في البداية طلبت مني أن يكون لقاؤنا في أحد المطاعم الصغيرة بوسط البلد، علي ان يكون الموعد في الرابعة عصرا، وهو أمر بالنسبة لي «انتحار مروري». لا أعرف كيف أقنعتني بالموافقة. ومنذ اللحظة الاولي للقاء أدركت أنني أمام شخصية «فتاة مجنونة» في أفكارها ونظرتها غير التقليدية للفن. هي بنت مصرية بكل ما تحمله الكلمة، مصرية في بساطتها، في خجلها، في صوتها الهامس, مصرية في قوتها وجرأتها و إصرارها و قدرتها علي التحدي . يسرا الهواري التي غنت و لحنت الأغنية الشهيرة علي موقع اليوتيوب «ع السور و اللي بانيه واللي معلّيه واللي بيحميه ,وقف راجل غلبان وعمل بيبي» استطاعت أن تلخص شخصية الإنسان المصري الذي أصبح لا يرهبه حاجز ولا يعوقه سور مهما بلغ ارتفاعه، عن الوصول للحرية. طلبت مني أيضا ألا أقوم بتصويرها اثناء الحوار على ان تعطيني هي مجموعة من صور أرشيفية لديها , مؤكدة لي أن فلاش الكاميرا يرهبها ويربكها، لكنني رفضت متعجبا، كيف لمن غنت مثل هذه الكلمات الجريئة وصوّرتها في ذروة الأحداث المشتعلة امام السور الذي كان يفصل شارع قصر العيني عن ميدان التحرير، ان ترهبها الكاميرا ؟ لكنني أكتشفت عندما كنت ألتقط لها الصور أن الكاميرا تصيبها بتوتر شديد فعلا ، وبدون ادعاء. *كيف تشعرين عندما تشاهدين ميدان التحرير الآن؟ -لا أريد أن أتحدث عن التحرير الآن, لكن دعني أعيد صياغة السؤال ليكون كيف أري مصر الآن..فالتحرير مجرد رمز لأن الثورة خرجت منه, لكنها كانت ستحدث بصرف النظر عن المكان الذي انطلقت منه, لأنه كان هناك صوت عال من شعب اتفق علي شيء واحد و قرر أن يعبر عنه و هذا هو الحدث الأهم, لذلك لا أريد أن اختذل الموضوع في مكان بعينه. أنا أري مصر الآن بنظرة أكثر تفاؤلاً مما قد يتصور الكثيرون , فمازلت أراها ثائرة مليئة بالأمل ,متجهة إلي الطريق الصحيح. *ألا يقلقك ما وصلنا إليه الآن من انقسام بعد وصول التيار الإسلامي إلي الحكم؟ - بالعكس تماما, فأنا أري أن أقوى ما حدث حتي الآن هو وصول هذا التيار إلي الحكم, فهذا سيختصر علينا طرقا طويلة. *كيف؟ -لأن هذا جعلهم مكشوفين للعامة. فأي شخص أو تيار ياأي إلي الحكم فهذا معناه أنه ارتضي ان يكشف نفسه للعامة والإخوان هم من في الحكم الآن ومنذ ذلك الحين وهم ينكشفون للناس يوما بعد يوم وهذا شيء يسعدني لأن الأسباب التي جعلتني أرفضهم منذ اليوم الأول تتضح لمن كان يحمل وجهة النظر الاخري, لذلك أقول لهم «كويس أنكم موجودين في الحكم .. أرجوكم استمروا فيما انتم عليه, أرجوكم لا تتوقفوا عما تفعلونه لتكونوا أكثر وضوحا و تزداد كراهية الناس لكم و يندم كل من ساندكم و يقول ياريتني ما عملت كده». *لكن ما الفائدة من كشفهم والمصريون يقتلون بعضهم البعض في الشوارع؟ ما الفائدة من كشفهم وجيل بأكمله أقترب من الإصابة بالاكتئاب بعد ان بدأ يشعر يضياع الحلم؟ -الفائدة أن هذا أفضل من أن يبقوا جماعة خفية تعمل في الخفاء , يري البعض أنها مظلومة , مقهورة , عاشت خلف السجون و في المعتقلات وأنهم لو جاءت إليهم الفرصة سيقدمون لهذا الوطن ما لم يقدمه أحد من قبل وهذا يعطي لهم بطولة مزيفة من الأفضل ان نتخلص منها مبكرا. وأكملت: يجب ان يعلم الناس أن مرحلة الكشف هي دائما مرحلة صعبة و مؤلمة و لكن في آخرها نور ووضوح, لازم الناس كلها تعرف من هم الإخوان حتي يحكموا عليهم في النهاية بالعدل.. وإنها لقريبة جدا. *بصفتك بنتا مصرية ثائرة عاصرت الثورة وعبرت عنها، ما هي أهم إيجابيات ثورة 25 يناير حتي الآن؟ - أي حد يستطيع الآن ان يلاحظ أن الثورة استطاعت ان تغير البني آدم المصري بشكل كبير, فالناس الآن بكل أعمارهم أصبحوا بعد الثورة يدركون ان لهم دوراً في كل ما يحدث حولهم وتغيرت نظرتهم السياسية وأعتقد أن علي أي حاكم أن يدرك هذا الامر و إلا فهو لا يتمتع بالحد الأدني للذكاء. *من الذي كنت توجهين له كلمات أغنية «السور»؟ - أولا، أريد أن أوضح أن هذه الأغنية كتبها صديقي وليد طاهر منذ 2005 و نشرت مع كاريكاتير له في إحدي الصحف ثم وضعها في كتابه «حبة هوا» في 2008. ثانيا،أوجه هذه الأغنية لأي شخص يربد أن يقيم سورا و المقصود من السور هنا هو الحاجب أو المانع . *ألم يقلقك الهجوم عليك بسبب كلمات الاغنية التي اعتبرها البعض جريئة ؟ -إطلاقا, فكلمة «بيبي» هي أول الكلمات التي نعلمها لأطفالنا و رغم ذلك لم أسلم من الشتائم و النقد و لا أعرف لماذا. * كلمة «بيبي» كانت وراء انتشار الأغنية؟ - أولا هي في الاصل ليست أغنية و لكن هي كلمات ساخرة كتبها وليد طاهر علي كاريكاتير له ولكن من المؤكد أن هذه الكلمة كانت من العوامل الرئيسية لنجاحها بالإضافة إلي آلة الأكورديون التي لم نعتد أن نجد في مجتمعنا من يعزفونها من الفتيات، خاصة انني قمت بالتلحين من خلال هذه الآلة. *في اعتقادك من الشخص الذي سيقف «الرجل الغلبان» أمام سوره و يعمل «بيبي»؟ -أي حد هيقول ما ينفعش, ما ينفعش تغني, ما ينفعش تقول, ما ينفعش تكتب, ما ينفعش تتكلم أو تصرخ. *تغيرت سلوكيات المصريين كثيرا ما بين جيد وسيء بعد الثورة، فهل كشفت لك هذه التقلبات حقيقة احد؟ -أنا من طبعي لا أمجد في أحد, لذلك لم أنخدع في أي من الشخصيات او الرموز مهما بلغ حجم اخطائهم بعد الثورة. وأكملت: ثم ان الانخداع في أحد مهما كان مقامه الثوري لن يؤثر في شيء, فمن نزل إلي الميادين منذ يوم 25 يناير لم ينزل من أجل شخص معين و إنما نزل باحثا عن حقوقه, لذلك أريد أن أقول لمن يحاولون تشويه بعض رموز الثورة أنتم لم تفهموا الثورة ومهما حاولتم لن يأتي اليوم الذي نقول فيه «ياريتنا ما عملناها». *ما الشىء الذي يشغل بالك الآن؟ - كل ما يهمني الآن ان يبقي «الراجل الغلبان» مؤمنا بأنه قادر علي أن يعمل «بيبي» علي أي حد عايز يعمل له سور.
بطاقة شخصية *يسرا الهواري من مواليد أكتوبر 1983 . *نشأت مع أسرتها في دولة الكويت و عادت في السنة الجامعية الاولي لتلتحق بكلية الفنون الجميلة قسم ديكور مسرح و سينما. * تعلمت البيانو عند بلوغها الثامنة من عمرها وعلمت نفسها العزف علي آلة الاكورديون ، ودرست النوتة الموسيقية ومارست التلحين. *أشهر اغانيها :»السور» و»في الشارع أتوبيس» و»بالمظبوط». *حصلت علي الجائزة الاولي في الأغاني المصورة ضد الفساد في مهرجان البرازيل عن اغنية «السور».