بينما يرى المفكر الإسباني أورتيجا إي جاسيت أن الترجمة ما هي إلا رحلة تحترم اللغة والثقافة اللتين يترجم منهما، ورأى جورج شتينر :" إن الإنسان يسلم نفسه للترجمة، بكل ما يعني اللفظ تماماً، في كل مرة يتلقى فيها رسالة شفاهية ". كانت الترجمة في يقين الراحل دكتور سليمان العطار "عنصرا من عناصر صنع الحضارة العربية الحديثة، فالأمة التي لا تترجم تموت" . وهو ما أكده في حوار صحفي سابق له. نظرة ثاقبة وعاشقة وحكيمة في آن واحد، وهو ما لا يستبعد عن مترجم "مائة عام من العزلة"، تلك الرواية التي أضاءت في وعينا قنديل الواقعية السحرية زمناً ليس بالقليل بعدها. جاءت ترجماته لتؤكد أننا بصدد مترجم وأديب معا ، يحمل بين مداد قلمه شغفا بل وإبداعا يسبق الحرف المترجم، وليس مجرد ناقل نص من لغة لأخرى ، فتراه يقول في مقدمة ترجمته ل" مائة عام من العزلة" لجابرييل جارسيا ماركيز : " لقد قمت بترجمة هذا العمل الروائي الفذ منذ سنوات طويلة "1979 - 1980"، وأذكر كيف أسرتني هذه الرواية بشكل فريد، إذ لم يحدث لي أن شعرت بهذه المشاعر المكثفة والتي تضيء بداخلي إلى حد الإحساس باحتراق كثير من الأعمال القصصية والشعرية السابقة عليها مثل زيت يمد تلك المشاعر بالوقود لتزداد كثافة و"انضياء". وقد أنهى " العطار" ترجمة "مائة عام من العزلة" قبل أن يحصل مؤلفها على جائزة نوبل في الآداب عام 1982، إبان عمل المترجم كمستشار ثقافي لجمهورية مصر العربية لدى مملكة إسبانيا. ودكتور سليمان العطار الذي وافته المنية في الثالث عشر من مارس الجاري ، عن عمر يناهز 75 عاما، يعد أحد أعلام الدراسات العربية والأندلسية فى العالم العربى، فقد تتلمذ على يد أعلام هذا التخصص الكبار أمثال عبد الحميد يونس وعبد العزيز الأهوانى ومحمود على مكى. وترك العطار إنتاجا أكاديميا مميزا يجمع بين دراسات الأدب المقارن ودراسات الأدب الشعبي والفلكور والتصوف والأدب الجاهلي، ومن بين أبرز مؤلفاته: " الخيال عند ابن عربي"، و"مقدمة في تاريخ الأدب العربي: دراسة في بنية العقل العربي" و"مقدمة منهجية لدراسة الأدب العربي" والموتيف في الأدب الشعبي والفردي "نحو منهجية جديدة". إلا أنه اشتهر بترجماته ولمع نجمه عبر ترجمته رواية الحائز على نوبل الإسباني خوسيه ثيلا "خلية النحل" عام 1989، وتفرغ سنوات حتى أنهى ترجمة رواية "دون كيشوت" للشاعر الإسباني سربانتيس ،وذلك بعد نجاح ترجمته لرواية "مائة عام من العزلة".