هل أصبحت مهنة عامل النظافة مدخلاً إلى عالم البيزنس والملايين؟، وبابا واسعا للشهرة والتمثيل البرلماني؟. وهل يمكن لمسئولين كبار يتولون مناصب قيادية، أن يلجأوا إلى عامل النظافة الذي أصبح من أصحاب الشركات الضخمة، ليحصلوا منه على هدايا باهظة الثمن كسيارات فارهة، ومبالغ نقدية تُعبأ في حقائب كبيرة؟ وساعات تقدر قيمتها بعشرات الآلاف من الدولارات؟ وهل يمكن لعامل نظافة أن يأتي عليه يوماً ويتم تجميد ما يعادل 16 مليون دولار من حسابه البنكي؟. وهل يمكن لعامل النظافة والذي كان يقف على الأبواب لينتظر مجرد ابتسامة فقط ممن يعمل لديه، أن يأتي يوماً ليحمل حصانة برلمانية وتفتح له كل الابواب المغلقة؟!! أنها فعلاً قصة حقيقية وليست من وحي الخيال عندما تحول عامل نظافة إلى صاحب عدد من الشركات يعمل فيها اكثر من 9000 موظف، وعامل ما بين مدير ومحاسب ومندوبين وعمال. البداية جاء كازي بابول كما يطلق عليه في بنجلاديش إلى الكويت منذ العام 1984 وأقام فيها سنوات عدة التزم خلالها بالقانون ولم يخالفه، واستطاع بوسامته ولباقته أن يكون مجموعة من علاقات الصداقة مع عدد من المواطنين الكويتيين من مختلف المستويات، غير أنه لم يتعامل مع أي منهم في أي نشاط مشبوه. وبعد سنوات عديدة تحول بابول من عامل نظافة إلى صاحب اربع شركات خاصة بجلب وتشغيل عُمال النظافة، ولديه 34 عقدًا حكوميا ويشغل 9000 عامل في مناقصات النظافة، بالإضافة إلى تمكنه من دخول البرلمان البنغلاديشي كنائب هو وزوجته. سقوط وفي الأشهر الأخيرة وقبل جائحة كورونا حامت حوله الشبهات بأنه يدير شركاته لغسيل الأموال والاتجار في البشر، وتحويله لمبالغ مالية مشبوهة بملايين الدنانير إلى بنوك أوروبية وأخرى خليجية، مؤخراً، مع شراكته في بنك بنجلادشي كبير. وجاءت جائحة كورونا لتسلط الأضواء في الكويت على تجار البشر أو ما يطلق عليهم تجار الإقامات ، وبعد أن أعطت السلطات الكويتية مهلة لمخالفي الإقامة من كل الجنسيات بالمغادرة دون أي غرامات، تقدم الآلاف من المخالفين للاستفادة من تلك المهلة، ومن بين هؤلاء العمالة البنجلاديشية. وقد تقدم خمسة عمال بنجلاديشيين، بشكوى إلى السلطات الكويتية ضد صاحب إحدى الشركات، حيث جلبهم من بلاده، وتم تشغيلهم في شركة أخرى ولم تصرف لهم رواتبهم، وهي شركة مسجلة باسم مواطن كويتي وضعت النيابة اسمه على قوائم المطلوبين بعدما تبين أنه متوار عن الأنظار منذ ما يقارب السنة كونه مطلوباً لست قضايا مالية. وبعد التحريات تبين أن من يدير الشركات نائب برلماني بنغالي ومشهور في دولته على نطاق واسع بلقب كازي بابول وألقت السلطات الكويتية عليه وإحالته إلى النيابة العامة بعد اتخاذ الاجراءات القانونية، والتأكد من عدم خضوعه للحصانة البرلمانية، كونه نائباً في البرلمان البنجلاديشي وليس البرلمان الكويتي والجريمة محلها الكويت. مجموعة تهم وقد واصلت النيابة العامة تحقيقاتها مع النائب في البرلمان البنجلاديشي بقضية الاتجار بالبشر وغسيل الأموال، وأمرت باستمرار حجزه على ذمة التحقيق. واشارت مصادر كويتية إلى أن المتهم يواجه 6 تهم هي الاتجار بالبشر وغسيل الأموال والتدليس بإيهام العمالة بتعيينهم بشركته والنصب والاحتيال ومخالفة قانون الإقامة والرشوة، مشيرًا إلى أنه أنكرها جميعاً باستثناء تهمة الرشوة، حيث ذكر أنه كان يقدم هدايا ومساعدات لأصدقاء له في جهات عدة وكانوا بدورهم يساعدونه في تخليص معاملات الشركة. مفاجآت وفجر النائب البنغالي العديد من المفاجآت في التحقيقات حيث كشفت صحيفة القبس نقلًا عن مصادر أن 7 مسئولين بارزين، بعضهم