راحت تجر بقاياها ، ممزقة القلب والجسد ، ترتعد من وحش ستظل صورته تطاردها مدى الحياة ، ذات الأعوام الستة ، أيقظتها أمها فى هذا اليوم الذى غربت شمسه ، ناولتها بعض الحلوى وحقيبة لاتزيد كثيرا عن حجم كفها الصغير، بين طيات كتابى الدين واللغة العربية دست عروستها بضفيرتيها ، بعض الألوان والصلصال ربما يتسع الوقت للعب مع قريناتها ، وراحت تمنى نفسها بيوم دراسى تبدأه بتحية العلم لترتفع حنجرتها مع النشيد " بلادى بلادى لك حبى وفؤادى " فالجلوس على مقاعد الدراسة ، ثم يدخل الأستاذ الذى قال عنه أمير الشعراء أحمد شوقى بيت الشعر : قم للمعلم وفّه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا يقف الأطفال إحتراما للمعلم ، ينتظرون إعلانه ( جلوس ) فيجلسون ، يبدأ فى الشرح ، حصة حصتين ثلاث حصص ، ليدق الجرس إيذانا ( بالفسحة) هذا أوان الراحة واللعب والأكل ، تهرع البراءة الى ساحة المدرسة ، الأولاد يعشقون كرة القدم ، والبنات تلعبن بالعرائس ، تتبادلن بعض الأدوات الخاصة بها ، هذه مريلة المطبخ وهذا فستان وطرحة عروس ، وآخر للبحر ، تتضاحكن ، تتقاذفن بعض من فقاعات الصابون الملونة ، تتبادلن الحلوى ، مازالت الدنيا فى عيونهن بلون الورد ، بلون الخضار الذى تسكنّ إلى جواره فى الريف ، لم تعرفن غيره ألوانا ، شكرن الله على نعمة الأمان الغائبة عن العاصمة ، أما الجيران فمازالوا على فطرتهم لم تتبدل فيهم أخلاق القرية ، وبينما كانت إحدى التلميذات تلهو وتقفز فى الهواء بعد أن صنعت مركبا من ورق ، كانت عينا الذئب ترصدها تتحين الفرصة للإنقضاض عليها، هاهو قد عقد العزم على ذبحها وعيد الأضحى يقترب ، أبى ألا تردى فستان العيد ، أو تهنأ بالخروف المربوط فى شجرة بيتها ، حرمها فرحة ( العيدية ) أول مايعطى للأطفال فى صباح العيد لتشترى ماتطيب له نفسها ، كانت نفسه الدنيئة تحثه على المضى قدما فى فعلته الشنعاء ، نادى بأعلى الصوت على الملاك الصغير فى ساحة المدرسة ، ليدوى صوته الأجش فى مسمعها كقنبلة صنعت بمهارة للفتك بالبراءة ، فكاد قلبها عن الخفقان أن يتوقف - ....... تعالى عايزك ضرورى - هل تقصدنى يااستاذ ؟ - أيوه أنت من أقصدها ، اسبقينى على الفصل ده دلفت إلى الفصل المشار إليه ، ومازالت بيدها عروستها القماش ، أنتزعها عنوة ، فاصطكت أسنانها من هول الخوف الذى إشتمت رائحته عندما وقعت عيناها على أستاذها وهو يهم بافتراسها ، اقترب منها بوجهه الفظ وأنفاسه الكريهه ، ورغما عنها عادت خطوة بل خطوتين للخلف رعبا ، دارت بها الدنيا ، فمازالت لاتعى من أمرها شيئا ، جذبها بعنف ونزع عنها بنطالها ، هاهو معلم الأجيال ، صار عبدا لشهواته الدنيئة ، لم يرحم ضعفها ودموعها التى تساقطت كالنار تشويها ، ذئب يعيث الفساد فى صرح العلم ، لم تشفع لها صرخاتها المكتومة بعد أن هدّدها بالذبح ، ألم يدر أنه نفذ وعده قبلا وهو يغتالها دون ذنب ، حيوان يقترب من الخمسين عاما، يمكن للطفلة أن تكون بعمر أحفاده ، كيف تحول إلى كائن مات فيه الدين والضمير ؟ كيف حوّل قاعة الدرس إلى وكر للإغتصاب ، من سيعيد للطفلة هدوءها النفسى ، كرامتها التى امتهنها هذا الذئب العفن الذى حلّل لنفسه الفعل الحرام ، إن توقيع أقصى عقوبة لن تشفى غليل المصريين المستائين مما حدث فى صروح العلم ، فالكل يضع نفسه فى ذات الموقف فماذا هم فاعلون ؟ وماذا عن أسرتها التى باتت قصة طفلتها حديث القاصى والدانى فى أرجاء المحروسة ، قيل أن هذا الوحش سبق أن تعرض للتلميذة فاقتصر دور مدير المدرسة على حل الموضوع وديا ، لم ينتفض ليتخذ الإجراءات القانونية فور علمه بأن هذا الوغد قد انحرف بعيدا عن المسارالدينى والتعليمى ، وكانت النتيجة مصيبة ، فيا وزير التعليم رجاء... لتنظر بعين الإعتبار إلى كل الشكاوى والمخالفات التى يرتكبها معدومى الضمير فى حق أبنائك لاتهمل أيا منها، فمعظم النار تأتى من مستصغر الشرر .