أعلن الدكتور محمد مرسي، رئيس الجمهورية، أثناء تدشينه لمشروع الدستور الجديد أن مشروع الدستور قلص من سلطات رئيس الجمهورية وهذا ما يزعمه الإخوان المسلمين وأعضاء الجمعية التأسيسية التي أعدت مشروع الدستور. وطبقا لنصوص مشروع الدستور فإن الرئيس اكتسب صلاحيات تزيد عما كانت عليه في دستور 71 والادعاء بتقليص صلاحيات الرئيس في الدستور الجديد ادعاء يجافي الحقيقة ويناقض الواقع. مشروع الدستور الجديد تضمن أكثر من 23 اختصاصا للرئيس في الوقت الذي سحب كافة اختصاصات الحكومة وجعلها بدءا من رئيس الوزراء وحتي أصغر موظف تنفيذي ما هو إلا سكرتير لدي الرئيس يسمع وينفذ دون أن يكون مسموحا له بمباشرة أي صلاحية، وتضمن الدستور 22 مادة من مواد الدستور، فبدءا من المادة 132 حتي المادة 154 تم تخصيصها لصلاحيات رئيس الجمهورية في الوقت الذي خصص مشروع الدستور مادة وحيدة للحكومة وهي المادة 159 التي تحدد عمل الحكومة. الدكتور جابر نصار أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة ووكيل كلية الحقوق أوضح أن مشروع الدستور الجديد أعطي للرئيس سلطات أوسع وأكبر مما كانت في دستور 1971 بعكس ما يزعمه «الإخوان المسلمين» من تقليص سلطات رئيس الجمهورية وكذلك ماتدعيه اللجنة التأسيسية التي أعدت مشروع الدستور، فالمادة 143، التي تنص علي: «لرئيس الجمهورية دعوة الحكومة للاجتماع في الأمور المهمة ويتولي رئاسة الاجتماع» لم تكن في دستور 1971. كما تضمنت المادة 150 نصا لم يكن في دستور 71 وهو ما جاء بالفقرة الأخيرة من هذه المادة التي تنص علي أن نتيجة الاستفتاء ملزمة لجميع سلطات الدولة والكافة في جميع الأحوال. وأشار أستاذ القانون الدستوري الي أن دستور 71 لم تكن به هذه الفقرة وكانت محكمة القضاء الإداري لا تلتزم بالاستفتاءات السابقة خاصة في عهد الرئيس السادات والتي توسع في إجراء الاستفتاءات وكانت المحكمة لا تعترف بهذه الاستفتاءات وتعتبرها استفتاءات سياسية وجاءت هذه الفقرة لتكبل المحاكم في الاتجاه لعدم الاعتراف بالاستفتاءات. تعيين رؤساء الأجهزة الرقابية التي من المفترض أن تراقب الحكومة والرئاسة كما نصت المادة 147 علي تعيين رئيس الجمهورية للموظفين المدنيين والعسكريين وعزلهم وتعيين الممثلين السياسيين للدولة وإقالتهم كما يعتمد الممثلين السياسيين للدولة والهيئات الأجنبية. كما تضمن مشروع الدستور صلاحية جديدة لرئيس الجمهورية وهي حل مجلس الشعب عندما لا يتوافق ويساير سياسة الحكومة. كما أضيفت صلاحية أخري لسلطات الرئيس وهي سلطة اتهام رئيس الوزراء وعزله بالإضافة الي سلطة اختيار رئيس مجلس الوزراء ورئاسة السلطة التنفيذية وإبرام المعاهدات والتصديق عليها علاوة علي أنه القائد العام للقوات المسلحة وإعلان حالة الطوارئ. الغريب في مشروع الدستور الجديد أنه أعفي الرئيس من مسئولية إعطاء أوامر شفهية لمرءوسيه وهذه هي التهمة التي حكم علي الرئيس السابق بها حينما كشفت التحقيقات عن إعطائه أوامر شفوية لقطع الاتصالات عن مناطق محددة بالبلاد أثناء ثورة يناير. كما لم يتضمن مشروع الدستور أي آلية لمحاسبة الرئيس ومحاكمته سوي ما جاء بدستور 1971 في المادة 85 وحتي يتم تفعيل هذه المادة لابد من صدور قانون يحدد كيفية محاسبة الرئيس وهذا القانون لم يصدر من عام 1956 ولن يصدر. وبنظرة لدستور 