يشبه المشير محمد حسين طنطاوى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة السابق كرة النار التى تدحرجت على الحياة السياسية فى مصر فزادتها صراعات وانقلابات وأزمات فالرجل وضع مصر كلها على حافة البركان ليضمن لنفسه وبعض أعضاء المجلس العسكرى الخروج الآمن من السلطة وسلمها الى الإخوان فى صفقة فاضحة بعد أن وضع بذرة الاستقطاب فى الأيام الأولى من توليه السلطة فى مصر عقب تنحى الرئيس السابق مبارك. وطوال ما يقرب من عام ونصف هى عمر المشير فى السلطة حاول أن يقضى على الحالة الثورية وأن يحافظ على الدولة العميقة التى كانت تسيطر على مراكز صنع القرار، ولكنه فشل وكانت النتيجة انه وقف فى منطقة رمادية، فلا هو استطاع ان يحافظ على نظام مبارك ولا نجح فى إنعاش الحالة الثورية وتغذية مطالب الثوار، فكانت النتيجة أن خرجت المظاهرات الغاضبة ضده من كل تيارات الشعب المصرى تهتف بسقوط المجلس العسكرى. المشير طنطاوى تولى السلطة يوم 12 فبراير 2011 والشعب كله متوحد وثائر فى ميدان التحرير وميادين الجمهورية وغادرها يوم 30 يونية 2012 والشعب منقسم ويثور فى الميادين أيضا ضد حكم العسكر وحكم الجماعة، والفارق بين المشهدين هو نتاج ما فعله المشير طوال 18 شهرا نجح خلالها فى أن يمكن الإسلاميين من السلطة ويقضى على مطالب ثورة يناير. فى يوم 12 فبراير جلس المشير على عرش مصر بعدما تصور ان الحالة الثورية فى مصر انتهت برحيل مبارك ولكنة فوجئ بأن الثورة لم تمت ومازالت حية فحدث أول صدام بينه وبين الثوار واعتدى على المتظاهرين المطالبين بمحاكمة مبارك ورموزه واضطر المجلس العسكرى الى إصدار رسالة إعلامية حملت رقم 22 قال فيها «نعتذر ورصيدنا يسمح» ولكن بعد مرور ما يقرب من عام ونصف ارتكب المشير أخطاء عديدة ولم يجد لديه أى رصيد فى الشارع يسمح له بتقديم اعتذار بل ان مظاهرات حاشدة اندلعت فى التحرير ومحافظات عديدة على مدار الأشهر السابقة تهتف بسقوط حكم العسكر وتطالب بمحاكمة المشير طنطاوى. المشير لم يكن ثوريا ولكنة وجد نفسة فجأة بين لحظة فارقة بين انحيازه الى مبارك وأن يلقى نفس مصيرة أو الوقوف بجانب الثورة ليحمى نفسه، فأختار الثورة ولكنة بعد ان تولى السلطة سعى الى الإبقاء على أركان نظام مبارك والحفاظ على مفاصل الدولة كما هى دون تغيير وكانت النتيجة انه ادار المرحلة الانتقالية بفشل كبير. المشير لم يتخذ قرارا إلا تحت ضغط المليونيات أو بحكم محكمة فإلغاء الحزب الوطنى والمجالس المحلية صدر بهما أحكام قضائية وكذلك محاكمة مبارك لم تأت إلا بفضل مليونيات التحرير التى كادت ان تلقى به بجوار مبارك فحمى نفسه فى اللحظة الأخيرة. المشير بث الفرقة بين القوى السياسية التى انقسمت بعدما اعلن عن تشكيل لجنة لإجراء تعديلات على دستور 1971 وقام بالاستفتاء عليه وهو الاستفتاء الذى منح «طنطاوى» شرعية الحكم فقط وخسرت مصر كلها بسببه ولكنه عاد واستبدل نتيجة الاستفتاء بإعلان دستورى دمر الحياة السياسية فى مصر وادخلها فى نفق مظلم الآن خاصة بعد تمرير الإسلاميين لمسودة دستور تعبر عن فصيل واحد، ولو أن المشير بدأ المرحلة الانتقالية بكتابة الدستور لما وصلت مصر إلى مرحلة الفوضى التى تعيشها ولكنه قرب إليه الإسلاميين ليكونوا دعما له فى كل قراراته ويضمنوا له الخروج الأمن من السلطة بعد تسليمها لهم. المشير يحمل على ظهره ذنوب الأحزاب الدينية التى تريد ان تدير مصر بالفاشية الدينية فهو الذى سمح لها بالخروج إلى الحياة السياسية لتكون الذراع الواقى له فى الحكم والحامى لشرعيته وكانت النتيجة ان حصدت تلك الأحزاب الأغلبية البرلمانية بعد ان تركها تمارس الارهاب الدينى على الناخبين وتحولت انتخابات البرلمان الى ما يشبه الشحن الطائفى. دماء شهداء أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء والمتحف المصرى فى رقبة المشير، ففى أثناء مظاهرات الغضب الثانية قتل عدد كبير من الشهداء على يد رجال العسكر الذى قام أيضا بسحل البنات فى التحرير وسط صمت من القوى الإسلامية التى ظلت تحافظ على شرعيته حتى استمدت منه سلطة التشريع بعد انتخاب البرلمان. فالمجازر التى ارتكبتها وزارة الداخلية والشرطة العسكرية فى التحرير عقب المظاهرات التى اندلعت فى التحرير باسم المطلب الواحد دفعت عددا من النشطاء السياسيين ومنظمات المجتمع المدنى إلى المطالبة بمحاكمة المشير واتهامه بقتل 33 متظاهرا من ثوار التحرير بالرصاص الحى. المشير طنطاوى الآن يجلس فى منزلة فى مأمن من المحاكمة بعد أن دافع عنه الرئيس مرسى وهو يدرك أنه السبب الرئيسى فى المأزق الذى تعيشه مصر الآن فلو وضع الدستور فى فترة التوافق الوطنى بعد ثورة يناير لما وصلت مصر الى ما هى عليه ولو أنه وقف فى وجه الاستبداد الإخوانى فى لجنة صياغة الدستور الأولى والثانية لما وصلنا إلى مرحلة الصراع على الدستور الآن ولو أنه وضع قواعد اللعبة السياسية بطريقة متكافئة بين كل القوى السياسية لما وصل الإخوان الى الحكم ولكنه دعم الإسلاميين وأدار ظهره لباقى القوى السياسية فكانت النتيجة أن مصر الآن فى حالة استقطاب وانقسام سياسى واضح.