محافظ المنوفية يشهد الجلسة الافتتاحية للمجلس الأعلى للجامعات    وزير التعليم العالي: مركز الاختبارات الإلكترونية إنجاز جديد في مسيرة التطوير    محافظ الدقهلية يتفقد لجان الإعدادية والدبلومات الصم والبكم    تستهدف 200 ألف طالب جامعي ومعلم.. التعليم العالي: بحث تقديم منحة تدريبية رقمية من جوجل    بشرة سار من وزير المالية للمستثمرين بشأن أعباء الضريبية الجديدة    وزير الزراعة: 307 مليون طن .. إجمالي ما تم توريده من القمح بالمحافظات    الحج السياحي: بدء تسلم المخيمات بمِنى وعرفات.. وتقنيات وخدمات جديدة لراحة الحجاج    حركة «حماس» تعلن موعد ردها الحاسم على مقترح ويتكوف    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 54381 منذ بدء العدوان    شنايدر يحذر سان جيرمان من إنتر ميلان: أقوى من 2023    إنريكي يثق في قدرة سان جيرمان على تحقيق اللقب الأوروبي    وكيل تعليم دمياط يتابع سير امتحانات الدبلومات الفنية 2025/2024    السجن 15 سنة ل3 متهمين باستعراض القوة وإحراز سلاح نارى فى سوهاج    للحكم.. حجز قضية «انفجار خط الغاز» لجلسة 14 يونيو المقبل    تحرير 700 مخالفة مرورية لعدم تركيب الملصق الإلكتروني    الثنائي المنتظر.. محمد ممدوح وطه دسوقي يجتمعان في السينما بعد العيد    وزيرة التضامن توجه برفع درجة الاستعداد لمواجهة التقلبات الجوية    رفع درجة الاستعداد الصحي في الإسكندرية بسبب الأحوال الجوية    وزير الصحة يتفقد مستشفى وادي النطرون ويوجه بتوفير الأطقم الطبية    محافظ الدقهلية يفاجئ العاملين بعيادة التأمين الصحي بجديلة للمرة الخامسة    صفقات الأهلي الجديدة تظهر في مران الفريق اليوم لأول مرة    اليوم| إقامة الجولة الأخيرة في دوري المحترفين    الزمالك وفاركو.. استعداد أمني مشدد لتأمين مباراة الجولة الأخيرة من بطولة الدوري    وزير المالية: الإعلان عن برنامج جديد للمساندة التصديرية خلال الأسبوع المقبل    تكريم شيري عادل في ختام مهرجان القاهرة للسينما الفرانكوفونية    اليوم.. البابا تواضروس يترأس عشية رشامة 8 أساقفة جدد    الرئيس السوري أحمد الشرع يجري زيارة رسمية إلى الكويت غدا    الصحة: الكشف على 15 ألف حاج مصري وتحويل 210 حالات للمستشفيات السعودية    مصرع شخصين وإصابة 9 آخرين في حادث انقلاب سيارة نقل في الفيوم    ترامب يرفع الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألومنيوم إلى 50%    تسجيل إصابات من الجانبين بعد الهجمات الأخيرة في روسيا وأوكرانيا    خمسة في عين الحسود.. حكاية أمينة خليل بمايو بين الجوائز والحب والتألق في كان    غياب "ضحية النمر" عن أولى جلسات محاكمة مدربة الأسود.. والده يكشف التفاصيل    انطلاق التسجيل في الدورة الثانية لمهرجان VS-FILM للأفلام القصيرة جدًا    وقفة عيد الأضحى.. طرح فيلم "المشروع x" بطولة كريم عبد العزيز بالدول العربية ومختلف أنحاء العالم    إسرائيل تمنع وفدًا وزاريًا عربيًا من لقاء عباس    وزير التعليم العالي يفتتح مركز الاختبارات الإلكترونية بحقوق المنوفية    آخر تطورات سعر الريال السعودي بالبنوك تزامنا مع موسم الحج 2025    تحذيرات في واشنطن بعد فرار 250 مليون نحلة من شاحنة مقلوبة.. تفاصيل الحادث وجهود الإنقاذ    وزير الزراعة يصل الشرقية لتفقد شونة العزيزية والمشاركة في احتفالية مبادرة «احلم» بقرية التلين    طلاب الثانوية الأزهرية بالدقهلية يتوافدون على لجان القرآن والحديث.. فيديو    مصور فلك بريطاني: مصر هي المكان الأفضل لالتقاط صور ساحرة للفضاء    وزير الخارجية يبحث هاتفيا مع نظيره الهولندي تبادل الرؤى بشأن الأوضاع في غزة    وزير العمل يؤكد حرص مصر على تعزيز التعاون مع صربيا في كافة المجالات    ثروت سويلم: بحب الأهلي ومنظومته.. وبتمنى الأندية تمشي على نفس النهج    رئيس هيئة الرعاية الصحية يلتقي رئيس الاتحاد العربي لإدارة الطوارئ والأزمات    شريف مدكور: لا أصلي في المسجد بسبب الدوشة.. وهذا سبب إصابتي بالسرطان    رغم تعديل الطرق الصوفية لموعده...