71، التي جاءت اختصاصات الرئيس في 15 مادة بدءا من المادة 137 حتي المادة 152، في حين استلمت مشروع الدستور الجديد 22 مادة. فأين تقليص صلاحيات الرئيس التي تتغني بها جماعة الإخوان المسلمين في مشروعها غير الدستوري، ومن الملاحظ أن العديد من مواد الدستور جاءت معبرة عن تخوف الجماعة وتابعيها من ردة فعل الشارع وتحول الرأي العام ضدهم وخشيتهم من فقدان الأكثرية في المجالس النيابية محاولين الإمساك بزمام الأمور عن طريق توسيع صلاحيات الرئيس وإعطائه صلاحيات أكثر مما كان عليه دستور 71 حرصا علي ضمان السيطرة والاستحواذ فإذا جاءت انتخابات مجلس النواب والشوري بتشكيلة جديدة لا تضمن لهم الأكثرية كان لرئيس الجمهورية حق المجالس. وأصبح السؤال: كيف تم تقليص صلاحيات الرئيس في مشروع الدستور كما يزعمون؟ أعرب فقهاء القانون ورجال السياسة عن رفضهم التام لمسودة الدستور، التي وصفوها ب«الباطلة» وأجمعوا علي أن هذه المسودة قد تشكل عدوانا صارخا علي دولة القانون في ظل تجاوز المشهد الحالي حدود الأزمة بين مؤسسة الرئاسة وبين المؤسسة القضائية وأن ذلك يمثل عدوانا علي الدولة والشعب ككل وهذا ما يكشف عنه استنفار كل القوي الوطنية في المجتمع بعد مشروع الدستور واستمرار بعض القوي السياسية بالمطالبة بسحب الإعلان الدستوري وإلغائه وأضافوا أن المسألة هنا إما المحاربة لترسيخ دولة القانون أو الاستسلام لشريعة الغاب وهذا يقتضي أن تلتزم كل مؤسسة بالحدود الدستورية المرسومة لها بدقة، ولا تخرج عنها وقد حددوا عددا من النقاط لمواجهة الأزمة الحالية بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية وهي عدم التدخل في السلطة القضائية بأي شكل من الأشكال وعدم تحصين القرارات الصادرة من الرئيس أمام المحاكم مما يعد تدخلا في شئون السلطة القضائية. وحيد الأقصري - المحامي رئيس حزب مصر العربي الاشتراكي - قال: إن هذه المسودة بها الكثير من العوار حيث إنه تمتلئ بالكلمات الإنشائية الفضفاضة غير الملزمة تجاه الدولة التي تؤسس لدولة الإخوان في جميع مفاصل الدولة سواء في سلطات المحليات أو الأحياء أو مجلس الشوري أو الجمعية التأسيسية ليفصلوا ما يريدون من قوانين أو قضايا مجتمعية كما تهوي أنفسهم، وبالتالي ستكون تبعيته لجماعة الإخوان ولا يمكن أن ننسي مقولة رئيس الجمهورية الشهيرة: أنا تشاورت مع كل القوي السياسية ولكن الرأي لي وأنا مسئول عنه وهو ما يعني أن كلمة الشوري الموجودة في المادة السادسة بالدستور الحالي هي شوري صورية ولم تعبر عن آراء الشعب المصري وبالتطرق الي مواد الفصل الثالث الخاصة بالسلطة القضائية فيظهر التهكم الشديد من جانب السلطة التنفيذية علي هذه السلطة سواء من ناحية تحكمه في تشكيل المحكمة الدستورية بتخفيض عدد أعضاء (من 19 الي 11) وهو ما بين محاولة سيطرته علي المحكمة الدستورية العليا وأيضا الدليل علي ذلك المظاهرات التي قامت من الإخوان ضد المحكمة كما أن هناك تقويضا لسلطات هيئة قضايا الدولة مضيفا الي أن ما حدث مع النائب العام الحالي يخالف تماما القانون والسلطة القضائية فلا يصح أن يتحكم رئيس الجمهورية في اختيار أو ترشيح أي سلطة من السلطات لكونه سيكون تدخلا سافرا من جانبه. كما أن المادة رقم 226 هي مادة مفصلة علي مقاس رئيس الجمهورية الحالي. ويوجه نداء الي رئيس