العبرة من قصص القرآن من اسباب زيادة الايمان وصفات المتقين والثبات على الحق وقال ابن كثير فى قصص الانبياء بعد أن قبض الله تعالى النبيَّ إلياس من بني إسرائيل، والذي كان مثل غيره من أنبياء الله يذكِّرهم بالتوارة وبأحكامها ويأمرهم بالعمل بما جاءت به، عظُمَت فيهم الخطايا والبلوة وانحرفوا عن جادة الحقِّ والصواب كعادتهم، وظهرَ لهم عدوٌّ شرسٌ يقال لهم قوم جالوت يقال أنَّهم كانوا يسكنون سواحل بحر الروم بين مصر وفلسطين وهم العماليق، فانقضُّوا على بني إسرائيل وهزموهم وأخذوا كثيرًا من أراضيهم وسبوا كثيرًا منهم، وذلك كلُّه بما كسبت أيديهم من الفجور والفسوق، ولكن بعد حينٍ من الزمن، أرسلَ الله تعالى جبريل -عليه السلام- إلى صموئيل -عليه السلام- وقال له: اذهب وبلغ رسالةَ ربِّك فإنَّ الله قد بعثكَ رسولًا. وعندما أخبرَ قومه كذَّبوه وقالوا له: إذا كنتَ صادقًا ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل الله آية ودليلًا على نبوَّتك، قال تعالى: "ألَم ترَ إلى الملأِ من بني إسرائيلَ من بَعدِ موسَى إذا قَالوا لِنبيٍّ لَهُم ابْعَث لنَا مَلِكًا نُقاتِل في سَبيلِ الله" [1]، وإنَّ بني إسرائيل لم يكن يلتمُّ شملهم إلا بالملوك وطاعة الأنبياء، فالملك هو الذي يسير الجموع ويحكم والنبي هو الذي يقيم أمره ويرشده وينصحه. وفي هذه المرحلة يقال إنَّه انتقل نظام الحكم في بني إسرائيل من نظام الشورى والذي يعرف بعصر القضاة إلى النظام الملكي والذي يعرف بعصر الملوك. وكانوا يريدون منه أن يعيِّن عليهم ملكًا حتى يقاتلوا أعداءهم ويستردُّوا ما سُلِب منهم، قال تعالى: "قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ" [1]، لكنَّهم كعادتهم ارتدُّوا عن دعواهم وتولَّوا عن القتال وخانوا الله ونبيَّه صموئيل -عليه السلام-، وعندما عيَّن عليهم طالوت ملكًا استكبروا وأخذتهم العزَّة وقالوا: نحن أحق بالملك منه، وحاولوا التملُّص منه، لكنَّه أمر الله تعالى، قال تعالى: "وقَالَ لهُمْ نبِيُّهُمْ إنَّ اللَّه قَد بعَثَ لكُمْ طالُوتَ ملِكا قالُوا أنَّى يكُونُ لهُ المُلْكُ علَيْنَا ونحْنُ أحَقُّ بالمُلْكِ منْهُ ولَمْ يؤْتَ سعَةً منَ المَالِ قالَ إنَّ اللَّهَ اصطَفَاهُ علَيْكُمْ وزَادَهُ بسْطَةً في العِلمِ والْجسْمِ واللَّهُ يؤْتِي ملْكَهُ منْ يشَاءُ واللَّهُ واسِعٌ علِيمٌ" [2]، وسبب رفضهم له لأنَّهم كانوا يعتبرون سبطه من أدنى أسباط بني إسرائيل وبسبب فقره لأنَّه كما يقال كان يعمل سقاءً، وذكر لهم صموئيل -عليه السلام- أيضًا آيةَ ملك طالوت وهو التابوت الذي ترك فيه موسى -عليه السلام- بقيَّة الألواح فجاءت الملائكة بالتابوت وألقته بين يدي طالوت، فلما رأوا ذلكَ سلَّموا له وملكوه، قال تعالى: "وقَالَ لهُمْ نبِيُّهُمْ إنَّ آيةَ مُلكهِ أنْ يأتِيَكُمُ التَّابوتُ فيهِ سكِينَةٌ منْ ربِّكُمْ وبَقِيَّةٌ ممَّا ترَكَ آلُ موسَى وآلُ هارُونَ تحمِلُهُ المَلائِكَةُ إنَّ في ذلِكَ لآيةً لكُمْ إنْ كُنتمْ مؤمِنِينَ" [3]. وبعد ذلك يكملُ الله تعالى تلك القصة عندما يذهب جيش طالوت ويطلب منهم طالوت ألّا يَشربوا من النَّهر الذي ابتلاهم به الله تعالى، فشربُوا وخسروا الاختبارَ إلا قليلٌ منهم وهم الصادقُون، وبعدها يلتقي قومُ طالوت وقومُ جالوت، والمؤمنون واثقونَ بنصرِ الله تعالى ويقولون: كَم من فئةٍ قليلةٍ غلبَت فئةً كثيرةً بإذن الله، وقتلَ داودُ جالوتَ وأكرم الله نبيَّه وعباده المؤمنين بالنصر على أعدائهم، قال تعالى: "ولَمَّا برَزُوا لجَالُوتَ وجُنودِهِ قالُوا ربَّنَا أفْرِغْ علَيْنَا صبْرا وثَبِّتْ أقدَامَنَا وانصُرْنَا علَى القَوْمِ الكافِرِينَ * فهَزمُوهُمْ بإِذْنِ اللَّه وقتَلَ داوُدُ جالُوتَ وآتَاهُ اللَّهُ الملْكَ والحِكْمَةَ وَعلَّمهُ ممَّا يشَاءُ ولَوْلَا دفْعُ اللَّه النَّاس بعضَهُمْ ببعْضٍ لفسَدَتِ الأَرْضُ ولكِنَّ اللَّه ذو فضْلٍ علَى العالمِينَ".