وزير الري يتابع إجراءات وخطة تطوير منظومة إدارة وتوزيع المياه    تراجع أسعار الخيار والفاصوليا في سوق العبور اليوم الثلاثاء    9 مشاريع مناخية مصرية مؤثرة تنضم إلى برنامج تسريع تمويل المناخ البريطاني    البورصة تهبط مع بداية تعاملات اليوم الثلاثاء    وزير الإسكان: بدء تسليم الأراضي السكنية المميزة بمدينة أسوان الجديدة 26 مايو    لجنة الخطة بمجلس النواب تطالب بالكشف عن تقديرات الحكومة حول الإقبال على التصالح في المخالفات    الأونروا: 450 ألف شخص نزحوا قسرا من مدينة رفح    فيديو| سرايا القدس تقنص جنديًا إسرائيليًا شرق غزة    وزير الخارجية يترأس وفد مصر بالجلسة الافتتاحية لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية    مصر تدين الهجوم الإرهابي الذي وقع بمحافظة صلاح الدين بالعراق    "اكتساح أحمر".. تاريخ حافل للأهلي أمام الترجي قبل نهائي إفريقيا المقبل    كل ده ليه؟.. مدحت شلبي يفجر مفاجأة بشأن تعامل حسام حسن مع المحترفين    بقيمة 50 مليون جنيه.. ضبط المتهم بالنصب على راغبي السفر للخارج في القليوبية    وقف الخدمات هذا اليوم.. تحذير من الداخلية للأجانب المعفيين من تراخيص الإقامة    قرار عاجل من شيخ الأزهر بشأن طلاب الثانوية الأزهرية بمعاهد غزة المتواجدين في مصر    جامعة القاهرة تقرر زيادة قيمة العلاج الشهري لأعضاء هيئة التدريس والعاملين    قرص العجوة.. الطعم اللذيذ مع كوب الشاي    الأنبا يواقيم يرأس صلوات قداس عيد استشهاد الأم دولاجي وأولادها الأربعة بالأقصر (صور)    الكشف عن "فخ" وقعت فيه القوات الأوكرانية في خاركوف    الأردن يدين رفع مستوطنين العلم الإسرائيلي في ساحات الأقصى    رئيس جامعة بنها يترأس لجنة اختيار عميد كلية الهندسة    وزير النقل يلتقي وفود 9 شركات نمساوية متخصصة في قطاعات السكك الحديدية    «مُحبط وفاكر نفسه الجوهري».. 4 نجوم يفتحون النار على حسام حسن    جيسوس يحسم مستقبله مع الهلال السعودي    باريس سان جيرمان يفاوض حارسه لتجديد عقده    ارتفاع معدل التضخم في إسبانيا إلى 3.3% خلال أبريل الماضي    صوامع وشون القليوبية تستقبل 75100 طن قمح    اللجان النوعية بالنواب تواصل اجتماعاتها لمناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة.. اليوم    ضبط قضايا إتجار بالعملات الأجنبية بقيمة 50 مليون جنيه خلال 24 ساعة    دفاع «طبيبة التجمع»: «المتهم حاول الهرب بعد دهس الضحية»    ضبط تشكيل عصابي بتهمتي تجارة السلاح وتهريب البضائع في مطروح    فريدة سيف النصر: اتعقدت من الرجالة بسبب خيانة زوجي    5 أبراج تتميز بالجمال والجاذبية.. هل برجك من بينها؟    في ذكرى رحيله.. محطات في حياة فتى الشاشة الأول أنور وجدي    الثقافة: فتح المتاحف التابعة للوزارة مجانا للجمهور احتفاءً باليوم العالمي للمتاحف    يوسف زيدان يهدد: سأنسحب من عضوية "تكوين" حال مناظرة إسلام بحيري ل عبد الله رشدي    مفتي الجمهورية يتوجَّه إلى البرتغال للمشاركة في منتدى «كايسيد» للحوار العالمي    محافظ القاهرة يوزع 13 «كرسي متحرك» على عدد من ذوي الهمم    فصائل فلسطينية: دمرنا ناقلة جند إسرائيلية وأوقعنا طاقمها شرق رفح    جامعة القاهرة: زيادة قيمة العلاج الشهري لأعضاء هيئة التدريس والعاملين بنسبة 25%    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 14-5-2024    الحكومة التايلندية توافق على زيادة الحد الأدنى الأجور إلى 400 باهت يوميا    إطلاق مبادرة "اعرف معاملاتك وانت في مكانك" لخدمة المواطنين بسفاجا    للأطفال الرضع.. الصيادلة: سحب تشغيلتين من هذا الدواء تمهيدا لإعدامهما    حكم الشرع في زيارة الأضرحة وهل الأمر بدعة.. أزهري يجيب    غرفة صناعة الدواء: نقص الأدوية بالسوق سينتهي خلال 3 أسابيع    الأوبرا تختتم عروض «الجمال النائم» على المسرح الكبير    هل يجوز للزوجة الحج حتى لو زوجها رافض؟ الإفتاء تجيب    ما حكم عدم الوفاء بالنذر؟.. دار الإفتاء تجيب    دويدار: نهضة بركان فريق قوي.. ولست مع انتقاد لاعبي الزمالك حاليًا    إجازة كبيرة للموظفين.. عدد أيام إجازة عيد الأضحى المبارك في مصر بعد ضم وقفة عرفات    لطفي لبيب: عادل إمام لن يتكرر مرة أخرى    وزارة العمل توضح أبرز نتائج الجلسة الأولى لمناقشة مشروع القانون    إبراهيم حسن يكشف حقيقة تصريحات شقيقه بأن الدوري لايوجد به لاعب يصلح للمنتخب    سلوى محمد علي تكشف نتائج تقديمها شخصية الخالة خيرية ب«عالم سمسم»    طارق الشناوي: بكاء شيرين في حفل الكويت أقل خروج عن النص فعلته    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك يوماً يتجلى فيه لطفك ويتسع فيه رزقك وتمتد فيه عافيتك    ارتفاع درجات الحرارة.. الأرصاد تحذر من طقس الثلاثاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة المدنية والخصوصية الوطنية
نشر في الأهرام اليومي يوم 24 - 09 - 2012

أعترف بأنني في بداية تكويني العلمي كنت واقعا‏-‏ دون أن أدري‏-‏ في شراك نزعة المركزية الأوروبية الأمريكية‏.‏ ولذلك كنت أتصور أن النموذج الوحيد للتقدم هو النموذج الذي تطرحه تصورات هذه المركزية في مجالات العلوم الإنسانية‏ ومنها النقد الأدبي بالتأكيد, ولكني مع اتساع دائرة القراءة تعرفت علي كتابات أخري, من أمريكا وأوروبا وآسيا. يبدو أن جهالة الشباب وحماسته جعلاني أتصور أن جيل ثورة 1919 كان واقعا في أسر فكر المركزية الأوروبية, وأنهم تابعوا حلم إسماعيل باشا في جعل مصر قطعة من أوروبا في كل شيء. ولكني مع تراكم الخبرة- اكتشفت أن هذ الحلم لم يكن ينفصل عن نزعتهم الوطنية التي كانت تنزع بهم إلي التقدم ببلادهم لتكون في موازاة أوروبا تقدما وازدهارا, لكن مع الحفاظ علي استقلالها وخصوصيتها الوطنية في المجالات الدافعة لتقدم الوطن.
أتصور أن الوعي بخصوصية الهوية الثقافية تبلور مع ثورة 1919 التي أكدت برابطة الثورة الوحدة الوطنية التي جمعت بين الطوائف الدينية التي لم تقتصر علي المسلمين والمسيحيين الذين صاغوا شعار الوطنية المصرية الحقة: الدين لله والوطن للجميع, بل ضموا إليهم الأقلية اليهودية التي نعمت بثمار هذا الشعار وعاشت في سلام إلي أن تبدلت الأحوال الدولية وبدأ تنفيذ وعد بلفور بأيدي القوي الاستعمارية, وعلي رأسها إنجلترا. أما قبل ذلك فلم يعان اليهود تمييزا دينيا, ونعموا بكل ميزات المواطنة دون أدني شك, فقد كان مبدأ المواطنة هو الصفة المائزة للدولة الوطنية التي لاتمييز فيها بين المواطنين, لا علي أساس الدين, فحرية الاعتقاد مطلقة, ولا الجنس فلا تمييز بين الذكر والأنثي في الحقوق والواجبات. والكل من حقه التعليم الذي تكفله الدولة والرعاية الصحية والاجتماعية التي هي واجب أساسي للدولة. وقد ظهر ذلك كله في دستور 1923 الذي صيغ في سياق ثورة 1919 ونتائجها, فكان ضمن لجنة الثلاثين التي عينها الملك فؤاد لصياغة الدستور الذي كان حلم الثوار: يوسف قطاوي باشا ممثلا لليهود, وكل من قليني فهمي باشا ويوسف سابا باشا وإلياس عوض بك وتوفيق دوس بك ممثلين للمسيحيين, وكل من سماحة السيد عبد الحميد البكري شيخ الأشراف