أحيل إلى التقاعد، وبعضهم الآخر على رأس عمله، في 3 جهات حكومية، هي لجنة المناقصات ووزارتا الداخلية والشئون، متواطئون مع المتهم، وحصلوا منه على رشى وهدايا لتسهيل عملياته المشبوهة. وفِي مواجهته مع تحريات المباحث، أدلى النائب البنغلاديشي باعترافات ضد مدير في إحدى الوزارات، وقال إنه كان يحضر إليه في شركة التنظيف، ويطلب منه قبل حضوره، أن يصرف جميع الموظفين الكويتيين لديه حتى لا يتعرّف عليه أحد. ووفق مصادر مطلعة، كشف النائب في اعترافاته أن المدير كان يصرّ عليه أن يتسلم المبالغ كاش بشنط مقابل الحضور لديه وتوقيع المعاملات غير القانونية. وأشار إلى أنه كان يطلب من موظفيه الكويتيين إخلاء الشركة أو يمنحهم إجازة عند حضور المدير الذي تسلم منه أكثر من شنطة تحتوي على مبالغ ضخمة. وكشفت التحقيقات نقلاً عن مصادر كويتية أن الاعترافات طالت أيضاً موظفاً في وزارة الداخلية، حيث قال المتهم إنه سلمه شيكاً بمبلغ مليون و100 ألف دينار كويتي، وقدّم للنيابة العامة نسخة من الشيك الذي سبق أن تسلمه الموظف الذي كان ينجز له المعاملات. وأشارت المصادر إلى أن المتهم اعترف بأنه سلّم مبلغ مليون دينار كويتي نقداً لشخص، مقابل جلب أعداد من العمالة البنغلاديشية إلى الكويت. أطراف وبعد تحقيقات مكثفة تبين وجود أطراف عديدة مرتبطة بالقضية، منهم شخصيات بارزة، وقيام المتهم بتحويل مبالغ مالية مشبوهة بملايين الدنانير، إلى بنوك أوروبية وأخرى خليجية أخيراً، حيث كان يستعد لنقل نشاطه وعملياته خارج الكويت، بعد أن نما إلى علمه ورود اسمه في ملف تجارة الاقامات والبشر وغسل الأموال. وأشارت المصادر إلى أن الشركة على ملفها 9 آلاف عامل وموظف، وسيتم الفصل بين المتهمين والمتورطين مع النائب البنغالي، المحتجز في زنزانة انفرادية، ويخضع لتحقيقات ماراثونية على مدار الساعة لكشف تفاصيل القضية الشائكة. وأكدت مصادر كويتية أن القانون يُطبق على الجميع سواء أكان المتهم شخصية اعتبارية في أي بلد أو شخصاً عاديًا، فطالما وقعت الجريمة داخل البلاد فالقانون يطبق، لذا جرى احتجاز النائب البنغالي. وقد أمرت النيابة العامة في الكويت بتجميد الحسابات البنكية للنائب البنغالي وشركته، المحتجز بقضايا غسل أموال واتجار بالبشر. خط أحمر وكان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء وزير الداخلية أنس الصالح، قد شدد على أن أمن الكويت خط أحمر، وأن كل متورط في تجارة الإقامات، سوف يحال إلى النيابة العامة، أياً كان منصبه. وأكد الصالح أن التحريات كشفت وجود معاملات مالية مشبوهة قامت بها شبكة من المسئولين ضعاف النفوس، بالتعاون مع الشركات التي سهلت تلك العمليات، مشدداً على أن كل من ورد اسمه في التحقيقات، سواء أكان مسؤولاً حكومياً أو شخصية بارزة، سيكون أمام جهات التحقيق في وزارة الداخلية، وسيحال إلى النيابة العامة، لاستكمال الإجراءات، إن ثبت تورطه. أسماء ونيابياً، طالب النائب يوسف الفضالة بنشر أسماء النواب المتورطين، ودعا هيئة مكافحة الفساد إلى التحرك، وقال «ننتظر الخطوات من الجهات الرقابية وإن لم يتم التحرك سنتحرك نحن، ونطالب بالكشف عن هذه الأسماء. واعتبر النائب الدكتور عبدالكريم الكندري أنه مثلما تم الإعلان عن اسم النائب البنغالي، يجب أن يتم الكشف عن أسماء كل من تعامل معه بالكويت من نواب ومسؤولين حكوميين، كونها تحولت لقضية رأي عام. كما طالب النائب عبدالوهاب البابطين بكشف أسماء المتعاملين مع النائب البنغالي، داعياً إلى محاسبتهم أشدّ الحساب ليكونوا مثالاً لكل من يخرج على القانون ويعيث في الأرض فساداً.