في تطور مهم يتعلق بالأزمة المالية أقرّ الاتحاد الإفريقي إرسال قوة عسكرية دولية إلى منطقة شمال مالي بهدف تحريرها من الإسلاميين المتشددين الذين سيطروا عليها منذ بداية هذه السنة. وقال مفوض السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي رمضان العمامرة، في أديس أبابا، إن مجلس السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي قرر الموافقة على التصور المنسّق للعمليات من أجل "نشر مخطط له، لقوة بقيادة إفريقيا دعماً لمالي»، في إشارة إلى المخطط الذي أقره قادة غرب إفريقيا خلال اجتماعهم في أبوجا يوم الأحد الماضي والقاضي بإرسال 3300 جندي إلى شمال مالي. وأضاف العمامرة أن الاتحاد الإفريقي يُوصي مجلس الأمن الدولي "بالترخيص لهذا المخطط لنشر القوة لمدة عام". وتتعيّن إحالة هذا المخطط إلى الأممالمتحدة في نهاية نوفمبر الحالي عبر الاتحاد الإفريقي، وذلك بهدف منح الضوء الأخضر للعمليات من قبل مجلس الأمن الدولي.ولم يقدم العمامرة تفاصيل بشأن المهمة، لكنه أوضح أن الأمر يتعلق ب"باستعادة المناطق المحتلة في شمال مالي وتفكيك شبكات الإرهابيين والمجرمين فيها، وإعادة سلطة الدولة الفعلية على كامل التراب الوطني". يجمع المحللون الغربيون المواكبون للتطورات في شمال مالي عقب سيطرة الإسلاميين المتشددين على هذه المنطقة الشاسعة مع بداية سنة 2012، وإعلانهم الانفصال عن الدولة الأم، أن شمال مالي الذي يمتد على مساحة تفوق المليون كيلومتر مربع، و يبلغ عدد سكانه 1.5مليون نسمة،تحول إلى ملجأ أفريقياً آخر يقع في يد الإسلاميين المتشددين، الذين يبلغ عدد هم بضعة آلاف، وأقل من ذلك هم نواتهم الصلبة. و تسيطر على شمال مالي ثلاث مجموعات إسلامية متشددة :"تنظيم القاعدة في بلدان المغرب الإسلامي" و "حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا" و "أنصار الدين" حيث فرضت تطبيق الشريعة عن طريق استخدام القوة. و يعيش شمال مالي حالة من التطهير العرقي والديني التي تقوم بها حركة التوحيد والجهاد تجاه السكان الآمنين، حيث يقوم هؤلاء الإسلاميون المتشددون بالاعتداء على الأماكن الأثرية المقدسة في البلاد، وبإجبار المئات من الشباب المالي الذين يتم خطفهم على التوجه قسرا إلى معسكرات تدريب تابعة لمتمردي مالي ليصبحوا جنودا محاربين ضمن حركة التمرد في الشمال ومن يخالف هذا الأمر من الشباب المختطفين يقتل وتتم تصفيته وتعذيبه قبل قتله. وكنتيجة لهذه الممارسات الإرهابية، هجر الآلاف من الماليين بيوتهم بحثا عن مكان آمن لهم بعيدا عن العنف، الأمر الذي تسبب في وجود أزمة إنسانية نتيجة وجود الكثير من المخيمات التي تفتقر لأدنى شروط الحياة ناهيك عن النقص الكبير في المواد الغذائية والأدوية. في قمة أبوجا بنيجيريا يوم الأحد 11 نوفمبر الجاري، التي ضمن رؤساء دول مجموعة غرب إفريقيا، قال الحسن واتارا رئيس ساحل العاج والرئيس الحالي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إن "المجموعة اتفقت على تقديم 3300 جندي للمساعدة في استعادة شمال مالي ومعظم هذه القوات ستأتي من نيجيريا والنيجر وبوركينا فاسو ولكن دول غرب افريقيا الأخرى ودولتين أو ثلاث دول غير إفريقية ربما تساهم أيضاً بقوات". وأردف قائلاً إنه قد يتم نشر هؤلاء الجنود فور أن توافق الأممالمتحدة على الخطة العسكرية. ومن الواضح أن هذا القرار فاجأ الحكومة الجزائرية، حيث قال مصدر رسمي إن "الحكومة الجزائرية تلقت القرار باستياء كبير". وأوضح هذا المصدر، قائلاً: أن تحفظات حكومة الرئيس بوتفليقة مبنية على أساس "قرار مجلس الأمن (أخيراً) الذي يكلّف الأفارقة بإيجاد تصور ثنائي يجمع استعمال القوة بالحوار... الجزائر ترى أنه لم يتم احترام الشق الثاني من القرار الأممي" في القرار الصادر عن قمة أبوجا. بعد طلب المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" الحصول على موافقة الأممالمتحدة لنشر قوة إفريقية للتدخل