انطلاق الاحتفالات الشعبية بمولد «الشاذلي» والليلة الختامية يوم «عرفة»    نتيجة الصف الرابع الابتدائي 2025 بالشرقية وخطوات الاستعلام برقم الجلوس (الموعد و الرابط)    دعاء المطر والرعد كما ورد عن النبي (ردده الآن)    أفضل دعاء في العشر الأوائل من ذي الحجة.. ردده الآن للزوج والأبناء وللمتوفي ولزيادة الرزق    جراديشار: شاركت في مباراة بيراميدز ولم أكن أعرف أسماء لاعبي الأهلي    موعد أذان فجر السبت 4 من ذي الحجة 2025.. ودعاء في جوف الليل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 31-5-2025 في محافظة قنا    تغييرات مفاجئة تعكر صفو توازنك.. حظ برج الدلو اليوم 31 مايو    الجماع بين الزوجين في العشر الأوائل من ذي الحجة .. هل يجوز؟ الإفتاء تحسم الجدل    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات الأخرى اليوم السبت 31 مايو 2025    كهربا: إمام عاشور بكى لأجلي.. وأهدي الدوري لأمح الدولي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة المدنية والخصوصية الوطنية
نشر في الأهرام اليومي يوم 24 - 09 - 2012

أعترف بأنني في بداية تكويني العلمي كنت واقعا‏-‏ دون أن أدري‏-‏ في شراك نزعة المركزية الأوروبية الأمريكية‏.‏ ولذلك كنت أتصور أن النموذج الوحيد للتقدم هو النموذج الذي تطرحه تصورات هذه المركزية في مجالات العلوم الإنسانية‏ ومنها النقد الأدبي بالتأكيد, ولكني مع اتساع دائرة القراءة تعرفت علي كتابات أخري, من أمريكا وأوروبا وآسيا. يبدو أن جهالة الشباب وحماسته جعلاني أتصور أن جيل ثورة 1919 كان واقعا في أسر فكر المركزية الأوروبية, وأنهم تابعوا حلم إسماعيل باشا في جعل مصر قطعة من أوروبا في كل شيء. ولكني مع تراكم الخبرة- اكتشفت أن هذ الحلم لم يكن ينفصل عن نزعتهم الوطنية التي كانت تنزع بهم إلي التقدم ببلادهم لتكون في موازاة أوروبا تقدما وازدهارا, لكن مع الحفاظ علي استقلالها وخصوصيتها الوطنية في المجالات الدافعة لتقدم الوطن.
أتصور أن الوعي بخصوصية الهوية الثقافية تبلور مع ثورة 1919 التي أكدت برابطة الثورة الوحدة الوطنية التي جمعت بين الطوائف الدينية التي لم تقتصر علي المسلمين والمسيحيين الذين صاغوا شعار الوطنية المصرية الحقة: الدين لله والوطن للجميع, بل ضموا إليهم الأقلية اليهودية التي نعمت بثمار هذا الشعار وعاشت في سلام إلي أن تبدلت الأحوال الدولية وبدأ تنفيذ وعد بلفور بأيدي القوي الاستعمارية, وعلي رأسها إنجلترا. أما قبل ذلك فلم يعان اليهود تمييزا دينيا, ونعموا بكل ميزات المواطنة دون أدني شك, فقد كان مبدأ المواطنة هو الصفة المائزة للدولة الوطنية التي لاتمييز فيها بين المواطنين, لا علي أساس الدين, فحرية الاعتقاد مطلقة, ولا الجنس فلا تمييز بين الذكر والأنثي في الحقوق والواجبات. والكل من حقه التعليم الذي تكفله الدولة والرعاية الصحية والاجتماعية التي هي واجب أساسي للدولة. وقد ظهر ذلك كله في دستور 1923 الذي صيغ في سياق ثورة 1919 ونتائجها, فكان ضمن لجنة الثلاثين التي عينها الملك فؤاد لصياغة الدستور الذي كان حلم الثوار: يوسف قطاوي باشا ممثلا لليهود, وكل من قليني فهمي باشا ويوسف سابا باشا وإلياس عوض بك