حينما نقول الشرق الأوسط اليوم سنة 2012 فنحن نعني ما تعنيه مراكز البحث والتحليل واستشراف المستقبل المبثوثة في الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان والصين واتحاد الجمهوريات الروسية أي البلدان العربية والإسلامية بما فيها إيران وباكستان وأفغانستان وتركيا ينضم إليها جميع العرب مشرقا كمصر والشام الكبرى والعراق وفلسطين والأردن والجزيرة العربية الأصلية التي كانت تسمى الحجاز واليمن ومغربا ما يسمى اليوم بالمغرب العربي أي الشمال الإفريقي. وكل هذه المنطقة التي ترتبط حضاريا بالإسلام والعروبة رغم أن بعض أقلياتها غير مسلمة أو هي منحدرة من أعراق غير عربية لكنها منطقة تقع في الفضاء الحضاري الإسلامي لغة وتقاليد تعايش سكانها على مدى قرون طويلة في سلام ووفاق ثم إن الغزوات الأجنبية من مغولية وإفرنجية وقبلهما الرومانية زادت أهلها تلاحما وتماسكا وتشبثا بالهوية الحضارية الجامعة والمانعة. وأذكر أنه حين تجمعني بعض المؤتمرات الإقليمية والدولية مع ساسة غربيين وأصحاب قرار أمريكان أو أوروبيين أبادرهم بسؤالي الذي يشغل فكري وهو: من الذي يرسم خارطة هذا الشرق الأوسط الجديد وكيف ترسم ولمصلحة أي أمة من الأمم؟ وحين أطرح هذا السؤال أتلقى أجوبة قد تختلف في تفاصيلها لكنها تتفق جميعا في منطلقاتها وفي جوهرها وأستخلص أنا بما كتب الله لي من موهبة الاعتبار ونعمة التفكر والتدبر بأن سابقة اتفاقية (سايكس بيكو) التاريخية والتي وقعها الوزيران المذكوران لخارجية كل من الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية يوم 16 مارس 1916 هي التي حددت على الميدان ملامح خارطة الشرق الأوسط القديم والراهن حيث تم تقاسم تركة الرجل المريض (الخلافة الإسلامية) بين الدولتين الاستعماريتين الأقوى في ذلك التاريخ وهما خارجتان منتصرتين في الحرب العالمية الأولى أو في عداد المنتصرتين لأن الحرب انتهت سنة 1918 بعد أن اندلعت عام 1914 وبادرت بنت أوى البريطانية من لندن سنة 1917 بإعطاء يهود العالم وعد بلفور المعروف كما بادرت فورا وعام 1918 بإيفاد الجاسوس العبقري لورانس العرب إلى الشريف حسين وأولاده في مكة من أجل القضاء على السلطان العثماني وبداية رسم الخارطة الحالية للشرق الأوسط. هذه المقدمة التاريخية ضرورية لفهم وتحليل الواقع الراهن للشرق الأوسط لأنها تنير الجوانب الغامضة من لعبة الأمم وتكشف خفايا ما يخبئه لنا العالم المتحرك من مصير. ولنبدأ بتسليط الضوء على بؤر الأزمات الشرق أوسطية التي تعالجها الإمبراطوريات الدولية التقليدية والناشئة في هذه الظروف الصعبة وهذه المنعطفات الخطيرة من زمن الربيع العربي والصحوة الإسلامية. أول هذه البؤر هي الحالة السورية لأنها تطرح محاذير أمنية وجغراسترتيجية تتجاوز الإقليم إلى رحابة العالم. فقد تحولت المطالبات الشعبية السورية من مجرد مظاهرات تستعجل إصلاحات دستورية وسياسية واجتماعية بشكل سلمي إلى حرب أهلية مسلحة قد تطول وهذه أكبر غلطة سياسية ارتكبها نظام بشار الأسد حين واجه مظاهرات شبابية باجتماع برلمانه المهزلة وتلاوة قصائد المديح للقائد المنقذ من الضلال وهو تكتيك قديم عديم الجدوى في عصر الإنترنت وسرعة انتقال المعلومات وتشاركية الحشد والتجنيد الشعبي بفضل مواقع الاتصال الاجتماعية. أما البؤرة الثانية فهي القضية الفلسطينية التي تغيرت معطياتها بوصول نخب عربية منتخبة إلى السلطة كليا أو جزئيا مما بوأ الشعوب منزلة المتابع للشأن الفلسطيني والمؤيد لحقوق الشعب الفلسطيني وهو ما سيعجل بالتجاء الجانب الإسرائيلي لأخف الضررين أي للاعتراف بدولة فلسطينية تتعايش مع دولة إسرائيل ضمن حدود وضعها القانون الدولي وبصمت عليها قرارات مجلس الأمن. وقد استثمر الفلسطينيون هذا التحول المبارك بما فيهم حماس وسلطة رام الله للعودة ربما لنوع مختلف من مسيرة السلام لا علاقة لها باتفاقية أوسلو وفك فتيل الاشتعال الذي سيؤدي بالمنطقة إلى حقل ألغام جديد. أما مربط الفرس والبؤرة الرئيسية في المنطقة فهي ملف النووي الإيراني الذي يهدد توازنا قديما للقوى وينذر بتغيير عميق وجذري في معادلات القوة والحرب ومناطق النفوذ. لا مناص من الإقرار بأن غاية القوى العظمى والمتعاظمة اليوم هي أخذ نصيبها في إدارة الملف النووي الإيراني بشكل يخدم مصالحها ويؤمن لها موطئ قدم في الشرق الأوسط. ونحن أمام خيارات ليست مختلفة فحسب بل متناقضة على حدود الخارطة الجديدة للإقليم فالولاياتالمتحدة في الولاية الثانية لباراك أوباما تريد إيرانا منزوعة السلاح النووي بينما تريد روسيا والصين الحفاظ على حليف إيراني له أسنان وأنياب لكن تحت السيطرة. ومصر تتبدل بسرعة والحكم الإخواني الجديد يرتكب هفوات قد تغير موازين القوى الداخلية المصرية وتبقى تركيا الصاعدة تتربص بعدة ملفات شرق أوسطية سوف تعيد لإسطنبول (وليس لأنقرة) ما كان عليه حال السلطان العثماني. إننا على شفا تحولات كبرى لا بد أن نجتمع كعرب أولا ثم كمسلمين ثانيا حولها لنقي أنفسنا مخاطر الخروج من التاريخ ولا ننسى أننا تم طردنا من التاريخ منذ قرن ولم نعد إليه إلا هذه الأيام بفضل تضحيات شباب عربي مسلم جلس أبناؤه أمام شاشات حواسيبهم وشرعوا يتواصلون من أجل اليقظة الحضارية من رقدة أهل الكهف. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية