90 مليون طن مخلفات تلقى فى الشوارع سنوياً 80٪ منها لا يتم التخلص منها بشكل آمن مفاجأة: الصين طلبت شراء قمامة المصريين ب5 مليارات دولار! المركز القومى للبحوث الاجتماعية: القمامة ثروة قومية يرتعد العالم خوفا من «كورونا»، وفى زمن الأوبئة تصبح النظافة مسألة حياة أو موت، فالقمامة تتحول من مجرد تلال ذات روائح كريهة تسكنها القوارض الى بؤر لنشر الأمراض من كل شكل ولون. والكارثة أن 20٪ فقط من قمامة المصريين يتم التخلص منها بشكل آمن حسب تأكيدات الخبراء وهو ما يعنى ان 80٪ من القمامة غير آمنة، وهو ما يلقى بمسئولية كبيرة على جميع الجهات المسئولة عن ملف النظافة فى مصر بدءا من المواطن الذى يتخلص من قمامة منزله بإلقائها فى الشارع أو فى المجارى المائية، وحتى وزيرى التنمية المحلية والبيئة مرورا بالنباشين والزبالين ورؤساء الأحياء والمدن والأجهزة المحلية فى كل ربوع مصر. قضية النظافة فى مصر ترتبط أيضا بقضية منسية رغم خطورتها وهى دورات المياه العمومية، والتى لا يوجد منها فى القاهرة كلها سوى 44 حماما وهو ما يعنى ان العاصمة تضم حماما عموميا واحدا لكل 230 الف مواطن. روائح كريهة تنبعث من تلال القمامة المُنتشرة.. المارة يضعون المناديل على أنوفهم لتجنب الروائح التى تصيبهم بالغثيان أما مُستقلو السيارات والتكاتك فيلقون بالقمامة على ذات التلال ويسرعون فى مغادرة المكان! مشاهد أصبحت سمة غالبة فى كثير من المناطق الشعبية، وامتدت أيضاً للعديد من المناطق الراقية، الأمر الذى يدق ناقوس الخطر منذرة بالمخاطر التى تحاصر الأهالى سواء انتشار الأمراض والأوبئة والكلاب الضالة والقواض فضلا عن الروائح الكريهة. فى بولاق الدكرور بالجيزة، وبالتحديد شارع أحمد الخطيب، المتفرع من شارع ترعة المجنونة لم تتوقف الكوارث على المشاهد السابقة فقط، فعلى ناصية الشارع أسطبل ومرتع للحمير والخيول والكلاب الضالة التى تهدد كل من يمر فى الشارع ولهذا أطلق الأهالى على شارع أحمد الخطيب اسم شارع الزريبة، لما يتواجد فيه من تلال قمامة وحيوانات ضالة، والغريب ان الشارع لا يوجد به صندوق قمامة واحد وهو نفس حال شارع «ترعة المجنونة» الذى يمتد من بولاق الدكرور مرورًا بأرض اللواء حتى دائرى المعتمدية، وأكد الأهالى ل«الوفد» انهم طلبوا كثيرا من المحليات توفير صناديق القمامة سواء الحديدية أو البلاستكية لوضع القمامة لحين وصول سيارة القمامة التابعة لهيئة النظافة بالمجلس المحلى والذى يزيل القمامة مرة واحدة يوميًا فى فترة الصباح، وفى بعض الأحيان يأتى كل ثلاثة أيام ما يزيد الأمر على الأهالى صعوبة فى التنفس وسط تلال القمامة المنتشرة. عندما يصبح صندوق القمامة.. حلما! «والله احنا عايشين عيشة ما يعلم بيها إلا ربنا».. هكذا استهل محمود عبدالمجيد، طبيب صيدلى وأحد سكان بولاق الدكرور حديثه، مؤكدا ان ظاهرة القمامة أصبحت لا تطاق وسط أهالى بولاق الدكرور وأرض اللواء. وأشار الصيدلى إلى أن القمامة المتواجدة على ناصية شارع الخطيب، تبعد عنه 150 مترا وبالرغم من ذلك رائحتها تصل للصيدلية ما أضر حركة البيع والشراء للصيدلية، وتابع: «كانت فيه صيدلية أمام شارع الخطيب وقفلت بسبب القمامة والأهالى مش عارفين يعملوا حاجة». وطالب الدكتور محمود، بوجود صناديق قمامة على ناصية شارع الخطيب لتحل أزمة الأهالي، فضلاً عن ضرورة توفير صندوق لكل 100 متر حتى يستطيع الأهالى ترك مخالفاتهم بطريقة حضارية بدلاً من إلقائها بتلك الصورة. وعن دور المجلس المحلى فى إزالة القمامة من الشوارع، قال أحمد عباس، إن سيارة القمامة ترفع جزءا بسيطا من القمامة المتواجدة على ناصية الشارع الذى أصبح مرتعاً للمارة والجميع يلقون فيه القمامة بعيدًا عن أعين المسئولين، وقد تتأخر السيارة وتأتى كل ثلاثة أيام لتصبح المنطقة أشبه بالزريبة. وقالت شادية محمود، إنها تتعرض يوميًا لمطاردة الكلاب الضالة التى تأتى من كل مكان للبحث عن طعامها داخل تلال القمامة المتواجدة على ناصية الشارع، فضلاً عن الرائحة الكريهة التى لا يستطعون مقاومتها إلا من خلال وضع الكمامة على أنوفهم، وكثير منهم يتعرض للغثيان والقيء فور استنشاق الرائحة. وتابعت: «كل المقيمين داخل الشارع من عائلات كبيرة وطبقة متوسطة وغالبيتهم يملكون سيارات.. وبالرغم من ذلك أطلق على الشارع الزريبة بسبب ما يتواجد على ناصيته من اسطبل للحمير والأحصنة. ومن بولاق لأرض اللواء، قبل أمتار من دائرى المعتمدية، وبالقرب من إحدى المدارس نجد تلالا من القمامة المنتشرة التى تعوق حركة سير المواطنين والسيارات فضلاَ عن الرائحة الكريهة التى تنبعث وتعرض المارة لنوع من الغثيان. ومن أرض اللواء إلى شبرا مصر، حيث القمامة تحاصر المنازل، والتقت «الوفد» عددا من الأهالي، وقال أحدهم إن من السلوكيات التى أصبحت شائعة فى المناطق الشعبية إلقاء القمامة أسفل المنازل وبمجرد وجود كيس «زبالة» واحد يقوم المارة بإلقاء غيره عليها لتكون تلالا خلال ساعات قليلة. وقالت سعاد السيد، إنها اعتادت حمل كيس «الزبالة» لمسافات بعيدة حتى تجد صندوق قمامة، ولكن تلك العادة تسيء إليها خاصة أنها تعمل فى وظيفة حكومية مرموقة وحمل القمامة لمسافات بعيدة تجعل رائحتها غير آدمية، وتابعت: «كل يوم بنزل بكيس الزبالة فى ايد والإيد التانية معايا البرفان علشان اتغلب على الرائحة الكريهة بعد إلقاء الكيس». واستكملت «الوفد» جولتها لتصل إلى المرج الجديدة ومنشية البكري.. الصورة واحدة.. إذ تتزايد بوجود تلال القمامة على جانبى الطرق وأسفل الكباري، يقوم المارة من مستقلى عربات الكارو بإلقاء القمامة على جانبى الطريق ما يفوح منه روائح تشمئز منها الأنوف. وفى مدينة الخانكة التابعة لمحافظة القليوبية، تجد الإهمال والتسيب عنوانا، حيث انتشار القمامة فى الشوارع، وتقدم عدد كبير من المواطنين بمئات الشكاوى لوزارة التنمية المحلية بسبب انتشار القمامة فى محيط المدارس، فضلاً عن تدنى مستوى الشوارع ونظافتها، الأمر الذى دفع اللواء محمود شعراوى وزير التنمية المحلية لإجراء جولة مفاجئة ورصد على الطبيعة الصورة كاملة وتحقق من صحة الشكاوي، وعلى الفور أحال عددا من المسئولين بمجلس مدينة الخانكة للتحقيق بمعرفة النيابة الإدارية. وفى بعض شوارع مصر الجديدة والمهندسين لن يختلف الأمر كثيرًا فالقمامة تتراكم تحت الكباري، وأسفل المبانى السكنية. «مش عارفين نشوف شغلنا» وأكد شحاتة المقدس، نقيب الزبالين، أن هيئة النظافة بمحافظة الجيزة، تعرقل حركة عملهم فى تنظيف شوارع المحافظة وكشف نقيب الزبالين تفاصيل حول فرض الهيئة غرامة 10 آلاف جنيه على أى سيارة تابعة للنقابة تقوم بمهام عملها فى محافظة الجيزة، بحجة عدم حصولها على تصريح من المحافظة، مشيرًا إلى أنه كثيرًا ما يستنجد به المواطنون لإزالة القمامة فى الشوارع مثلما حدث فى أرض اللواء خاصة أهالى شارع أحمد الخطيب والشهير بالمنطقة ب«شارع الزريبة» لما يتكدس أمامه من تلال القمامة، وشارع 10 بأرض اللواء الكائن أمام شارع الشهداء. وأشار نقيب الزبالين إلى أنه تم التعاقد مؤخرًا مع شركة بالجيزة، بهدف