المشهد المصري الراهن مقلق للغاية، فإما أن تتغلب فيه الحكمة والحكماء، وإما أن يدخل في مرحلة من الفراغ والفوضى والعنف، كالذي نشهده الآن، تترك آثارها الكارثية على مسارات التحولات المأمولة في مصر المستقبل . في المشهد المقلق، تتراجع المؤسسة العسكرية إلى خلفية المسرح “إلى حين”، لكن الذي يتقدم هو الثقة الغائبة والعميقة بين قوى التغيير التي أدهشت العالم، في حركتها السلمية في ميدان التحرير وفتحت الطريق نحو الأمل والأفضل . المصريون اليوم ليسوا على ما يرام . . حتى الذين صفقوا لقرارات “النظام الجديد”، مازالت معاناتهم تتفاقم بحثاً عن لقمة العيش، وأسطوانة الغاز، وأقساط المدرسة، والأمان، والخروج من الأزمات المركبة . . إلخ . قلنا في “الخليج”، مراراً، إن عافية مصر تهم العرب جميعاً، وإن من يكسب من صناديق الاقتراع له أن يحكم ويتدبر الحكم والسياسة، لا أن يبتلع الدولة، ولا أن يمنح نفسه السلطة المطلقة، ولا يقصي الآخر المعارض، ويعيد إنتاج شعارات سادت ذات يوم، ونبذها الشعب، ووصفات ردّدها ميدان التحرير قبل عام عن “البلطجية” و”المأجورين” وما شابه ذلك . في المشهد الحزين والمقلق، هواجس عالية من أن تتحول هذه الاستقطابات الفئوية والحزبية إلى اشتباكات شعبية عنيفة في الشوارع والميادين، فتضيع أحلام التغيير وطموحات النهوض والنهضة الموعودة . يخطئ “الإخوان” كما أخطأوا عبر محطات تاريخية عديدة، حينما تسيطر على عقليتهم وسلوكهم وخطابهم “شهوة السلطة والحكم”، ويدخلون بها إلى “بلاط الحكم” من بوابات الدهاء والمراوغة، وفكرة “المستبد الثوري أو العادل”، والعلّة الأساسية تكمن في “المستبد” الوطني قبل أن تكون في “المؤامرة الخارجية”، وتهم “البلطجة” والتمويل الخارجي . ندرك تماماً أن المشهد المصري أمامه طريق طويل حتى يستقر وينهض، لكن تحويل مسار حركة التغيير والنهضة، من خلال الهيمنة الحزبية، وابتلاع مؤسسات الدولة، وإعادة إنتاج السلطة وفقاً لمصالح السياسة ومقاسات “الإخوان”، أمر خاطئ ومدمر في آن . من المؤكد أن قرارات الرئيس المصري محمد مرسي الأخيرة لن تحمي حركة التغيير المصرية، ولن تصون السلم الأهلي، وإنما هي تنسج خيوط التسلط والاستقواء، وتكرّس ديكتاتورية الفرد، وتضعف دولة القانون . لقد صفق كثيرون لمن قال ذات يوم “إذا أصبت ساندوني، وإن أخطأت قوِّموني”، وها هم اليوم في حيرة أمام من جاء يطلب حصانة مطلقة لقراراته، وما يسنّه من تشريعات، مقصياً رقابة القضاء واستقلاليته . يستطيع “الإخوان”، ومحورهم في الإقليم يكبر ويمتد من تونس إلى القاهرة وأنقرة وغزة وعواصم أخرى، أن يستحوذوا على كل السلطات، وأن يسعوا إلى إعادة رسم خرائط التحالفات . لكنهم لن يستطيعوا أن يلووا حركة التاريخ أو الوقوف في وجهه، فالذين دخلوا إلى “بلاط السلاطين” من بوابات الدهاء والمراوغة وشهوة الحكم، لم يمكثوا طويلاً . حينما تفقد مصر حكمتها وسلمها الأهلي وبوصلتها الجامعة، تدخل وتدخلنا معها نفقاً من غير إضاءة . مقلق للغاية ما يحدث الآن في بر مصر .