- أمى اليوم رحلتنا ، سأضم خيوط الشمس ، أقطف الورد والأغصان وأصنع مراكبا من ورق - وأنا ياأمى سأشعل قناديل الفرح ، من السجن أطلق الكروان ، أشرع الأبواب للنسمات ، أنسج ثوبا من قوس قزح - لماذا القلق بعينيك ، يامن ودّعت راحتك لأجلنا ، أرى الرعشة تدب بأوصالك ، افتحى ذراعيك ضمينى وإخوتى ، سنعود فى المساء ، لابيت يأوينا سوى عينيك ، نحكى عن الألوان والصور ، عن السمر وكم داعب الهواء وجوهنا ، فتزيلين عنّا فجوات التعب وبرودة الطريق - سأنتظركم ياموطن الأصداف ، ما أسعدنى بكم ، أنتم جزيرة السلام الباقية ، نهارى كله دعاء لكم ، ليجعل الله رحلكتم موفقة ، تعودون وأقرانكم مصحوبين بسلامته ورعايته لم ينتصف النهار حتى دق الجرس ، وخبر يحمل الحزن الدفين ، حوّل قلب الأم إلى أشلاء إنسان ، لاتملك الكلمات أن تأسو جراحها أو تجف لها العيون - أطفال البراءة ماتوا ، ثلاثتهم عن ربهم يرزقون ، ماتوا وبين كفّى كل منهم سنابلا وعمرا وربيعا ، حنانا ومأوى وظلا ، لانملك إلا الصبر، ماتوا فى غفلة منّا ، ( نصيبهم ، مكتوب لهم ، أمر الله ،المؤمن مصاب ، شهداء سوف يشفعون لك فى الآخرة ) - تاهت فى لجة الموت أمانىّ المكسورة ، دنياى لوعة محمومة ، اليوم سمعت عويل الرياح ، حطّت الغربان على بيتنا ، الغصة والمرار فى الحلق ، صوتهم ينادينى ، آه يانور عيونى ، قلبى هدّه الألم ، أحلم بلقائكم ، بعدما توسدت الأشواك ، كانوا الأمل فى الحياة ، شجر أتكئ عليه ، كنت أدخرهم عكازا عند المشيب ، تركونى أصارع الجفاف ، الزفرات نار والليل مقبرة أحلامى ، الجرح دامى ، كأنى أهوى فى بئر عميق ، يامصر ... من أطفأ المصباح لأرتدى أسود الوشاح ، وبين أزقة الوجع والخوف عرفت تباعد الأحرف ، تنوح الأيام بعين اليأس براعم أزهارها ، مضى القطار وارتحل ، أيتها العين الباكية فات الأوان ، فهل تضاء عتمة الخذلان ؟ قبل الوداع منحت كل منهم قبلة ، فمسحوا عن عينى أدمعا سقطت رغما عنى ، اليوم شطر قلبى ثلاث أجزاء ، لم يتبق إلا وجه الوحشة وفراغ الوحدة ، عذاب الفراق ولوعة الحنين ، ولى مع الغربة دونهم درب طويل ، منذ الآن لم تعد تخيفنى الأشباح والأنياب ، ياوطن الإغتراب صرت عنوانا لتساقط أوراق الرحمة ، كحمم بركان ، لم تهدينى سوى الرفات ، ضللت الطريق إليك بعدما بدأت أهذى بألف حكاية بعد الثورة عن الأمان والخير الوفير ، الآن بعتنى كما باعنى الزمن اللعين ، سكبت الماء ولم ترونى ، الألم فى نظراتى والخناجر فى ضحكاتى ، ياوطنى... ياقصة لفّها السكون وكانت حلما وأبحرا ، لم أكن أدرى أننى سأفترق عن فلذات أكبادى ، يامصر أنت وسياط الزمن ، بدونهم ضاقت أرضى ، والى أن تحملنى اليهم السماء ؟ سأغفو فوق مقاعد أرصفة ممتلئة بوجه أخذته الأيام لزمن الحزن ، وعند غروب الشمس أتبدد بين غيوم الأمس وسماء منكفئة ، أدفن رأسى فى ظلمة سرداب يأخذنى فى جوف سراب ، لاطير ولازهر فما أعجب ما يأتى به القدر !