بعدما تساءل العالم عن سبب «نجاة» دول أفريقية من لعنة «كوفيد-19»، تسارعت وتيرة انتشار الوباء في الأيام الأخيرة، مما دفع حكومات المنطقة إلى فرض إجراءات استباقية صارمة لتجنّب كارثة صحية واقتصادية قد تستمر لسنوات. وليس سراً أن القارة، وخاصة دول أفريقيا جنوب الصحراء، تعاني أكثر من نظيراتها عبر العالم من الأمراض المعدية والجائحات التي تحصد نسبة عالية من الضحايا، نظراً لهشاشة أنظمتها الصحية، والفقر المستشري في كثير من دولها. وقد حذّرت منظمة «إغاثة جوعى العالم» الألمانية من العواقب الوخيمة لوباء فيروس «كورونا» المستجد على أفريقيا والدول النامية. وقالت رئيسة المنظمة، مارلين تيمة، في تصريحات لصحيفة «نويه أوسنابروكر تسايتونغ» الألمانية: «من المتوقع أن نرى خلال الأسابيع والأشهر المقبلة كثيراً من الموتى هناك»، موضحة أن الفقر سيواصل تزايده جراء العواقب الاقتصادية الوخيمة الناجمة عن الوباء، كما نقلت وكالة الأنباء الألمانية. وذكرت تيمة أن الفيروس ستكون له عواقب مدمرة على الدول التي بها نظام صحي سيئ أو غير فعال، مشيرة إلى أن عدد الإصابات الرسمية بفيروس «كورونا» المستجد في أفريقيا قليل «لأنه لا توجد هناك فحوص تقريباً»، مطالبة الدول الصناعية بعدم التخلي عن أفريقيا، والالتزام ببرامج الدعم المخطط لها كافة. وأكدت تيمة أن الدول التي كان لها خبرات مع وباء إيبولا، خلال الأعوام الماضية، مستعدة على نحو أفضل للتعامل مع وباء «كورونا» المستجد. واتّخذ عدد من الدول الأفريقية إجراءات احترازية لمنع تفشي الفيروس على أراضيها، عقب أيام من إعلان أولى الوفيات في المنطقة. وبدورها، شهدت رواندا، إغلاقاً وحجراً على السكان لاحتواء الفيروس، في إطار إجراءات أكثر تشدداً اتخذتها دول أفريقية بجنوب الصحراء، وهى منطقة من العالم تمتلك أنظمة صحية هشة، وتشهد ارتفاعاً متواصلاً في عدد الإصابات. ومن بوركينا فاسو في غرب أفريقيا إلى جزر موريس قبالة الساحل الشرقي للقارة، منعت الحكومات التجمعات، وأغلقت المدارس والكنائس والمساجد والمطاعم والمقاهي والمطارات. وانضمّت رواندا وإريتريا إلى قائمة الدول الأفريقية وسجلت إثيوبيا وجزر موريس وكينيا إصابات جديدة، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. وأعلنت كينيا منع جميع الرحلات الجوية، باستثناء رحلات الشحن، وذلك عقب تسجيل 15 إصابة على الأقل. وكانت منظمة الصحة العالمية قد عبّرت، مرات عدة، عن قلقها من انتشار الوباء في القارة الأفريقية التي تفتقد أنظمتها الصحية إلى وسائل مكافحة الأمراض. وتلقت إثيوبيا، شحنة تحمل 1.1 مليون وحدة فحص، و6 ملايين قناع وقائي، و60 ألف بدلة وقاية، أرسلها الملياردير الصيني جاك ما. وفي رواندا، صارت شوارع وسط كيغالي شبه خالية، عقب يومين من الإجراءات الصارمة التي أعلنتها الحكومة. فأغلقت المحلات في العاصمة، وصارت محطات الحافلات خالية من الناس، وساد الهدوء السوق الأساسية في البلاد التي تكون عادة نشطة. وفي الأثناء، تدفق الناس على المراكز التجارية لشراء مؤن غذائية، متوقعين أن يطول الحجر. ومنعت الحكومة جميع التنقلات غير الضرورية، باستثناء الخروج للتزود بالغذاء أو تلقي العلاج والذهاب للمصارف. وأغلقت الحدود، باستثناء نقل السلع واستقبال المواطنين العائدين من الخارج. وقررت أوغندا المجاورة، إغلاق حدودها. ولم يعد يسمح بقدوم الطائرات، باستثناء الرحلات الطارئة. وقال الرئيس يوري موسيفيني: «لن نسمح بدخول الركاب القادمين مستقبلاً». وفي جزر موريس، التي تبعد حوالي 1800 كلم عن سواحل شرق القارة، لم تشهد شوارع العاصمة بورت لويس حركة. وفرض على المواطنين البالغ عددهم 1.3 مليون نسمة البقاء في منازلهم ، عقب تسجيل حالة وفاة، و17 إصابة ب«كوفيد-19». وبعد رصد إصابة رابعة، أعلنت الكونغو برازافيل أيضاً «الإغلاق الفوري حتى إشعار آخر لكل الحدود»، فيما أغلقت أنغولا، حدودها مع جمهورية الكونغو الديمقراطية. وفي بوركينا فاسو، الواقعة في منطقة الساحل، ويبلغ عدد سكانها 20 مليون نسمة، فرض منع تجول من الساعة السابعة مساء إلى الخامسة صباحاً. أما نيجيريا، الدولة التي تضم أكبر عدد من السكان في أفريقيا، ويبلغ مائتي مليون نسمة، فقد شددت، إجراءاتها الوقائية في مواجهة الوباء، وفرضت إغلاقاً جزئياً للأماكن العامة، و3 مطارات دولية. وتبنت لاغوس، المدينة الهائلة التي تضم 20 مليون نسمة، إجراءات صارمة للوقاية، وأمرت بإغلاق كل المطاعم والملاهي الليلية «بمفعول فوري» ولكن يبدو أن تطبيق هذه الإجراءات بالغ الصعوبة في مدينة يعتمد الجزء الأكبر من سكانها على اقتصاد غير رسمي، وتكثر فيها التجمعات الدينية، في الكنائس أو المساجد، حيث تجتذب عشرات الآلاف من الأشخاص في بعض الأحيان. أما إيمرسون منانغاغوا، رئيس زيمبابوي الواقعة في جنوب القارة، التي تعاني من تبعات أزمة اقتصادية خانقة لعقدين، فأعلن حالة الطوارئ الوطنية، وأمر بإغلاق المدارس. ومنع أيضاً التجمعات التي تشمل أكثر من 10 أشخاص. لكن الحكومة أدانت، التجمعات في كنائس هراري، رغم المنع.