تعود بعثة صندوق النقد الدولى إلى القاهرة من جديد لبحث مشاوراتها مع حكومة الدكتور هشام قنديل الأسبوع الحالى وسط حالة من الجدل بين الأوساط السياسية والاقتصادية حول العديد من القضايا المتعلقة بالقرض وشروط صندوق النقد الدولى وماذا يريد من الحكومة المصرية لمنحها القرض وبين مؤيد للاقتراض من الخارج ومعارض له تبدو الكثير من الانقسامات والجدل حول جدوى الحصول على القرض وهل لا توجد بدائل أخرى؟ ومدى ملائمة السياسات وأوضاع الاقتصاد المصرى لقبول روشتات علاج أو توصيات وتعليمات جديدة من مؤسسات التمويل الدولية؟ وهناك أهمية للحصول على القرض فى الوقت الراهن كما أن هناك مخاوف مشروعة من تبعاته وربما هذا الجدل هو السبب فى تأخير المفاوضات النهائية عليه، فبعد أن كنا نسمع بأنه يتم توقيع القرض بصفة نهائية فى ديسمبر لا أحد يعلم متى يتم توقيعه لأن البعثة كان من المفترض أن تنهى عملية التشاور فى وقت سابق ولكن القرض أصبح «حائرا» بين القبول والرفض وحالة الانقسام عليه داخل المجتمع. وكان الدكتور ممتاز السعيد وزير المالية قد أعلن أن بعثة الصندوق سوف تستكمل المشاورات والمحادثات الفنية اللازمة للتوصل إلى اتفاق مبدئى حول البرنامج الاقتصادى والاجتماعى الوطني، تمهيداً للحصول على قرض الصندوق. من جانبه أكد الدكتور مصطفى السعيد وزير الاقتصاد الأسبق أن الكثير من الآراء حول قرض صندوق النقد الدولى منها ما جاء مؤيدا أو مهاجما متأثراً بموقفه السياسى من النظام الحاكم، أو بمفهومه الدينى حول الربا، متجاهلا حقائق المرحلية القاسية التى يمر بها الاقتصاد المصرى فى الوقت الراهن، ومتجاهلاً ما يفرضه التحليل الموضوعى من ضرورة التفرقة بين الاقتراض من المؤسسات والحكومات الأجنبية كمبدأ عام، وبين ما يتعين أن تقبله الحكومة المصرية من شروط هذه القروض وما يتعين رفضه، ومتجاهلاً آراء المدارس الفقهية فى الإسلام التى تفرق بين الربا وعائد الأموال المستخدمة فى الاستثمار، وما تؤكده قواعد المنطق الإسلامى وغير الإسلامى، بأن الضرورات تبيح المحظورات. نقص السيولة وأشار «السعيد» إلى أن الاقتصاد المصرى يواجه فى المرحلة الراهنة نقصاً شديداً فى السيولة النقدية. ويرجع ذلك إلى سياسات عديدة، لعل أهمها العجز المستمر فى الموازنة العامة والذى يزيد وتزداد أعباؤه من سنة إلى أخرى. لقد قدر بحوالى 134 مليار جنيه فى الموازنة العامة 2011/2012 وارتفع فى الموازنة الحالية 2012/2013 ليصل إلى 170 مليار جنيه بزيادة قدرها 46 مليار جنيه عن موازنة العام الماضى 2011/2013 أى بنسبة 26.8%. وهذه الزيادة جاءت بسبب استمرار حالة الانفلات الأمنى وضغوط المطالب الفئوية، وتعطل حركة الإنتاج نتيجة تدنى الاستثمارات، وعدم انضباط عنصر العمل وضعف معدلات إنتاجيته، وانخفاض الائتمان المتاح للقطاعين العام والخاص نتيجة توجيه ودائع البنوك لشراء أذونات الخزانة التى تصدرها الحكومة لسد العجز. ولفت إلى أن الحكومات المصرية قبل الثورة لجأت إلى الاعتماد على الاقتراض الداخلى، خاصة من الجهاز المصرفى لسد عجز الموازنة العامة، وحيث إن تكلفة الاقتراض الخارجى أقل من تكلفة الاقتراض المحلى، فإن هذه الحقائق جميعا تصب لصالح اللجوء من حيث المبدأ إلى الاقتراض الخارجى فى المرحلة الحالية. كما أن الاتفاق مع الصندوق، ولما له من تأثير دولى، هو بمثابة مؤشر قوى على سلامة الاقتصاد وإمكانية تقدمه، مما يؤدى لرفع الجدارة الائتمانية للاقتصاد ويقوى من مركزه التفاوضى مع المؤسسات المالية الأخرى. ولنا أن نتساءل لماذا لا يثور الجدل واسعا عند اقتراض الدولة محلياً بأسعار فائدة عالية أو عند اقتراضها من المؤسسات المصرفية ومؤسسات التمويل المتخصصة الأجنبية، قدر ما يثور عند الاقتراض من صندوق النقد الدولى؟ الاستعانة بالدول الصديقة وأشار «السعيد» إلى أنه إذا كانت هناك من الأسباب الموضوعية التى تدعو إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولى فى المرحلة الحالية، فإن هذا لا يعنى أن نقبل بشروطه أيا كانت، إذ من حقنا أن نتفاوض حول الشروط غير المقبولة التى قد يفرضها، بل ومن حقنا أن نرفضها كما أن من واجبنا عندما نتعاقد مع الصندوق أن نحرص على فتح القنوات الأخرى التى يمكن أن تساعدنا فى التغلب على عجز السيولة النقدية، وفى مقدمتها الدول الصديقة، خاصة الدول العربية الشقيقة التى يتوافر لديها فائض يسمح بذلك، ويا حبذا أن تكون أعباء هذه القروض ميسرة بل وأن تكون منحا أكثر منها قروضا، بل ويا حبذا لو جاءت هذه المساعدات فى صورة مشاركات استثمارية وليس فى صورة قروض. كما أن من الأهمية بمكان أن نحرص على إنفاق حصيلة ما يتم الحصول عليه من قروض لتشغيل الطاقات الإنتاجية العاطلة بل وفى خلق طاقات إنتاجية جديدة، مما يساهم فى تحريك عجلة الإنتاج وإتاحة المزيد من فرص العمل، وأن نتفادى وبقوة استخدامها فى أغراض استهلاكية غير إنتاجية، أو لاكتساب شعبية زائفة حتى يمكن سداد هذه القروض بيسر دون ارهاق. وما نقوله هنا عن أهمية القروض فى الأجل القصير لا يجوز أن ينسينا ضرورة الاهتمام ومن الآن بتنمية مصادر التمويل المحلية. شبهة الربا وقال الدكتور مصطفى السعيد إن من يرفضون الاقتراض من الصندوق بحجة وجود شبه الربا ومخالفة احكام الشريعة، فأنى أحيلهم الى العديد من الدراسات والاجتهادات الفقهية، وفى مقدمتها كتاب الشيخ الجليل د. سيد طنطاوى عن تعاملات البنوك وآراء غيره من كبار علماء الأزهر الشريف وأساتذة الاقتصاد الإسلامى ومنهم د. عبدالفتاح إدريس أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، د. محمود مهنى عضو هيئة كبار العلماء، د. حسن شحاتة أستاذ الاقتصاد الإسلامى بجامعة الأزهر، والتى تجيز حصول البنك على عائد مقابل إقراضه لأموال المودعين لمن يريد تنمية ثروته، ويساهم فى تحريك عجلة الإنتاج فى بلاد المسلمين ويتيح المزيد من فرص العمل، والتى تجيز فى نفس الوقت للمودع بالبنك الحصول على عائد مقابل وديعته. المهم أوجه استخدامه أكد الدكتور محمد موسى عيسى - الخبير المصرفى - أن الصندوق طلب مراجعة حزمة القوانين الخاصة بالضرائب المباشرة وغير المباشرة وترشيد الإنفاق الترفى الحكومى ومراجعة الحوافز والمزايا الممنوحة للمستثمرين فى الماضى لتصبح تحت التحكم والسيطرة، كما طلب الصندوق مراجعة مجموعة القوانين الخاصة بالجمارك والسلع الجمركية، لافتاً إلى أن هذه المطالب ضرورية لمصر وهى مطلوبة وتتفق مع مبادئ الشفافية والحوكمة. وقال إن الصندوق لم يضع شروطا سرية لحصول مصر على القرض وهذا ما أعلنته رئيسة الصندوق كريستين لاجارد غير أن هذه الأشياء تتفق مع كفاءة الاقتصاد المصرى وإمكانية سداد القرض، لافتا إلى أن الشروط المعلنة حتى الآن لقرض الصندوق جيدة وتستهدف عودة ثقة المؤسسات الدولية فى الاقتصاد المصرى وزيادة التعاون معها، فى حركة التجارة الخارجية، وقال: إن هذا القرض لا يؤثر على سعر الصرف للجنيه أمام الدولار كما أنه سيساعد على توفير العملات الأجنبية، ويعطى حافزاً لتدفق الاستثمارات الأجنبية لمصر، وأشار إلى وجود محاذير للقرض تتمثل فى أوجه استخدامه من جانب الحكومة المصرية وهذا هو الأساس، مطالبا حكومة قنديل بالكشف أوجه استخدامها للقرض وهل سيتم استخدامه فى خفض عجز الموازنة أم يتم استثماره؟! مؤكدا ضرورة ألا يتم استهلاكه فى الاحتياجات الاستهلاكية العاجلة وتتحمل الدولة عبء سداده بعد ذلك. وأكد الدكتور عبدالنبى عبدالمطلب - الخبير الاقتصادى - أن مصر فى حاجة ماسة إلى قرض الصندوق من أجل إرسال رسالة إلى العالم بأن الاقتصاد المصرى بخير وقادر على النمو، كما أن مصر عضو مؤسس فى الصندوق ولها كل الحق فى الحصول على كافة أنواع المساندة التى يقدمها الصندوق ومنها الاقتراض. وقال إن اللجوء إلى الاقتراض من الصندوق فى الوقت الحالى يختلف كثيرا عما كان يحدث فى الماضى, لافتا إلى أن الصندوق هو الذى عرض على مصر تقديم المساعدة بعد ثورة يناير قرضاً بقيمة 3 مليارات دولار بفائدة 1.1% ودون أي شروط اقتصادية، إلا ضمان النزاهة والشفافية فى المعاملات الاقتصادية، واتخاذ الإجراءات التى من شأنها تقليل الهدر فى الاقتصاد المصرى والقضاء على الفساد والممارسات غير الاقتصادية، وهذا أمر طبيعي، فبقاء الاقتصاد المصرى قوياً ومتماسكاً يصب فى مصلحة النظام الاقتصادى العالمى ككل. غير أن المجلس العسكرى رفض, مؤكدا أنه اتخذ هذا الموقف نتيجة تأثير بعض القيادات الحكومية المحسوبة على نظام مبارك وقلة خبرته الاقتصادية.