" بشاشة الوجه ، الصبر ، التواضع ، الجسم السليم " أهم شروط يجب أن تتوفر فى مقدم الرعاية الصحية للمسنين، فأصعب ما يواجه مقدم هذه الخدمة هو تحمل المسن، والتأقلم معه، وكسب وده وثقته، وجعل المناخ حوله مريح نفسيا بما يساعده على تقبل مرضه والظروف التى أصبح عليها ومواصلة حياته في هذه المرحلة من العمر. من أجل تقديم هذه الخدمة الإنسانية النبيلة وافق 200 شاب وفتاة على الالتحاق بجمعية "الرعاية بالمحبة" التي استحدثت نظام مقدم الرعاية الصحية المنزلية للمسنين، بهدف أن يعيش المسن بكرامته فى منزله دون أن يشعر أنه عبء على غيره، ولتوفير فرص عمل لشباب اختاروا أن يصبحوا أفراداً مهمتهم الأولى العناية بالغير، وأن يقوموا بعملهم على أكمل وجه مهما كانت طبيعة العمل الذين يضطلعون به. مهنة مهمة جدا تقول د. ماجده اسكندر ،رئيس مجلس إدارة الجمعية، وصاحبة الفكرة التي نفذتها في مصر لأول مرة منذ عام 1996 : "جاءتني الفكرة بعد مروري بتجربه شخصية.. فقد كانت واحدة من أفراد أسرتي التي تجاوزت الستين مريضة، وكنت أنا المنوطة برعايتها ورغم أنني سعيت جاهدة إلى التوفيق بين رعايتها وبين عملي، إلا أنني لم أوفق في ذلك بالشكل الذي يرضيني، ولذلك فكرت فى إدخال مهنة مقدم الرعاية الصحية المنزلية. وتتابع : لأنها مهنه جديدة على المجتمع المصري واجهتني تحديات فى بداية الطريق، كان أولها التمويل وعمل منهج يقدم فى الدورات التدريبة باللغة العربية، وإنشاء نظام تدريبى وتعليمى وتوظيفى متميز، ولذلك فكرت من خلال الجمعية في عمل شراكات مع مستشفى السلام والهيئة القبطية الانجيلية ومركز خدمات المسنين، وحصلت على الدعم من مؤسسات تنموية عديدة . وحول احتياج المجتمع لهذه الخدمة تقول: "هذه الوظيفه لها احتياج كبير ولها مكانتها فى الغرب، وفى بلادنا العربية أصبح لدينا هذا الاحتياج نظرا لتغير ظروف العمل وتفاقم مشكلة المواصلات حيث أصبح وقت العمل يزيد عن 12 ساعة يوميا، وصار من الصعب متابعة البيت والعمل والمريض المسن في آن واحد ". وبعد مرور أكثر من 14 عاما على ممارستى لهذه المهنة وجدت أن رعاية مسن مريض ليست أزمة فى القاهرة فقط والمدن الكبيره، ولكن وجدتها منتشرة بكثرة في الريف أيضا، وذلك نتيجة للهجرة الداخلية من الريف إلى المدن . وتنبه رئيسة الجمعية إلى عزوف الشباب عن هذه المهنة لارتباطها فى أذهانهم بأن الشخص الذى يدخل المنزل يكون خادما أيا كان الدور الذي يقوم به، لافتة إلى أن هذا المفهوم لم يتغير بالرغم من احتياج الكثير من الأسر لرعاية مسنيهم فى ظل ظروف العمل والحياة ومرض الكثيرين من المسنين الذى يحتاجون إلى رعاية مستمرة . وتضيف " من أجل تغيير هذه المفاهيم حاولنا التركيز في الدورات التدريبية على أننا نقوم بتقديم مهنة يحترمها الجميع، واحترامها نابع من مقدم الخدمه نفسه ، فالمؤسسه تضمن له ضمانات للحفاظ عليه وعلى كرامته، منها اشتراطنا على العميل توفير الأمان له وعدم تعرضه لأى خطر أو أذى، كما يقوم قسم خدمة العملاء بالجمعية بعمل زيارات مفاجئة للاطمئنان على مقدمى الخدمة ومتابعة أدائهم، ونشترط أيضا على العميل عدم التعامل مع مقدم الخدمة على أنه خادم للمسن بل على أنه شخص يقدم خدمة فقط، وفى المقابل على مقدم الخدمة احترام المنزل الذى يعمل فيه والالتزام بالآداب العامة ". التدريب مستمر " بمجرد الالتحاق بالجمعية يتم تدريب مقدم الخدمة على أجهزه