيديو)    هناك من يحاول التقرب منك.. حظ برج القوس اليوم 6 أكتوبر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 6-10-2025 في محافظة الأقصر    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الأثنين 6-10-2025 في بني سويف    أسعار الخضروات فى أسيوط اليوم الإثنين 6102025    أسعار اللحوم فى أسيوط اليوم الاثنين 6102025    اسعار الفاكهة فى أسيوط اليوم الإثنين 6102025    وزير التربية والتعليم ومحافظ الإسكندرية يفتتحان عددًا من المشروعات التعليمية الجديدة    وفاة مسن داخل محكمة الإسكندرية أثناء نظر نزاع على منزل مع زوجته وشقيقه    هل يجوز استخدام تطبيقات تركيب صور البنات مع المشاهير؟.. دار الإفتاء تجيب    السويد: إذا صحت أنباء سوء معاملة إسرائيل لثونبرج فهذا خطير جدا    محمد صلاح ينضم لمعسكر منتخب مصر قبل السفر للمغرب لملاقاة جيبوتى    آمال ماهر تتألق بأغانى قالوا بالكتير ولو كان بخاطرى وأنا بداية بدايتك بحفل عابدين    على زعزع يخضع للتأهيل فى مران مودرن سبورت    تيسير بلا حدود.. السعودية تفتح أبواب العمرة أمام مسلمى العالم.. جميع أنواع التأشيرات يمكنها أداء المناسك بسهولة ويسر.. محللون: خطوة تاريخية تعزز رؤية 2030.. وتوفر رحلة إيمانية رقمية ميسّرة لضيوف الرحمن    أخبار مصر اليوم: السيسي يضع إكليل الزهور على قبر الجندي المجهول.. كواليس اختفاء لوحة أثرية نادرة من مقبرة بمنطقة سقارة.. مدبولي يبحث تعزيز الاستثمارات في قطاع الطاقة    تباين سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 6 أكتوبر 2025    مواقيت الصلاه غدا الإثنين 6 اكتوبرفى محافظة المنيا.... تعرف عليها    جامعة بنها الأهلية تنظم الندوة التثقيفية احتفالاً بذكرى نصر أكتوبر المجيد    موعد أول يوم في شهر رمضان 2026... ترقب واسع والرؤية الشرعية هي الفيصل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مريم ومريان.. وأنتِ.. (1)
نشر في الوفد يوم 10 - 12 - 2020

ألقى بنظرة متكاسلة على روشتة الطبيب،مرت ثلاثة أيام على زيارته له، الطبيب محمد مشالى، لا يعلم ما هو الدافع الحقيقى لأن يذهب إلى هذا الرجل، تكلفة الكشف ستة جنيهات وزادت فى عام 2015 إلى عشرة جنيهات،يذهب اليه متيقنا أنه اليسارى الأوحد الذى يكافح من أجل الفقراء دون أن يتغنى بأية بطولة،كانت أمه تصحبه إلى «مشالى» وقت كان عمره سبع سنوات، يعطيه مشالي الحلوى لكنه كان يكره وخز الابرة فيستعيض عن الألم ببهجة الطبيب وقرص من الحلوى. وقتها لم يكن مشالى بهذا التجريف الزمنى الذى أكل من جسده وزاد من انحناء ظهره، كان يراه يساريا بلا ضجيج أو فرقعة، يساريا ينتصر لراحة الفقراء على أوجاعهم،ربما لهذا يشعر بصدقه،رغم كل شيء،لا يشعر بالراحة الا مع هذا الرجل الذى يناضل مع الزمن والفقراء، يلقاه كثيرا بالشارع منكبا على وجهه، كما يسير «كوازيموزو» بطل رائعة فيكتور هيجو «احدب نوتردام» ماسكا بيده اليمنى شنطة من القماش كبيرة الحجم وعلى صدره رباط لحقيبة جلدية متهالكة يسير كأنما فى خطوه يسارع الزمن لمجهول لا نعمله نحن، مشالى طبيب الفقراء، وطبيب وجعه هو.
ثلاثة أيام على زيارته،لحظة فتح باب غرفة الكشف،أنت لا تحتاج الا أن تفتح الباب وتدخل فتقف أمامه، مشهد غير مرتب لمجموعات من الكتب المكدسة، بينما هو خلف مكتب غير مكتمل المعالم، مهمل كل ما عليه، متناثرة أدوات الطبيب، رائحة عتيقة غير مريحة تخترق أنفك «خليط من البول والعرق » وأنا شاخص البصر اليه، كأنما أسأله متى تعلن عن نفسك أنك تناضل من أجل الفقراء،ولم لا نراك فى مؤتمرات نقابة الأطباء تجلجل بصوتك حول حق الفقير فى العلاج، تداوى بؤساءك فى صمت يا دكتور محمد؟...رحمك الله دكتور مشالى. رحمك الله.
