تقترن العقوبات بالسجن بقضايا تتعلق بالسرقة والنصب وخلافه، لكن الغريب والمُثير هنا، الحكم على المخرج الإيرانى محمد رسولوف بالسجن المُشددّ لدفاعه عن حقوق الإنسان والحريات فى أفلامه التى تكشف قسوة النظام الإيرانى وممارساته بحق مواطنيه. وهنا يأتى تساؤل: هل رسولوف أذنب عندما قرر أن يبوح ويتحدث عن الظلم ومساوئ النظام الإيراني؟ هل المجتمع تغير للحد الذى بات فيه المجنى عليه مذنباً والجانى مظلوماً؟ أسئلة قد تتجاوز حدود الثقافة والإبداع لتتعداها إلى طرح التساؤل عن مفهوم الوصاية السينمائية. القصة بدأت عندما قرر المخرج الإيرانى رسولوف، أن يصنع سينما خاصة مهمومة بمشاكل مجتمعه، تعبر عن أحلامهم وآمالهم ومنغصاتهم وآلامهم، دون وضع خطوط حمراء لقصص أفلامه، لإيمانه بحرية الفكر والإبداع التى يجب أن تتسم بها السينما بشكل خاص، والفنون بشكل عام، وتغزو فى الوقت نفسه المهرجانات السينمائية الكبرى وتحصد عشرات الجوائز، فكان يطرح أفكاره المنبثقة من الواقع، ويتناول قضايا شائكة من المتوقع أن تثير جدلاً كبيراً. عانى رسولوف من التعنت من قبل السلطات الإيرانية، عندما قرر أن يكشف الوجه الأخر للحكومة الإيرانية التى لا يسمع عنها الكثير، من خلال أفلامه. بدأ العداء بين رسولوف والنظام الإيرانى منذ عام 2009، حينما اُتهم بالتواطؤ ضد الأمن القومى والدعاية ضد النظام الإيرانى، وعلى أثر ذلك قضت محكمة إيرانية بسجنه لمدة 6 سنوات، قبل أن يتم تخفيض الحكم إلى عام واحد فقط. فى الوقت الذى كان يتنافس فيه المهرجان الفرنسى «كان السينمائي» مع أقرانه من المهرجانات الأخرى فى الحصول على أفلام رسولوف، فرضت السلطات الإيرانية حظراً على أفلامه فى دور العرض السينمائية، وأوقفته عن مزاولة المهنة، لأنهم كانوا يرون أن أفلامه ضد نظامهم وسياستهم. لكن رسولوف كان يعمل سراً رغم أنفهم، وفى عام 2011 صنع فيلماً بعنوان «إلى اللقاء»، الذى فاز حينها بإحدى جوائز كان الفرنسى ، يروى فيه قصة محامية من طهران تسعى للحصول على تأشيرة دخول، لمغادرة بلادها. والفيلم قد صور فى ظروف شبه سرية. لم يسلم رسولوف من السلطات الإيرانية التى وجهت له تهماً عديدة، لكنه لا يستسلم، وصنع فيلماً جريئاً تحدى فيه جميع الخطوط الحمراء، فى سابقة يندر وجود مثيل لها فى بلد مغلق مثل إيران، تحت عنوان «رجل نزيه» تناول فيه قضية فساد النظام، فى طرح كلّفه رقابة وإقامة جبرية وسجنا. الفيلم يدور حول رضا، وهو رجل يعيش حياة بسيطة، قبل أن يقرر محاربة الفساد فى شركة خاصة، كانت تجبر سكان بلدة إيرانية على بيع ممتلكاتهم. فيلم غاضب من واقع ينوء فى بركة فساد، ويجبر الناس إما على الانخراط فيه أو التحول إلى عدو للفاسدين، أى للنظام، وهذا ما تجلى من خلال شخصية رضا بطل الفيلم الذى اصطحب زوجته هاديس وطفلهما من المدينة إلى الريف. وهناك، كان يمكن أن تسير حياته بلا تعقيدات، لولا وجود شركة خاصة، كانت لديها علاقات وثيقة مع السلطات المحلية ورجال دين، وتتساوى جرأة الفيلم مع فيلم سابق له عرض فى التظاهرة ذاتها فى «كان» بعدما استطاع تهريب نسخه من الداخل الإيرانى، يومها تسبب الفيلم وعنوانه «المخطوط لا يحترق» بوضعه فى السجن. حتى الآن، ما زال يسدد رسولوف ثمن جرأته، وتجاوزه الخطوط الحمراء، وقرار خروجه عن جلباب الطاعة، وفضح فساد بلده بطريقة سافرة حسبما ترى السلطات الإيرانية. فقد تم حرمانه من الذهاب إلى ألمانيا، بسبب مواجهته لعقوبة السجن مع إيقافه عن صناعة الأفلام من قبل الحكومة الإيرانية، للاحتفاء بفيلمه الجديد الذى يحمل عنوان There is no Evil، فى مهرجان برلين السينمائى فى نسخته السبعين المنصرمة، الذى حصد «الدب الذهبي» وهى أرفع جائزة فى المهرجان، وتسلمت الجائزة نيابة عنه ابنته باران. والفيلم يدور حول أربع قصص شبه منفصلة، الخط الفاصل الذى يربط بينهما عقوبة الإعدام فى إيران. الذى يطرحها بشكل مغاير عن الطرح التى قدمتها أفلام سينمائية مشابهة، ففى فيلمه لم يقدم تأثير عقوبة الإعدام على المُعدم، وإنما كيف يحيا من ينفذ عقوبة الإعدام؟