وتوفيق دوس بك ممثلين للمسيحيين, وكل من سماحة السيد عبد الحميد البكري شيخ الأشراف والشيخ محمد بخيت مفتي الديار المصرية في ذلك الوقت عن رجال الدين الإسلامي, ونيافة الأنبا يؤانس عن رجال الدين المسيحي. أما باقي الأعضاء الثلاثين فكانوا من المسلمين. وقد اجتمعت لجنة الدستور ستة أشهر, صاغت فيها دستور سنة. 1923 وفي أثناء الصياغة, اقترحت جريدة الوطن إعطاء نسبة معينة في البرلمان للأقلية المسيحية. ولكن الأعضاء المسيحيين رأوا في هذا الاقتراح مساسا بمبدأ المواطنة, وتمييزا للأقباط الذين هم مواطنون لهم ما لغيرهم من أشقائهم المسلمين وعليهم ما عليهم. وعندما اقترح الشيخ محمد بخيت إضافة مادة بأن الدين الإسلامي دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية لم يعترض أساطين القانون في اللجنة, وعلي رأسهم الفقيه الدستوري العظيم عبد العزيز فهمي وصنوه عبد الحميد بدوي, ولم يقل أحدهما, أو حتي ممثل المسيحية أو اليهودية, أن الدساتير الغربية لا تنص علي الديانات, فقد تقبل الجميع الاقتراح علي أنه تحصيل حاصل, فالإسلام دين الأغلبية, والاعتراف به اعتراف بخصوصية في هوية الدولة لاتتناقض مع صفتها المدنية والوطنية في آن. وتم ذلك في مناخ ليبرالي واضح في غلبته علي كل أعضاء اللجنة تقريبا. وانتهت صياغة الدستور سنة 1922, وتسلمه الملك فؤاد ومستشاروه لمراجعته وتعديله, ورغم ذلك صدر الدستور سنة 1923 بكل القيود التي تهذب من النزعة الاستبدادية للملك فؤاد.
استمر الوعي بالخصوصية التي تمايز الوطن المصري عن غيره إلي مطلع الخمسينيات, حين سقط النظام الملكي الفاسد في23 يوليو علي أيدي القوات المسلحة التي دفعها نزوعها الوطني إلي تشكيل لجنة وطنية من قيادات الفكر وأساطين القانون لصياغة مشروع دستور 1954 الذي تمت صياغته في عام ونصف عام, ولكن مجلس قيادة الثورة أهمل هذه الصياغة بعد أن تخلي عن شعاراته الديمقراطية بحجة حماية الثورة من أعدائها. لكن نص الدستور ظل محتفظا بالمادة التي تنص علي أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية.
لكن بعيدا عن تحول الدولة الناصرية إلي دولة تسلطية, فقد ظل إدراك الخصوصية قائما, وظلت قيم الدولة المدنية وأخلاقها مهيمنة علي فكر الطبقة الوسطي التي ورثت ميراث الزمن الليبرالي لمصر, ابتداء من النزعة الوطنية التي انفجرت دفاعا عن أرض الوطن في حرب.1956 ولم تنكسر رغم الشرخ العميق الذي أصابها في هزيمة1967 التي كسرت شعارات الدولة القومية عن الوحدة والحرية والاشتراكية. وهي أحلام قضت عليها تسلطية هذه الدولة التي أدت هزيمتها إلي تخلخل وفراغ إيديولوجي, فعاد إلي الظهور حلم الخلافة الذي انطوي عليه مشروع حسن البنا الذي وصف دعوته بأنها دعوة سلفية. وكلها متغيرات أخذت تخلخل الأسس القوية التي يقوم عليها مبدأ المواطنة. هكذا ذوي شعار الدين لله والوطن للجميع. وتعملقت تيارات الإسلام السياسي, سواء المنفتحة أو منغلقة الأفق نتيجة عوامل ثلاثة. أولها الفساد الشنيع لنظام مبارك الذي أوصل الشعب إلي حال أصبح نصفه فيها تحت خط الفقر, وملايين عديدة تعاني الجوع الفعلي. وثانيا: دعم نفطي مالي أتاح لتيارات الإسلام السياسي أن تؤدي لجماهير الفقراء ما عجزت عنه الدولة التي تحالفت فيها السلطة مع رأسمالية محلية وحشية. وثالثا: تعاطف ومساعدات الولايات المتحدة الأمريكية التي تكيل بأكثر من مكيال, حسب مصالحها التي دفعتها إلي المساعدة في إسقاط نظام مبارك الذي استنفد أغراضه, كي تتقارب مع أصدقاء جدد, وافقوا علي كل ما يحقق مصالحها.
المزيد من مقالات جابر عصفور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.