طبعاً الناخبون محتاجون إلى أن يتسلوا فى طوابير الاستفتاء على دستور الدم، فقررت أن أروى قصة «غزوة الاتحادية» ليقرأها من يقع فى يده هذا الكلام قبل أن يدلى برأيه ب«نعم» أو «لا». بعد المسيرات السلمية التى نظمتها القوى الليبرالية يوم الثلاثاء «4 ديسمبر» فى التحرير وأمام قصر الاتحادية، قرر عدد كبير من المتظاهرين الاعتصام أمام قصر الاتحادية بطريقة سلمية لمطالبة مؤسسة الرئاسة بإلغاء الإعلان الدستورى، وتأجيل الاستفتاء. وفى صباح يوم الأربعاء، عقدت جماعة دينية اجتماعاً فى أحد فنادق مصر الجديدة للاتفاق على شىء ما، لم يطلع عليه أحد، حتى ان أحد قادة هذه الجماعة حضر وهو مصاب ببرد شديد وهذا دليل على أهمية اللقاء، وفى المساء فوجئ المعتصمون سلمياً داخل الخيام، بميليشيات مسلحة بالخرطوش، والآلات الحادة والمولوتوف، تقوم بإزلة الخيام بطريقة وحشية، وتعتدى على كل من يقف فى طريقها من المعتصمين، واتضح أن الهدف من الاجتماع هو وضع خطة هجوم الميليشيات المسلحة على المعتصمين لتحرير قصر الرئاسة وسقط قتلى ومصابون فى هذه الغزوة التى كان فيها المعتصمون لا يملكون شيئاً إلا لافتات كتبوا عليها لا للإعلان الدستورى المشبوه ولا للاستفتاء على دستور الجماعة، وكانت ميليشيات الإخوان تتسلح بالخرطوش الذى اصطاد مخ الصحفى الشاب الحسينى أبوضيف وغيره، كما أصاب أكثر من «700» معتصم آخرين. حاولت الجماعة التستر على ميليشياتها، وإلصاق جريمة قتل المعتصمين بالقوى المدنية كما تحدثت عن طرف آخر مندس، وأشاعت أن الشهداء والمصابين من أعضاء الجماعة، حتى وزير الإعلام صلاح عبدالمقصود زار الشهيد الحسينى أبوضيف فى المستشفى والذى كان قد مات إكلينيكياً بعد إصابته مباشرة بخرطوش فى مخه، وقال الوزير ان الصحفى الشاب كان يقف فى جهة الإخوان أثناء المعركة لإثبات أنه إخوانى، وطبعاً هذا كلام كذب لأن الحسينى بشهادة أسرته وزملائه ليس إخوانياً وأنه قتل برصاصة خرطوش انطلقت من على بعد متر، وكلفت الجماعة ميليشياتها بالقبض على المتظاهرين السلميين أثناء فرارهم من جحيم طلقات الخرطوش وطعنات المطاوى ودخان المولوتوف، وتم إجبارهم على الاعتراف بجرائم القتل، وتسليمهم للشرطة التى كانت قد انسحبت من المشهد خلال المعركة مما يثير علامات الاستفهام، وقامت الشرطة بتسليمهم للنيابة. وفى اليوم التالى «الخميس» ألقى الرئيس محمد مرسى خطاباً تحدث فيه عن اعترافات المتهمين، وقال انهم تلقوا أموالاً من أشخاص سيتم كشفهم لارتكاب عمليات القتل والتخريب، وقال ان هذه الجريمة جزء من مؤامرة هدفها إسقاط الحكم، كما تحدث فى اليوم التالى نائب رئيس الجمهورية المستشار محمود مكى وقال انه اطلع على جزء من المؤامرة وسوف يتم اعلانها فى حينه. تحول المعتصمون سلمياً إلى قتلة واعتقدت الجماعة انها أخرجت ميليشياتها من الجريمة كالشعرة من العجين، ولكن كان هناك محقق عادل اسمه مصطفى خاطر، أشرف على التحقيقات التى تولاها أعضاء نيابة شرق القاهرة باعتباره المحامى العام لها، واكتشف ان المواطنين الذين قدموا على أنهم القتلة أبرياء براءة الذئب من دم بن يعقوب، وأمر بالافراج عنهم، ولم يعبأ بكلام الرئيس عن المؤامرة التى نسجها فى خطابه، ولا بكلام المرشد الذى وصف المقبوض عليهم بالخائنين، واعتمد المستشار خاطر على ضمير القاضى الذى جعله يتخذ قراره برفع الظلم عن الأبرياء الذين أدلوا بتفاصيل القض عليهم وتعذيبهم للاعتراف بالجرائم. وبعد صدور قرار الإفراج عن المتهمين فوجئ «خاطر» بنقله إلى بنى سويف، قيل فى البداية انه عقاب له على الافراج عن المتهمين لأنه أغضب الرئيس والمرشد ونفى النائب العام طلعت عبدالله أن يكون ذلك هو سبب النقل وقال ان نقل خاطر تم من أجل الصالح العام، وهدد أعضاء نيابة شرق القاهرة بتعليق العمل احتجاجاً على القرار المفاجئ بنقل رئيسهم، وأخذ المجلس الأعلى للقضاء خبراً بالواقعة، وطبعاً علم الرئيس بها، وتراجع النائب العام عن قراره الذى اتخذه بعد ساعات، خوفاً من هدم المعبد الذى بالكاد تم بناؤه وعاد المستشار العادل مصطفى خاطر الىم وقعه لاستكمال التحقيقات فى قضية غزوة الاتحادية. والمطلوب أن تنتهى التحقيقات قريباً، ويحال المتهمون الحقيقيون للمحاكمة العادلة، والأهم أن تنفذ الداخلية تعليمات النيابة بتقديم الأدلة الحقيقية والقبض على الجناة الأصليين مهما علا شأنهم ومهما كانت مناصبهم الحزبية والتنفيذية. إحقاقاً للحق واحتراماً لدماء الشهداء التى سالت أمام قصر الرئاسة هذا هو العدل وهكذا يكون القصاص.