في شمال مالي، تبنى مجلس الأمن الدولي مؤخراً بالإجماع قرارا يحث دول غرب إفريقيا على توضيح خططها الخاصة بتدخل عسكري لاستعادة شمال مالي من إسلاميين متطرفين في غضون 45 يوما. كما دعا القرار الذي صاغته فرنسا، بالتوازي الحكومة المالية والمتمردين الطوارق إلى "البدء بأسرع ما يمكن في مسار تفاوض ذي مصداقية". وكانت الجزائر أحد الفاعلين الأساسيين في أزمة مالي أعلنت، في شهر أكتوبر الماضي، لأول مرة قبولها بالتدخل العسكري في شمال مالي وأنها "عكس ما يقال" ليست مع "الكل سياسي". وتعتقد الجزائر أن استعمال القوة يجب أن يتم بتبصر من أجل تجنب أي خلط أو غموض بين سكان شمال مالي (الطوارق) الذين لهم مطالب مشروعة والجماعات الإرهابية وتجار المخدرات. وكان الرئيس الانتقالي في مالي ديونكوندا تراوري أعلن يوم الأربعاء 5 سبتمبر 2012أن مالي في خطر، وأن هذا الخطر عابر للحدود، أي أنه يهدد دول الجوار الجغرافي لمالي. و يذكر أن رئيس الوزراء المالي موديبو ديارا كان قد دعا الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا إلى التدخل العسكري في شمال مالي وذلك بإرسال طائرات وقوات خاصة.وكان رئيس الوزراء المالي يتحدث في الواقع عن "تدخل عسكري جماعي" إفريقي أو (و) دولي بينما أكدت صحيفة "واشنطن بوست" أن التدخل الذي كان محور المحادثات السرية للمسؤولين الأمريكيين هو تدخل منفرد يخص الولاياتالمتحدة وحدها. ويشكل طلب الرئيس الانتقالي في مالي من دول مجموعة "إيكواس" الإفريقية الغربية إلى نشر قوة تدخل من ثلاثة آلاف فرد لاستعادة الاستقرار في العاصمة باماكو ثم تعزيز جيش مالي لمساعدته على استعادة الشمال الذي تسيطر عليه جماعات مسلحة وذلك بتفويض من الأممالمتحدة، تطورا لافتا في الأزمة المالية وتداعياتها الإقليمية. وكانت دول الاتحاد الإفريقي قررت منذ فترة مساعدة مالي في أزمتها وذلك بإرسال قوات للتدخل السريع في شمال مالي للقضاء على المتمردين وشل حركتهم ومنعهم من التقدم أكثر باتجاه مدن أخرى. يشكل التدخل العسكري المرتقب لدول الاتحاد الإفريقي في مالي الخطوة الصحيحة لوضع الأزمة المالية في إطارها الإفريقي ويمنع الدولة الكبرى الطامحة، لاسيَّما فرنسا من استغلال الأزمة المالية لتوظيفها لخدمة مصالحها الاستراتيجية للسيطرة على مالي، في إطار الصراع التنافسي مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي تعتبر القوة العسكرية الأولى التي تدعم دول الساحل الإفريقي لمحاربة الإرهاب. وكان الرئيس فرنسوا هولاند قرر بعد شهور من الارتباك، مساندة تدخل "المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا"،والاتحاد الإفريقي في مالي عسكرياً، في إطار قرار مجلس الأمن الرقم 2071. ويعتقد المحللون الفرنسيون الملمون بالشؤون الإفريقية، أن الأزمة المالية أيضاً تكمن في اعتياد الطبقة السياسية الحاكمة على عقد تسويات على السكان العاجزين والمحرومين من أقنية التعبير ووسائله؛ في نهاية المطاف فهي تدور أيضا وسط فساد معمم في المؤسسات ولدى مسؤوليها الذين يخاطرون بإرجاء إصدار الأوامر بتشكيل فيلق من الجيش المالي للمشاركة في المعركة، إلى ما لا نهاية له. وتكمن خطورة الأوضاع في شمال مالي، من أن يتحول هذا الإقليم الصحراوي الشاسع إلى قاعدة للجماعات الإسلامية المتشددة، إذ يحذر مسؤولون أمريكيون وإقليميون من أن فراغ السلطة في شمال مالي ربما يفتح منطقة عمليات موسعة للمتشددين الإسلاميين، قد يصل الأمر إلى حد تحول مالي إلى "أفغانستان في غرب أفريقيا". ففي ظل التنسيق المستمر والسهل بين هذه المنظمات التي تنتمي إلى ذات الخلفية الجهادية، يخشى المحللون المتابعون لشؤون القارة الإفريقية من تكثيف أنشطتها الإرهابية، لا سيما أن هذه الجماعات الإسلامية المتشددة تحاول في كل مرة الاستفادة من الخصوصيات الجغرافية والمناخية لبلدان الساحل الإفريقي. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية