أمرنا الله تعالي بالصبر عند نزول البلاء. فقال سبحانه وتعالي: "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون" ûآل عمران: 200. فرتب الفلاح علي الامتثال للأمر بالصبر. والمصابرة. وأخيرا بأن الصبر خير لنا فقال سبحانه: "وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم" ûالنساء: 25. ويأمرنا سبحانه عند لقاء العدو بالصبر إذ يقول حكاية عن عبادة المؤمنين: "ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين" ûالأعراف: 126. وجعل الله الصابرين في معيته سبحانه. فيقول: "واصبروا إن الله مع الصابرين" ûالأنفال:46. وعن مطلق الخيرية في الصبر قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن. إن أمره كله خير. وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن» إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له. وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" ûرواه مسلم وروي أبو هريرة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "لا يذهب الله بحبيبتي عبد فيصبر ويحتسب إلا أدخله الله الجنة" ûرواه ابن حبان. وفي هذا بيان لجزاء الصبر عند المرض والبلاء كفقد الإنسان بصره. وعن أنواع الصبر وتقسيماته يقول الماوردي الشافعي: واعلم أن الصبر علي ستة أقسام. فأول أقسامه وأولاها: الصبر علي امتثال ما أمر الله تعالي به. والانتهاء عما هي الله عنه» لأن به تخلص الطاعة. وها يصح الدين وتؤدي الفروض ويستحق الثواب. كما قال في محكم الكتاب: "إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب" ûالزمر:10. والقسم الثاني: الصبر علي ما تقتضيه أوقاته من رزية قد أجهده الحزن عليها. أو حادثة قد كده الهم بها فإن الصبر عليها يعقبه الراحة منها. ويكسبه المثوية عنها. وبذلك يكون قد صبر طائعاً وإلا احتمل هما لازما وصبر كارها آثما. وهو ما حذر منه النبي صلي الله عليه وسلم فقال: يقول الله تعالي: "من لم يرض بقضائي ويصبر علي بلائي فليختر ربا سواي" ûالطيراني في الكبير. والقسم الثالث: الصبر علي ما فات إداركه من رغبة مرجوة. وأعوز نيله من مسرة مأمولة فإن الصبر عنها يعقب السلو منها. والأسف بعد اليأس خرق. روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: ûمن أعطي فشكر. ومنع فصبر. وظلم فغفر. وظلم فاستغفر. فأولئك لهم الأمن وهم مهتدون ûشعب الإيمان للبيهقي. وقال بعض الحكماء: اجعل ما طبته من الدنيا فلم تنله مثل ما لا يخطر ببالك فلم تقله. والقسم الرابع: الصبر فيما يخشي حدوثه من رهبة يخافها. أو يحذر حوله من نكبة يخشاها. فلا يتعجل هم ما لم يأت. فإن أكثر الهموم كاذبة وإن الأغلب من الخوف مدفوع. قال الحسن البصري رحمة الله: لا تحملن علي يومك هم غدك. فحسب كل يوم همه. والقسم الخامس: الصبر فيما يتوقعه من رغبة يرجوها. وينتظر من نعمة يأملها. فإنه إن أدهشه التوقع لها. وأذهله التطلع إليها. انسدت عليه سبل المطالب واستفزه تسويل المطامع فكان أبعد لرجائه وأعظم لبلائه. وإذا كان مع الرغبة وقورا وعند الطلب صبورا انجلت عنه عماية الدهش وانجابت عنه حيرة الوله. فأبصر رشده وعرف قصده. لذلك قال النبي صلي الله عليه وسلم: ûالصبر ضياء ûصحيح مسلم. يعني والله أْعلم أنه يكشف ظلم الحيرة. ويوضح حقائق الأمور. والقسم السادس: الصبر علي ما نزل من مكروه أو حل من أمر مخوف. فبالصبر في هذا تنفتح وجوه الآراء. وتستدفع مكائد الأعداء. فإن من قل صبره عزب رأيه. واشتد جزعه. فصار صريع همومه. وفريسة غمومه. ولذلك أمر الله تعالي بالصبر في الشدائد فقال سبحانه: ûواصبر علي ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ûلقمان: 17. مما سبق تتجلي لنا حقيقة الصبر. وأقسامه. وفضل الله. وهو ما يستوجب أن يشمر المسلم عن ساعد الجد. ويتخلق هذا الخلق العظيم. ويصبر نفسه. حتي يكون مع الله في كل وقت. والله الموفق الهادي إلي أحسن الأخلاق لا يهدي إلي أحسنها إلا هو سبحانه. وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.