الجمهورية قائلا: يا سيادة الرئيس أنت قد وعدت بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية الباطلة التي استندت علي ذات التشكيل المقضي قضائيا في الجمعية الأولي ببطلانه ولم تف بوعدك وأصررت يا سيادة الرئيس أن تستكمل هذه الجمعية عملها ضد إرادة الشعب المصري، والقوي السياسية والجهات المهنية والعمالية.. وخلافه، فهذا الإصرار إن دل علي شيء فإنما يدل علي أن إرادة الإخوان تعمل ضد إرادة الشعب.. فأنا كنت أتمني أن تفي الوعد الذي أصدرته في عجلة وأن يكون هناك إعادة توازن بين كافة القوي السياسية حتي يؤدي ذلك الي توافق علي بقاء مجلس الشوري الذي يجمع حزب الحرية والعدالة والتيار السلفي. مضيفا: إن ما قصدوه هو تمرير دستور يخدم أهدافهم ويحقق الخلافة الإسلامية ولكنهم أبعد ما يكونون عن الإسلام أما فيما يتعلق بالمادتين 231 و232 هو تحد رهيب للمحكمة الدستورية وضد حقوق الإنسان والمواثيق الدولية لحماية المواطنين مما يتسبب في تقسيم هذا المجتمع ويدخل مصر في نفق مظلم ومن ثم يتسبب في عواقب وخيمة. وأشار الأقصري الي أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ومعها إسرائيل راضية تماما عما يحدث الآن في مصر، لأنها تريد أن تتدخل في التوقيت المناسب لخدمة مصالحها، مشيرا الي أن المادة 230 الخاصة بمجلس الشوري التي أعطتها الجمعية التأسيسية السلطة التشريعية كاملة يدل علي أنها تعمل ضد إرادة الشعب المصري لهذا أقول لرئيس الجمهورية: كانت غالبية الشعب المصري يطالبون بإلغاء مجلس الشوري في الزمن السابق وأيضا الحالي لكونه لم يوجد له اختصاصات كما أنه يؤدي الي إهدار المال العام ولهذا كان يمكن أن نستغني عنه تماما في ظل وجود مجلس الشعب الذي سميتموه بمجلس النواب، فلماذا الإصرار؟! الدكتور شوقي السيد - الفقيه القانوني عضو اللجنة التشريعية بمجلس الشوري السابق وأكد أن مسودة الدستور الحالي تعد أطول دستور في العالم وكثير من موادها تفتح أبواب الشيطان وتعكس مدي الانتقام والتسلط من جانب رئيس الجمهورية علي كافة سلطات الدولة، ولهذا فالحديث هنا يمثل مضيعة للوقت وملهاة للشعب والأهم من هذا هو كيفية إدارة شئون البلاد، ولكن للأسف الشديد أن البلاد تدار بطريقة الاستقواء والسيطرة سواء ورد ذلك في تلك المسودة الباطلة أو ما يتبع في إدارة شئون البلاد وأخيرا ما حدث في المحكمة الدستورية العليا مؤخرا. وأضاف الدكتور السيد: إنه اذا ظل رئيس الجمهورية علي عناده وكبريائه والتزامه بقرارات الجماعة فتستمر الأزمة قائمة ولكن اذا نزل علي إرادة الشعب بصدر منشرح وعن قناعة واستمع لمعارضيه قبل مؤيديه واستخدم لغة العقل والحكمة وفن التريث في السياسة مكان التصادم والصراع بالاستفادة من الشواهد السابقة وكان آخرها ما جري في 25 يناير سيكون ذلك أفضل كثيرا وستستقر أوضاع البلد، لأن الشعب سيظل حتي ولو كان ساكنا هو صاحب السيادة ومصدر كل السلطات وأتمني أن يعود رئيس الجمهورية الي صوت العقل والحكمة وأن يعيد النظر في قرار الدعوة للاستفتاء وإتاحة الفرصة للتوافق وإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية والنظر في مواد الدستور الذي وضع في منتصف الليل مع عودة المنسحبين وغيرهم للمشاركة وتهدئة الرأي العام في الشارع المصري لأن مزيدا من التصادم سيؤدي الي مزيد من الصراع