قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، إن من أنواع الصبر وتقسيماته يقول الماوردي الشافعي: واعلم أن الصبر على ستة أقسام فأول أقسامه وأولاها: الصبر على امتثال ما أمر الله تعالى به والانتهاء عما نهى الله عنه» لأن به تخلص الطاعة وبها يصح الدين وتؤدى الفروض ويستحق الثواب كما قال في محكم الكتاب: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب) [الزمر:10]. والقسم الثاني: الصبر على ما تقتضيه أوقاته من رزية قد أجهده الحزن عليها أو حادثة قد كده الهم بها فإن الصبر عليها يعقبه الراحة منها ويكسبه المثوية عنها وبذلك يكون قد صبر طائعاً وإلا احتمل هما لازما وصبر كارها آثما وهو ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يقول الله تعالى: «من لم يرض بقضائي ويصبر على بلائي فليختر ربا سواي» (الطبراني في الكبير). وتابع: والقسم الثالث: الصبر على ما فات إدراكه من رغبة مرجوة وأعوز نيله من مسرة مأمولة فإن الصبر عنها يعقب السلو منها والأسف بعد اليأس خرق روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أعطي فشكر ومنع فصبر وظلم فغفر وظلم فاستغفر فأولئك لهم الأمن وهم مهتدون» (شعب الإيمان للبيهقي) وقال بعض الحكماء: اجعل ما طبته من الدنيا فلم تنله مثل ما لا يخطر ببالك فلم تقله والقسم الرابع: الصبر فيما يخشى حدوثه من رهبة يخافها أو يحذر حوله من نكبة يخشاها فلا يتعجل هم ما لم يأت فإن أكثر الهموم كاذبة وإن الأغلب من الخوف مدفوع قال الحسن البصري رحمة الله: لا تحملن على يومك هم غدك فحسب كل يوم همه. والقسم الخامس: الصبر فيما يتوقعه من رغبة يرجوها وينتظر من نعمة يأملها فإنه إن أدهشه التوقع لها وأذهله التطلع إليها انسدت عليه سبل المطالب واستفزه تسويل المطامع فكان أبعد لرجائه وأعظم لبلائه وإذا كان مع الرغبة وقورا وعند الطلب صبورا انجلت عنه عماية الدهش وانجابت عنه حيرة الوله فأبصر رشده وعرف قصده لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الصبر ضياء» (صحيح مسلم) يعني والله أْعلم أنه يكشف ظلم الحيرة ويوضح حقائق الأمور. والقسم السادس: الصبر على ما نزل من مكروه أو حل من أمر مخوف فبالصبر في هذا تنفتح وجوه الآراء وتستدفع مكائد الأعداء فإن من قل صبره عزب رأيه واشتد جزعه فصار صريع همومه وفريسة غمومه ولذلك أمر الله تعالى بالصبر في الشدائد فقال سبحانه: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [لقمان:17]. واختتم جمعة قائلًا: مما سبق تتجلى لنا حقيقة الصبر وأقسامه وفضل الله وهو ما يستوجب أن يشمر المسلم عن ساعد الجد ويتخلق هذا الخلق العظيم ويصبر نفسه حتى يكون مع الله في كل وقت والله الموفق الهادي إلى أحسن الأخلاق لا يهدي إلى أحسنها إلا هو سبحانه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.