والشيخ محمد بخيت مفتي الديار المصرية في ذلك الوقت عن رجال الدين الإسلامي, ونيافة الأنبا يؤانس عن رجال الدين المسيحي. أما باقي الأعضاء الثلاثين فكانوا من المسلمين. وقد اجتمعت لجنة الدستور ستة أشهر, صاغت فيها دستور سنة. 1923 وفي أثناء الصياغة, اقترحت جريدة الوطن إعطاء نسبة معينة في البرلمان للأقلية المسيحية. ولكن الأعضاء المسيحيين رأوا في هذا الاقتراح مساسا بمبدأ المواطنة, وتمييزا للأقباط الذين هم مواطنون لهم ما لغيرهم من أشقائهم المسلمين وعليهم ما عليهم. وعندما اقترح الشيخ محمد بخيت إضافة مادة بأن الدين الإسلامي دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية لم يعترض أساطين القانون في اللجنة, وعلي رأسهم الفقيه الدستوري العظيم عبد العزيز فهمي وصنوه عبد الحميد بدوي, ولم يقل أحدهما, أو حتي ممثل المسيحية أو اليهودية, أن الدساتير الغربية لا تنص علي الديانات, فقد تقبل الجميع الاقتراح علي أنه تحصيل حاصل, فالإسلام دين الأغلبية, والاعتراف به اعتراف بخصوصية في هوية الدولة لاتتناقض مع صفتها المدنية والوطنية في آن. وتم ذلك في مناخ ليبرالي واضح في غلبته علي كل أعضاء اللجنة تقريبا. وانتهت صياغة الدستور سنة 1922, وتسلمه الملك فؤاد ومستشاروه لمراجعته وتعديله, ورغم ذلك صدر الدستور سنة 1923 بكل القيود التي تهذب من النزعة الاستبدادية للملك فؤاد.
استمر الوعي بالخصوصية التي تمايز الوطن المصري عن غيره إلي مطلع الخمسينيات, حين سقط النظام الملكي الفاسد في23 يوليو علي أيدي القوات المسلحة التي دفعها نزوعها الوطني إلي تشكيل لجنة وطنية من قيادات الفكر وأساطين القانون لصياغة مشروع دستور 1954 الذي تمت صياغته في عام ونصف عام, ولكن مجلس قيادة الثورة أهمل هذه الصياغة بعد أن تخلي عن شعاراته الديمقراطية بحجة حماية الثورة من أعدائها. لكن نص الدستور ظل محتفظا بالمادة التي تنص علي أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية.
لكن بعيدا عن تحول الدولة الناصرية إلي دولة تسلطية, فقد ظل إدراك الخصوصية قائما, وظلت قيم الدولة المدنية وأخلاقها مهيمنة علي فكر الطبقة الوسطي التي ورثت ميراث الزمن الليبرالي لمصر, ابتداء من النزعة الوطنية التي انفجرت دفاعا عن أرض الوطن في حرب.1956 ولم تنكسر رغم الشرخ العميق الذي أصابها في هزيمة1967 التي كسرت شعارات الدولة القومية عن الوحدة والحرية والاشتراكية. وهي أحلام قضت عليها تسلطية هذه الدولة التي أدت هزيمتها إلي تخلخل وفراغ إيديولوجي, فعاد إلي الظهور حلم الخلافة الذي انطوي عليه مشروع حسن البنا الذي وصف دعوته بأنها دعوة سلفية. وكلها متغيرات أخذت تخلخل الأسس القوية التي يقوم عليها مبدأ المواطنة. هكذا ذوي شعار الدين لله والوطن للجميع. وتعملقت تيارات الإسلام السياسي, سواء المنفتحة أو منغلقة الأفق نتيجة عوامل ثلاثة. أولها الفساد الشنيع لنظام مبارك الذي أوصل الشعب إلي حال أصبح نصفه فيها تحت خط الفقر, وملايين عديدة تعاني الجوع الفعلي. وثانيا: دعم نفطي مالي أتاح لتيارات الإسلام السياسي أن تؤدي لجماهير الفقراء ما عجزت عنه الدولة التي تحالفت فيها السلطة مع رأسمالية محلية وحشية. وثالثا: تعاطف ومساعدات الولايات المتحدة الأمريكية التي تكيل بأكثر من مكيال, حسب مصالحها التي دفعتها إلي المساعدة في إسقاط نظام مبارك الذي استنفد أغراضه, كي تتقارب مع أصدقاء جدد, وافقوا علي كل ما يحقق مصالحها.
المزيد من مقالات جابر عصفور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.