عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى)) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: ((مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى)). وعَنْه رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ)) ((أَبَى)): أي امتنع وترك الطاعة التي يستوجب بها الجنةوأهم ما يستفاد من الحديثين: وجوب طاعة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما أمر ونهى، والتمسك بهديه. وطاعته صلى الله عليه وسلم هي اتباع ما جاءت به سنته. بهذا بدأ الدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب واضاف قائلا: كثير من الناس يدَّعون محبَّة الله ورسوله؛ فلئن كانت الطاعة هي البيِّنة الَّتي تشهد بصدق دعوى المحبّة وأصالتها، فإن المعصية تشهد بنقيض ذلك، وعلى الإنسان أن يضع نفسه على هذا المِحَكِّ ليعرف إلى أيِّ الزمرتين ينتمي. وطاعة الرسول الكريم واجبة، واستغفاره للمؤمنين المذنبين التائبين مقبول لدى ربِّ العالمين، وإذا اتبعوه بصدق أحبَّهم الله وأنعم عليهم بالمغفرة. ومن دلائل الإيمان السليم، أن يُحَكِّم المسلمُ الشرعَ الإسلامي القويم فيما يعرض له من أمور، ثمَّ يقبل بحكمه ولا يجد في نفسه حرجاً أو ضيقاً من الالتزام به. إن المطيع لله ورسوله، يتبوَّأ منزلته في علِّيِّين، مع الأنبياء والصدِّيقين والشهداء والصالحين، في ظلال عرش الرحمن، وحَسُنَ أولئك رفيقاً. طاعة الرسول هي طاعة لله عزَّ وجل ومعصيته معصية لله، لأن أوامره ما هي إلا وحي من الله وعمل بكتابه الكريم، فقد أرسل تعالى الرسل وأيَّدهم بوحيه لتكتمل مقوِّمات وجوب طاعتهم على الناس، فإذا قضى الرسول قضاءً بإذن الله فلا مناص من تنفيذه والإذعان له لأنه من أمر الله. في طاعة الله ورسوله وحدة وقوَّة للمؤمنين، ولا تتحقَّق تربية النفس على الطاعة إلا بالصبر. رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القدوة النموذجية المثالية، لكلِّ من آمن بالله وذكره ذكراً كثيراً. على المؤمنين أن يبقَوْا تحت لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع الملمَّات والطوارئ، وألا يفارقوه دون استئذان، فالمؤمن الَّذي يشعر بارتباطه الكامل مع المجموعة المؤمنة لا يتخلَّى عنها، إلا إذا عرض له أمر قاهر؛ ومع ذلك فهو لا يترك الرسول صلى الله عليه وسلم دون استئذان، تأدُّباً معه واحتراماً لمجلسه. ويتجلَّى حُبُّ المؤمن لربِّه ولنبيِّه بصور مختلفة وعلامات شتَّى، وإنَّ من أوضح هذه العلامات وأظهرها، أن يكون المؤمن مؤْثِراً لأوامر الله تعالى على سائر محبوباته، ظاهراً وباطناً، فيلزم الطاعة، ويجتنب التردُّد والتَّهاون واتِّباع الهوى، ويكون هواه تبعاً لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي هذا المعنى قال أحد المحبِّين الصادقين: وذكر الدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب اناتِّباع الرسول صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأعمال والأخلاق، يعني الدخول في دائرة طاعة الله، الَّتي تعني امتثال أوامره تعالى واجتناب نواهيه، واتِّباع سنن رسوله ممَّا ورد عنه من قول أو فعل أو تقرير، قال صلى الله عليه وسلم : «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم» (أخرجه مسلم). وقد يخطئ العقل البشري، ويتأثر بشتَّى التيارات الفكرية، لذلك كان لابدَّ من وجود ميزان ثابت ترجع إليه العقول عند اختلافها، فتعرف من خلاله مدى الخطأ والصواب في أحكامها وتصوُّراتها، والله تعالى يضع هذا الميزان لسائر القيم والأحكام، وفي كلِّ حقل من حقول الحياة، وهو كتاب الله وسنَّة رسوله. فإن تنازعنا في أمر فعلينا أن نخضعه لهذا الميزان، فإن لم نجد له حكماً صريحاً في القرآن أو السنَّة لجأنا إلى القياس، وهو: ردُّ الحكم في القضايا الطارئة الَّتي لا نصَّ يبيِّن حكمها، إلى الأحكام الَّتي نصَّ عليها الشرع للتَّشابُه بينهما، والمماثلة في علَّة تشريع الحكم. وممَّا تجدر الإشارة إليه أن آيات القرآن الكريم قد ربطت بين طاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة، دفعاً لتخرُّصات المفسدين وتأويلات المنافقين، الَّذين دعَوْا إلى الاكتفاء بما جاء في القرآن الكريم، وترك ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو عمل. وممَّا يؤكد وجوب الالتزام بالسنَّة إلى جانب الالتزام بكتاب الله، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم علاوة على قيامه بتبليغ الرسالة فقد قام بتطبيقها، بل إنه القدوة المثلى لهذا التطبيق. ولقد أخذ المسلمون عنه عليه الصَّلاة والسَّلام تعاليم هذا الدِّين ومناسكه، وراحوا يبنون صرح هذه العقيدة على أسسها. فالرسول صلى الله عليه وسلم مبلِّغ ومبيِّن عن الله مراده، وقد جاءت سنته شارحة للقرآن تبيِّن مجمله وتقيِّد مطلقه وغير ذلك من أوجه البيان. وبهذا يمكن فهم مقام السنَّة بالنسبة للكتاب، فالتشريع الدِّيني المحض كأحكام العبادات لم يكن يصدر إلا عن وحي الله لنبيه صلى الله عليه وسلم من كتاب أو سنَّة، أو بما يُقِرُّه عليه من اجتهاد. وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك معصوماً، لأنه لو أخطأ لما أمر تعالى بطاعته في قوله: {من يُطعِ الرَّسول فقد أطاع الله ومن تولَّى فما أرسلناك عليهم حفيظاً} (4 النساء آية 80)، ومادامت المسائل الدِّينية قد بُنيت على هذا النحو، ومادام الأصل الَّذي يُرجَعُ إليه عند التحاكم معلوماً، فلا معنى للاختلاف حول منزلة النبي صلى الله عليه وسلم من الشريعة الإسلامية، فلا ريب أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو قائد مسيرة الإيمان، والدليل الروحي والمرشد الحكيم، وهو الَّذي يتكلَّم بوحي الله: {وما يَنْطقُ عن الهوى * إن هوَ إلاَّ وحيٌ يُوحى * علَّمهُ شديدُ القُوى} (53 النجم آية 35) وعلى هذا فإن أقواله وأعماله هي من وحي الله عزَّ وجل، فصَحَّ بذلك أن تكون مصدراً ثانياً للتشريع بعد القرآن الكريم، وإن ترك هذا المصدر هَدْمٌ لركن من أركان التشريع، فمن أعرض عن السنَّة فقد حرم نفسه من ثمرات التطبيق النبوي، فَتاهَ وضلَّ عن سواء السبيل. وسنَّة النبي صلى الله عليه وسلم الَّتي علينا الاقتداء بها، تبدأ منذ بدء تكليفه بالرسالة، بل إن بعضهم قال هي منذ اعتكافه صلى الله عليه وسلم في غار حراء، حيث أمضى الأيام الطويلة متعبدا، متحنِّفا، متأملا في ملكوت السموات والأرض، حتَّى صفت نفسه ورقَّت مشاعره، ممَّا أهَّله لتلقِّي الفيوضات الإلهية، وفتح مغاليق قلبه ليكون مستودعا للأنوار الربَّانية.. وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ضرورية حتَّى في أصغر الأمور وأدقِّها، وهذا تعليم للأمة المؤمنة كيفية التعامل مع قائدها وولي أمرها. والأمكنة الَّتي تتوجَّب فيها طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة، وقد عدَّدت الآيات القرآنية بعضاً منها على سبيل المثال لا الحصر، وخاصَّة فيما يتعلق بعمل المؤمنين بوصفهم مجموعةً، فهم ملزمون بالبقاء إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند كلِّ أمر جامع هام، فيه مصلحة الأمة، وهذا تأكيد على دور الفرد وأهميَّته في الأمور المصيرية، فلا يحقُّ لأحد أن يتخلَّى عن تأدية هذا الدور، لأن الفرد المسلم مُلك لأمَّته، وهو عضو من أعضاء جسدها الواحد، وعليه أن يشاركها المعاناة والتضحية، والبناء وترسيخ القواعد الإيمانية، بكلِّ جديَّة ووعي وتقدير للمسؤولية.