الجسم والأمراض الشائعه والمعلومات النظريه فى التمريض، وكيفية تقديم التغذيه الصحيحه للمسن، بالإضافة لتدريبات عملية يتلقاها فى مراكز مسنين ومستشفيات، ولا يشترط أن يكون المدربون من الأطباء أو الممرضين لكن المهم أن يكونوا قد حصلوا على هذه الدورات من قبل ".. هكذا عرضت " نيفين حنا" إحدى مقدمات الخدمة نظام العمل داخل الجمعية قائلة: " تخرجت من كلية التجارة والتحقت بالعمل فى شركات كثيرة لكني لم أشعر أنني أقوم بالدور المجتمعي الذي طالما تمنيته، حتى التقيت د. ماجدة اسكندر وعرفتنى بهذه المهنة وعلمت أنها في أمس الحاجة إلى مقدمى خدمة، وشرحت لى كيف يعزف الشباب عن هذه المهنة التى تحتاج إلى عمالة كبيرة، فقررت أن ألتحق بالتدريب الذي استمر 3 شهور وبعد مرور 6 شهور من التدريب والعمل التطوعى شعرت بأهمية هذه المهنة بالفعل وقيمة الرسالة التى نقدمها . وتضيف: " كل 3 شهور نعود إلى الجميعة لتلقى دورات تدريبية جديدة تركز على التغييرات الذهنية للمسن وكيفية التعامل معها، وتحرص الجمعية على توفير مكان لممارسة الرياضة وإجراء فحوصات طبيه علينا حتى نستطيع الاستمرار فى عملنا ". تجربة مرافق عبد الباسط فتوح ،حاصل على دبلوم من أحد المعاهد الفنية، ويعمل مقدم للرعاية الصحية المنزلية للمسنين منذ 10 سنوات، يرى أن حياته اختلفت فى هذه المدة بشكل كبير: " كنت أعمل فى إحدى القرى السياحية فى شمال سيناء لسنوات ولم يكن عملى ثابتا، وعندما مرض والدى منذ 10 سنوات وكان مسنا لا يستطيع الحركة لم أعرف كيف أسعفه أو كيف أقوم برعايته صحيا، وتطلب ذلك الكثير من التعلم، وشعرت بمدى المعاناة التى يجدها المسن المريض خاصة الذي لا يستطيع الحركة أو العاجز عن ممارسة حياته الطبيعية ، وبعد وفاة والدي قررت الدخول فى هذا المجال ". ويكمل : "والتحقت بجمعية الرعاية بالمحبة ،أول جمعية تقوم بتوظيف مقدمى الرعاية الصحية المنزلية للمرضى والمسنين، وكانت بداية رحلتى مع المسنين، فعلى مدار عشر سنوات تعاملت مع شخصيات كثيره ولها ثقلها على المستوى السياسى والاجتماعى، تعلمت منهم الكثير واستفدت من خبرتهم لأن كل من عملت معهم أصحاب خبرات كبيره فى الحياه، فكنت بمثابة الصديق لهم ولذلك ساعدونى كثيرا فى حياتى، واستطعت أن أكون علاقات طيبة مع عائلاتهم أفادتني كثيرا فالخبرات والعلاقات العامه هى الميراث الخاص من هذه المهنه". ويصف فتوح شعور المسن بأنه عبء على أولاده بأنه من أصعب ما قابله فى تعامله مع المسنين، وأن الكثيرين منهم يكونوا فى حالة نفسية سيئه نتيجة إحساسهم بعدم قدرة أبنائهم على رعايتهم والتفرغ لهم ولو قليلا من الوقت، ويحتاجون إلى من يتحدث إليهم ويشعرهم بأن دورهم لم ينته فى الحياة، ويعتبر هذا الدور مهمته الأصعب فى عمله . من اسكندرية للصعيد هذا وقد نجحت الجمعية منذ نشأتها وحتى الآن فى تدريب وتشغيل أكثر من 800 مقدم للخدمة، ونظرا للنجاح الذى حققته تم الاعتراف الحكومى بهذه المهنة الجديدة فى عام 2004، وقامت الجمعية بنقل التجربة كاملة إلى الإسكندرية والصعيد لنشر فلسفة رعاية المسن والتدريب عليه من خلال برنامج "مقدم الخدمة حيث لا يوجد طبيب" والذي يقوم على تدريب مقدمى الخدمة على الإسعافات الأولية للمسن فى العيادات والمستوصفات فى حالة عدم وجود طبيب، وبعد فترة التدريب يتم تعيين موظفين للقيام بالتدريب والإشراف على تنفيذ هذا البرنامج على أرض الواقع .