كان من أول من بايع النبى عند هجرته إلى المدينة فى السنة الأولى للهجرة؛ وكان آنذاك شابًا صغير السن يرعى غنمًا لأسرته، فلما سمع بقدوم المصطفى انطلق إليه ليبايعه، وقد سجلت كتب الحديث ذلك، ففى صحيح مسلم من طريق قيس بن أبى حازم عن عقبة بن عامر قال قدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المدينة وأنا فى غنم لى أرعاها فتركتها ثم ذهبت إليه فقلت بايعنى فبايعنى على الهجرة. ومنذ ذلك اليوم فى مطلع السنة الأولى للهجرة أخذ عقبة بن عامر مكانه بين أصحاب رسول الله، وقد أتاح له كونه شابًا يافعًا أن يتقن الكتابة وأن يحفظ ما نزل من القرآن ويستوعب الأحاديث النبوية ويتفقه فى الفرائض والفقه والعلوم، وأن يبلغ فى ذلك كله ما لم يبلغه أكثر الصحابة، فأصبح عقبة بن عامر من أشهر وأعلم الصحابة, فكان قارئًا عالمًا بالفرائض والفِقْه، فصيح اللسان، شاعرًا كاتبًا، وهو أحد مَنْ جمع القرآن؛ ومصحفه بمصر إلى الآن بخطه. وعقبة هو أول من تصدر للفتوى بمصر وأشهر من أفتى بها من الصحابة، توفى عام 58 من الهجرة وبُنى له مسجد حوله مدفنه الذى دفن فيه بشارع عقبة بن عامر خلف مسجد الإمام الليث بن سعد رضى الله عنه، ليعد أول من دفن بقرافة المقطم. وهو مسجد مستطيل الشكل، تشتمل واجهته الغربية على الباب العام وتقوم على يساره المنارة، ويشتمل المسجد على رواقين يتوسطهما صف من العقود المحمولة على عمد حجرية مثمنة وقد حلى سقفه بنقوش ملونة ومكتوب بإزار سقف الرواق الشرقى أبيات من قصيدة البردة، ويحيط بجدران المسجد مجموعة من الشبابيك الجصية المحلاة بالزجاج الملون. وبالقبة قبر عقبة وهى فى الركن الغربى القبلى للمسجد، عليها مقصورة خشبية وهى منقوشة من الداخل. وتعتبر قبة عقبة من أجمل وأكبر القباب التى أنشئت فى العصر العثمانى فهى مضلعة من الخارج، أما رقبتها فقد كسيت ببلاطات القيشانى. والقبة منقوشة من الداخل برسوم زيتية، ومكتوب على الزجاج الخشبى الذى يحيط بجدران المربع كآية الكرسى. وعلى القبر مقصورة خشبية وأمامه شاهد من الرخام نقش على أحد وجهيه آية الكرسى وعلى الوجه الآخر ما نصه: «هذا مقام العارف بالله تعالى الشيخ عقبة بن عامر الجهنى الصحابى رضى الله عنه جدد هذا المكان المبارك الوزير محمد باشا سلحدار دام بقاؤه فى سنة ست وستين وألف وفى داخل القبة يوجد قطعة من حجر أسود (لماع) يدعى سدنة الضريح أن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع قدمه عليها. وفى عهد أبوبكر الصديق خرج عقبة إلى فتوح الشام، وفى عهد عمر بن الخطاب كان البشير إلى المدينة بفتح دمشق، ثم وقف مع معاوية بن أبى سفيان أيام الفتنة، وولاه معاوية مصر سنة 44ه. وفى مرض الموت جمع بنيه فأوصاهم فقال : يا بنى أنهاكم عن ثلاث فاحتفظوا بهن: لا تقبلوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من ثقة، ولا تستدينوا ولو لبستم العباء (كساء مفتوح من الأمام) ولا تكتبوا شعراً فتشغلوا له قلوبكم عن القرآن. وتوفى رضى الله عنه سنة 58 ه، ودُفن بجبانة المقطم بالقاهرة، وقبره معروف ومشهور، وكان أوصى قبل موته بسبعين فرس بجعابها ونبالها فى سبيل الله. روى عقبة عن النبى صلى الله عليه وسلم خمسة وخمسين حديثاً، أكثرها رواها عنه المصريون. صلاح صيام [email protected]