وستكون نتائج لا يحمد عقباها وعلي الدائرة تدور الدوائر. صلاح عيسي - رئيس تحرير جريدة القاهرة - يقول: إن هذا الدستور غير ديمقراطي بل إنه ديكتاتوري، فلم يعتمد علي أسس سليمة في طريقة صياغته ومواده بها كثير جدا من العوار، بينما كان دستور 71 أفضل منه وبالذات فيما يتعلق بضمانات الحريات العامة للدستور مضيفا الي أن مسودة الدستور جري تفصيلها علي مقاس جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفي وبالتالي هو دستور بالغ السوء. وأوضح الدكتور عيسي أن السياسة التي يتبعها الرئيس محمد مرسي تفتقد للحد الأدني في تقدير المسئولية، فالمشكلة الأساسية تكمن في القرارات والإجراءات التي يصدرها رئيس الجمهورية والمؤسف أنه يتصور أنها من الممكن أن تحقق الاستقرار للمجتمع بل انها علي العكس تزيد من حالة الفوضي والاحتقان الطائفي داخله كما أن لها آثارا سلبية علي كافة نواحي الحياة سواء الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية. كريمة الحفناوي - الناشطة السياسية عضو مجلس الإنقاذ الوطني - تقول: يجب أن يتراجع رئيس الجمهورية عن الإعلان الدستوري وبعدها نجلس علي طاولة التفاوض لإجراء المناقشات والحوار لنضع دستورا بصيغة توافقية تعبر عن كافة القوي الوطنية والثورية الموجودة في المجتمع وليس من قبل فصيل سياسي واحد، فنحن لم نضع أي عقبات في طريق حل الأزمة الحالية بل ان الرئيس محمد مرسي هو الذي تسبب في وجود هذه الأزمة بصورة للإعلان الدستور الصادر مؤخرا الذي يمنحه كل السلطات والصلاحيات في يده سواء من جانب السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية التي سيعطيها سلطة التشريع كاملة في عهده أو السلطة الرقابية مما يصنع منه ديكتاتورا، وبالتالي فعليه أن يجد المخرج منها وليس القوي السياسية. وأوضحت «الحفناوي» أن مصر ليست فصيلا واحدا ليتحكموا في وضع دستور الوطن، فجميع من يمثلون مصر يجب أن يضعوا الدستور ليحصل علي توافق وطني من كافة فئات وطوائف الشعب لهذا نرفض بشدة الطريقة التي وضعت بها الدستور «المسلوق» وهيمنة فئة واحدة من فئات الشعب بوضعه أيا ما كانت هذه الفئة ستكون كل الصلاحيات لصالحها فقط مضيفة أن مسودة الدستور الحالي مشوهة ومعيبة وتحمل الكثير من الكلمات الإنشائية التي لا تلزم الدولة بواجبها نحو مواطنيها بما يتفق مع مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية كما اننا طالبنا بوجود مواد تحدد سن زواج الفتاة حتي نمنع زواج القاصرات ولكنها اكتفت المسودة بمادة واحدة رقم 10 عن الأسرة ككل.. فكيف ذلك والمرأة تشكل نصف المجتمع ولها كافة الحقوق أن تتناساها بهذا الشكل؟! وأيضا طالبنا بوجود مواد تجرم العنف ضد المرأة وتعطيها حقها بتحديد نسبة في التمثيل النيابي ولا تسمح بتشغيل الأطفال طبقا للاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر التي تجرم تشغيل الأطفال قبل سن الخامسة عشرة ولكن الدستور يعبر عمن وضعوه من رجال الأعمال الذين يسيرون علي نفس نهج السياسات السابقة والدليل علي ذلك أنه تم القضاء علي دولة القانون بتحكم رئيس الجمهورية في جميع السلطات القضائية والتشريعية والرقابية وهو ما يخالف دولة القانون ويعمل لصالحه ولصالح جماعته وهو ما يظهر خطورة القرارات المحصنة الموجودة في الإعلان الدستوري الباطل.