أغلب الإسلاميين استنكروا بشدة انسحاب الكنائس المصرية من الدستور، وأكدوا أنهم ليس لهم أية حجة للانسحاب، فقد نص الدستور لأول مرة فى تاريخ مصر ودساتيرها على مادة تتناولهم، وهى المادة رقم «3»، التى تعطى الحق للمسيحيين واليهود أن يعودوا لشرائعهم:» مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية». بالفعل كما قالوا هى المرة الأولى التى يتضمن دستور مصري مادة تخص غير المسلمين، وهى فى رأي أغلب المسلمين وبعض أو أغلب المسيحيين تعد انتصارا كبيرا، حيث فرضت الأقلية شريعتها على الأغلبية. فقد حاول أقباط مصر فى عام 1922 أن يحصلوا على هذه الميزة فى دستور 1923، ولكن فشلت جهودهم، قبل 90 سنة من اليوم كانت مصر على موعد لوضع أول دساتيرها، دستور 1923، فى ظل ظروف احتلال عسكري بريطاني، وملك يملك ولا يحكم، وشعب أكثر من 70% من سكانه يعانون الفقر والأمية، يومها أثير سؤال: ما وضع الأقليات الدينية فى الدستور؟. وقد أثير هذا السؤال داخل لجنة الثلاثين التى كانت تضع الدستور، وأثاره توفيق بك دوس، حيث طالب بتحديد تمثيل الأقباط في البرلمان دستوريا، وقال: إنه لا يقصد بهذا التمثيل والنص عليه في الدستور خلق امتيازات للأقباط أو لغيرهم من الأقليات الدينية، بل لكي أسقط حجة الإنجليز بحماية الأقليات، وهو ما احتفظوا به فى تصريح 28 فبراير، فإذا نص الدستور - حسب كلام دوس - على تمثيلهم سقطت هذه الحجة، وتجنبنا تدخلهم في الحياة السياسية، فضلا عن أن تمثيلهم - والكلام مازال لدوس - لا خطر منه، خاصة أن عددهم ضئيل لا يبلغ عشر عدد السكان، فإذا مثلوا في البرلمان بضعف نسبتهم لم يغير ذلك من سلطان الكثرة، كما أن تمثيل الأقليات سيكفل عدم تذمرها، ويكفل حسن علاقتها بالكثرة «المسلمون على مر الأيام». الملك فؤاد سمع بهذه المشكلة وانزعج بشدة، لأنها سوف تعمل على تقسيم المصريين إلى طوائف دينية، فاستدعى قلينى باشا فهمي وطالبه بأن يثنى متبنيها عن إثارتها أو التمسك بها، لأن هذا - حسب رواية قلينى باشا فى مذكراته - يعد تمييزا وتشجيعا على انقسام المصريين إلى طوائف، عقب المقابلة كتب قلينى باشا مقالا نشره في جريدة الأهرام، عارض فيها الفكرة المقترحة فى لجنة الدستور، وأكد فى المقال أنه من الخير للبلاد أن يظل أبناؤها جميعا خاضعين لقانون واحد وسلطة واحدة حرصا على وحدتها القومية. بالطبع تم بحث هذا المطلب فى اللجنة، لكنها انتهت بالإجماع إلى رفض فكرة تحديد التمثيل للأقباط أو غيرهم بالدستور، لأن الفكر السائدة بين أعضاء اللجنة، وكانوا من المسلمين والأقباط واليهود، أن الدستور ينص على حرية الاعتقاد وحرية الرأي، وعلى المساواة بين المصريين جميعا، وتحديد نسب للأقليات فى الدستور يهدم هذا المبدأ، كما أنه يوحى بأن هذه الأقليات غير مندمجة فى الأمة الاندماج التام الذي يجعل من هذه الأمة وحدة متماسكة الكيان، إضافة إلى هذا أن الدساتير المدونة فى الأمم المتحضرة لم تنص على تمثيل الأقليات حتى يتخذ حجة». هذه الواقعة للأسف لم يفهمها الكثير من النخب المصرية الحالية، واتفقوا جميعا على تمييز المصريين المسيحيين واليهود فى الدستور، وبالفعل كما سبق وذكرنا وضعوا المادة الثالثة، وفى رأيى أن هذه المادة تؤكد عنصرية وتطرف الدستور، وعلى وجه التخصيص عنصرية وتطرف من فكروا فى المادة ومن صاغوها ومن طالبوا بها ومن أجازوها، لماذا؟، لأنها تمييز بين المصريين، وتعلى من شأن الإخوة فى الدين قبل الإخوة فى الوطن، وتؤكد أن مواد الدستور جاءت لتخاطب الأغلبية المسلمة، وهو ما يعنى أنه أصبح دستورا دينيا وليس مدنيا، دستورا لا يقام على تحديد المبادئ الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية، بل يقام على الخطاب الدينى، واللافت فى نصوص هذا الدستور أنه لم يحد مواده بالمبادئ العامة للديانة بشكل عام، بل اختزلها بسقف المذهبية، حيث أصبح دستورا للمسلمين السنة فقط، وهؤلاء المسلمون السنة ميزوا واخرجوا من بينهم أتباع المذاهب الديانات الأخرى. على أية حال المادة الثالثة ليست كما يروج قيادات التيار الإسلامية تعبر عن سماحة الإسلاميين، ولا عن ديمقراطيتهم وايمانهم بحرية العقيدة، بل تؤكد تطرفهم وعنصريتهم، لأن الدستور كان يجب أن يتناول المواطن المصرى كمواطن له حقوق دينية واجتماعية وثقافية وسياسية وفكرية، ولا يحوله إلى فرق حسب الديانة والمذهب، كان يجب ان يعلى الإخوة فى الوطن قبل الإخوة فى الدين.