قال الدكتور محمد السيد أبوهاشم امام وخطيب مسجد السيدة زينب،فلقد بدأ النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة ، فاتخذ السلام منهاجاً والتسامح سلوكاً ، ولم يتخلّ يوماً عن الرفق واللين في القول والعمل ، وبهذا المنهج الوسطى المستنير أسس النبى - عليه الصلاة والسلام - مبدأ التعايش السلمى بين جميع الأطياف والأديان والمذاهب في إطارٍ من العدل والإنصاف والدعوة إلى التعارف والتعاون والتلاقى ، انطلاقاً من قول الحق - سبحانه - : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } والتسامح : هو درة السجايا الحميدة ، ومصباح الخير الذى ينير جوانب القلوب فتسمو وتصفح ، وبسمة الرضا التى ترسم ملامح النبل على الوجوه الشاحبة فتضئ وتشرق هو مادة إنسانية معجونة بأزكى العطور تؤدى إلى احترام الآخر وقبوله وتقدير التنوع الثقافى والفكرى والعقَدى هذا المنهج الحميد مستَلْهم من القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة ، حيث يقول المولى - سبحانه - : { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } وقال - تعالى - : { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن إلا الذين ظلموا منهم } وقال - تعالى - : { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين } والسماحة في عرض الدين والدعوة إليه ، قال - تعالى - : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } ، وقال - تعالى - : { فقولا له قولاً ليّناً لعله يتذكر أو يخشى } وظهر منهج التسامح واضحاً فى معاهدات النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - مع غير المسلمين كاليهود ونصارى نجران ومع المشركين في صلح الحديبية ، وتطبيقات الصحابة من بعده ، والتابعين لهم بإحسان يقول ابن حزم - رحمه الله - : " إن من كان من بيننا من غير المسلمين ، وجاء من يقصدونهم بسوء وجب علينا أن نخرج لحمايتهم ، وأن نموت دون ذلك ، لا أن نستحل دماءهم وأموالهم وأعراضهم " ومن خلال ما سبق نستطيع أن نلخص ملامح هذا المنهج النبوى الرشيد في نقاط محددة ، وهى : - 1 - أكّد الإسلام قيم التسامح والرحمة والتعايش السلمى مع الآخر 2 - كفل الإسلام للآخر حرية ممارسة الشعائر الدينية في جو من الأمن والهدوء والتخلى عن التعصب الدينى والتمييز العنصرى ، قال - تعالى - : { لا إكراه في الدين } 3 - أكّد حقوق المواطنة بين الناس جميعاً فهم سواء من حيث الحقوق والواجبات ، وهذا ما جاء في دستور المدينة الذى أقره الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، يقول النبى - عليه الصلاة والسلام - : ( من ظلم معاهَداً لم يرح رائحة الجنة ... ) . 4 - مدّ جسور الحوار الهادئ الهادف البنّاء والتعايش مع الآخر والتعارف والتلاقى الذى يعين على الإبداع وخدمة الوطن وتشييد الحضارة . 5 - التأكيد على الحفاظ على الإنسان - أياً كان دينه ومذهبه - جسمانياً وفكرياً وروحياً ، انطلاقاً من قول الحق - سبحانه - : { ولقد كرمنا بنى آدم ... } ، والنهى الشديد عن الاعتداء على الأنفس والأموال والأعواض قال - تعالى - : { ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق } وقال - عليه الصلاة والسلام - : ( لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً ) ويقول ابن عمر : " إن من ورطات الأمور التى لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حلّه " . ويكفى المتسم بهذا المنهج النبوى أن تغمره الرحمة الإلهية والعناية النبوية ، لأنه اتخذ التسامح منهج حياته في حلّه وترحاله وبيعه وشرائه ، يقول - عليه الصلاة والسلام - : ( رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع ، سمحاً إذا اشترى ، سمحاً إذا اقتضى )