إذا كان النبى صلى الله عليه وسلم ضرب النموذج الأعلى فى الأخلاق الحسنة، فإن ثمة أخلاقًا له سجلها القرآن الكريم، بجانب تسجيله الشهادة والثناء على مجمل أخلاقه الرفيعة صلى الله عليه وسلم.. منها: خلق الشفقة والرأفة؛ فقال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} (التوبة: 128). ومن شفقته ورأفته صلى الله عليه وسلم أنه كان حريصًا على أن يدخل الناس جميعًا فى دين الله، وليس متشوقًا إلى عذابهم وإلحاق الهزيمة بهم؛ حتى أصابه الحزن من أعراضهم، فنزل القرآن يخفف عنه، بقوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} (الكهف: 6). قال القشيرى: «مِن فرط شفقته صلى الله عليه وسلم، داخَلَه الحزنُ لامتناعهم عن الإيمان؛ فهوّن الله سبحانه عليه الحال، بما يشبه العتاب فى الظاهر كأنه قال له: لم كل هذا؟ ليس فى امتناعهم- فى عدّنا- أثر، ولا فى الدّين من ذلك ضرر؛ فلا عليك من ذلك». كما رفض النبى صلى الله عليه وسلم أن يدعو على المشركين حين آذوه فى الطائف.. فقد أرسل الله إليه ملك الجبال يأمره بطاعته، وأن يُطبِق عليهم الأخْشَبَيْن، وهما جبلان، إن أراد. فقال: «بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبدالله وحده لا يشرك به شيئًا». إن الداعية ينظر للناس نظرة الطبيب لمن يحمل لهم الدواء.. فلا يعاملهم بجفوة، ولا يستعجل عقابهم، ولا يغلظ لهم القول.. وإنما يبلغ كلمة الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويُظهر لهم شفقته ورحمته، وحرصه على ما فيه نجاتهم فى الدنيا والآخرة.. كذلك كانت «أنوار النبوة»، تفيض على الناس رحمةً ورأفة، وشفقة وحلمًا، فهو صلى الله عليه وسلم القائل: «إنما أنا رحمة مُهداة».