- أنت لو لم تترك هذه العصبية ستتعرض لقرحة فى المعدة، قولونج العصبى فتك بجدار معدتك وارحم نفسك من التدخين » كان يستمع اليه ويبتسم. ثلاثة أيام مرت على زيارة طبيب الفقراء محمد مشالى،أهمل فى تناول الدواء،واستكان الألم بمعدته يوما ثم سرعان ما عاد ليفتك به مرة اخرى فى اليوم الثانى،والثالث.
قرر أن يرتحل إلى البحر،يشعر بألفة دافئة تجمعه ببحر الإسكندرية، قال لنفسه، ربما يكون البحر متسعا لأن أستفرغ ألمى، واتجه صوب البحر، مرافقا له أمير العابد، يشده شيء بهذا الرجل،لا يعلم مداه أو منتهاه، لكنه يجذبه مشهد الدرويش الذى يسكن أمير العابد حين يرد على لسانه ذكر سيدى عبد الرحيم النشابى رضى الله عنه، تجده استحال إلى شخص آخر، وفى أوقات أخرى يشعر بغربة تقصيه منه، ليس هناك من رفيق آخر للطريق،حيث
ارتحل رفيق الطريق فى حلوه ومره فلم يبق له سوى فتات من صداقات تجمعت على كبر.
الحق انه لا يريد وداع رفيق الرحلة والحلم والكتاب والستر،،،،،، «حسن» فزاد الألم أضعافًا مضاعفة، أخبره بالهاتف أن طائرته ستكون فى صباح اليوم التالى، فقرر أن يترك طنطا، يتركها هذه المرة بلا حسن،رحلة بغير ابتسامة حسن التى يسخر بها من بلاء الزمن، رحلة بغير رفيق أو سند رحلة بغير الخل الوفى....حسن حنفى حسن عمران.
ارتحل بسيارة أحد الزملاء،لم يكن يوما قريبا منه، حاول أن يتقرب لكنه لم يستطع أن يتفهم طبيعته، فى الواقع كان مجبرا على هذه الرحلة، الى البحر...فقط البحر، هاربا من وجع يضرب الجوف ووجع يضرب الروح، فكان غير مبالٍ لا بالدرويش ولا بالرجل الذى ألقاه القدر مصادفة بطريقه ويملك السيارة التى تقله إلى البحر.....ا ل ب ح ر.
وقرروا فور وصولهم أن يلقوا بأنفسهم إلى المقهى بانتظار صديق آخر لتكون جلستهم أربعة، كان مبعثرا، لا يملك حدودًا أو إطارًا لتفكير يربطه بالجلسة، كان هاربا من كل الأعين،ربما شدة صراخ باعة ينبهون رفاقا لهم بأن «شرطة المرافق» آتية، فتحول الشارع الذى يواجه البحر إلى خلية متحركة من دبيب الباعة تجر الأجولة ببضاعتهم،جالسا بزاوية، الى جواره زميلة الذى يسكنه الدرويش ويكن له حبا والآخر صاحب الصوت الجهورى والذى يفزعه بين الحين والآخر حين يقص نادرة أو موقفا محاولا إضحاك الجمع،لكنه بكل حال من الأحوال لا ينتمى اليه.
بدا شاردا...لا.. فى الواقع الفعلى كان شاردا تجاه طفلة صغيرة نادتها أمها «داليا » كانت أشبه بالبالرينة فى مشيتها،وهى تسير على مشط قدميها، وتنطلق من فمها ضحكة بريئة عذبة، ثم التقت عينه ؛ لتكتشف تلك السيدة التى كانت تبعد عنه بخطوات، شده أنها وقفت تتأمله ثم جاءت تقترب، قال فى نفسه «ربما تقصد منضدة اخرى » لكنها توقفت أمامه،عيناها خضراوان، ترتدى بلوزة صغيرة تكشف عن نصف صدرها،شعر كستنائى غامق من آثار ازالة الصبغة ثم معاودة الصبغ،وقفت أمامه على مقربة بضعة سنتيمترات لدرجة أن رائحة عطرها الأنثوى غمرته، معلق بيدها طفل صغير، يحمل من ملامحها بعض الشيء، وفى رقبته صليب ذهبى،لاحظ رواد المقهى توقفها أمامه، شعر بالحرج، الغريب،أن عينها بدأت تلمع وكأنها على وشك البكاء،أما
رفيق الرحلة ذو الصوت الجهورى الذى يفزعه كان منكبا على التدخين من نرجيلته. بينما الدرويش الذى يجاوره انكب مفتونا لأسر العين،وكأنما ينعم بجو حضرة فى صمت جمال سافر، تعدت فيه حمية الجسد على خباء الروح،لبضع ثوانٍ وربما كانت لدقيقة، لكن انهمرت دمعة من عينها، وسط حضور لكل من رواد المقهى، وتكلمت.
- لم تعرفنى يا هاشم؟
قرر ان يقف محاولا عصر الذاكرة لمعرفة صاحبة الجسد الذى أبان عن محاسنه، ملاحظا انتباه الجميع له.
-عفوا... ممكن بس الذاكرة.... لم تسعفنى.
- سألت عليك حسن...أخبرنى أنك سافرت إلى الخليج هروبا من هزايم مجانية متتالية.
- حسن... وهل تعرفين حسن؟
كانت كأنما فكت مفعول الخدر الذى حاول أن يستنشقه من ابتسامة الطفلة «داليا» التى ركضت الية كأنما غارت عليه منها، ووجد نفسه يضمها إلى صدره بعد أن حملها من الأرض وكأنما يعرف الطفلة منذ زمن ولم يكن اللقاء للحظات فقط. لكنها تنظر اليه وتبكى.
- لهذه الدرجة صرت متغيرة، صارت ملامحى متبدلة بهذا الالتباس يا هاشم؟ انظر إلى يدى هل تذكر شكل هذا الصليب.
- وجدتنى أصرخ «ماريان... ميرى».
- لا....كنت تنادينى مريم يا هاشم،كنا نتحاور فى اسمى،أنت تقول لى إن اسمك الحقيقى هو ماريه زوجة نبيكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وكنت تنادينى مريم فى الجامعة،كنت تقول إن ماريان أو ميرى هو الاسم اللاتينى لمريم العذراء أم النور والمسيح،وكنت تخبرنى أن مريم هو أفضل الاسماء،لذا كنت تنادينى مريم.
ماريان.. لم تعد مريم التى أعرفها،ملامحها صارت بها أنوثة صارخة،مريم ابنة الست كارولين،جارة فاطمة الوفية، ما الذى دفعها لهذا السفور الجسدى الفج؟،تدويرة الثدى،التنورة القصيرة التى فوق الركبة،ذراعان كشف عنهما ثوب خفيف أبيض حاسر فوق السرة، يبرز مشد الصدر بلون اسود، كأنما باتت وليمة جنسية تدعو الأفواه لأن تجوع حتى لو كانت شابعة.
- مريم التى كنت تعرفها ذبلت منذ سنوات يا هاشم، مسيحنا كان يدعو إلى طهر الروح كى تسود المحبة.
كانت تتحدث ودموعها تسيل على خدها وداليا الصغيرة مستقرة على صدرى متشبثة بكتفى كأنما تستغيث بى من سيدة تحمل لعنة الجسد.
- كارولين ستفرح بك،جدا..حأولت ان تبحث عن هاتفك اكثر من مرة،مرض أبى ومرضها ادخلنى فى دوامة الزمن يا هاشم.
- هى معك هنا فى الاسكندرية؟
- نعم..هى معى وأبى تركناه فى استراليا لمتابعة العلاج.
كيف تحول هذا الطهر الملائكى،الى لعنة التفاحة المقدسة،مريم، كنيسة السيدة العذراء، صلاة الأحد، المسرح بالكنيسة بعد أن استأذنت الأب مكارى أن أقوم بالتمثيل معهم لأنى أحب المسرح فترة المرحلة الثانوية، مريم صاحبة التنورة الطويلة والقميص ذي الازرار والشعر المنسدل ذيل حصان،والصليب البلاستيكى الذى أخذته من دير القديسة دميانه وقت زيارتها، فكأنما تبدو «كمكرسة » وهبت روحها وجسدها للرب.
استشعرت ميرى بالحرج من نظرات الرواد أو ربما كى اكون متصارحا مع نفسى انها خشيت عليّ من الحرج،استودعتنى تحضر طعاما للصغير ثم تعاود لتصحبنى إلى امها.
وبت محط تأمل الصاحبين فى السفر،الدرويش، والرجل ذو الصوت الجهورى، لم يكن ليشعرا بما استشعرت به، لم أستمع لما قالاه وانضم اليهما صديقنا الثالث، كنت متأملا فى المشهد أقارن بين الشخصيتين ماريان.... ومريم،والطفل الصغير الذى تجره بيدها.
وكأنما البحر أحب أن يتوقف عن الجزر ساحبا ألمى ويقرر لحظة المد طارحا لى ألما مضافا. ألم مريم....... أقصد ميرى أو ماريان وطفلها. التى تركتنى ومضت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.