تنظيف شوارع محافظة القاهرةوالجيزة دون وضع صناديق القمامة عن طريق 3 ورديات عمل، يقوم من خلالها العمال بتنظيف الشوارع أولاً بأول، وبدأت ب3 أحياء من ميدان الجيزة وحتى آخر المنيب، وهناك مرحلة أخرى للوراق وإمبابة وغيرها من المراحل التى تنهى على الأزمة فى المناطق الشعبية. وقال: فئة «الناكشين» هم أعداء الزبالين فهم يقومون بالنكش فى القمامة وبعثرتها، لافتًا إلى وجود أماكن مخصصة للمواد الصلبة بعدة مناطق تخدم القاهرة الكبرى وهى «منشية ناصر، الخصوص، طرة، المقطم، المحور». يوجد 93 ألف زبال مقيد ومشترك فى النقابة التابعة للنقابة العامة للعاملين بالنظافة وتحسين البيئة والتى تتبع اتحاد العمال، مضيفًا أنه يتم رفع 16 ألف طن من القمامة يوميًا فى القاهرة الكبرى، منها 8 آلاف طن من المواد الصلبة يتم إعادة تدويرها مرة أخرى، 6 آلاف طن مواد رخوة «بواقى الطعام»، و200 طن غير قابلة للتدوير تذهب غذاء للخنازير. قمامة مصر الأغنى عالميا والمفاجأة ان القمامة التى تحولت الى كارثة فى اغلب الشوارع تمثل ثروة قومية بحسب دراسة المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية له، أن قمامة مصر تعد الأغنى فى العالم من حيث المواد العضوية وأن الطن منها يحقق عائدًا يصل ل6 آلاف جنيه، وأشار المركز إلى أن هذه الكميات من القمامة تحتوى على مواد عضوية وصلبة يمكن أن توفر لمصر 9 ملايين طن من السماد العضوى عن طريق تدويرها. وأكدت الدراسة أنه يمكن الاستفادة بالقمامة فى صناعة أعلاف الماشية وهو ما يعنى «وفق التحليل الرقمي» تحقيق عائد قدره مليار جنيه وتشغيل 250 ألف شاب ورفع المستوى الصحى فضلا عن تجنب أمراض خطيرة. قال محمد إسماعيل، عضو مجلس النواب عن دائرة بولاق الدكرور بالجيزة، إن انتشار القمامة بهذه الصورة خلال الشهور الأخيرة مسئولية المجالس المحلية فى المقام الأول ورؤساء الأحياء. وأشار عضو مجلس النواب فى تصريح ل«الوفد» إلى ضرورة توفير صناديق القمامة سواء الحديدية أو البلاستيك التابع للمجالس المحلية فى منطقتى بولاق الدكرور وأرض اللواء تابع لحى العجوزة، مؤكدا ان انتشار القمامة يشكل مظهرا غير لائق حضاريًا كما يتسبب فى التلوث البصرى وانتشار الأمراض بين الأهالي. وشدد «إسماعيل» على ضرورة تكاتف الأهالى مع الحكومة فى الكشف عن السلوكيات غير الحضارية، حيث يقوم الأهالى برمى القمامة فى الشوارع. وتابع: شارع أحمد الخطيب بأرض اللواء أصبح مرتعًا للقمامة ما تسبب فى الحاق الضرر للأهالى سواء صحيًا أو نفسيًا، والأمر لن يتوقف على هذا الشارع فقط لكنه نموذج للعديد من الشوارع فى الأحياء الشعبية. أزمة لها حل قال خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي، إنه وفقًا لأحدث تقارير حالة البيئة فى مصر، تنتج مصر سنويًا نحو 90 مليون طن من المخلَّفات الصلبة، تبلغ حصة المخلَّفات البلدية منها حوالى 22 مليون طن سنويًا، بمعدل 59 ألف طن يوميًا من المخلفات البلدية الصلبة. وأضاف: يتولد نحو 47% من كمية المخلفات البلدية عن 4 محافظات فقط هي: القاهرة، والجيزة، والقليوبية، والإسكندرية، فى حين تنتج محافظات الدلتا السبع مجتمعةً 37٪ من إجمالى كمية المخلفات، وتنتج باقى المحافظات 16٪ من جملة المخلفات البلدية الصلبة. وتابع: لا يزيد التخلُّص الآمن من هذه القمامة على 20%، والبقية لا يجرى تدوير أكثر من 15% منها، فى تظل نسبة 85% الباقية فى المقالب العشوائية المنتشرة. وبحسب ما أكده د. الشافعى الخبير الاقتصادى إن تعدد الجهات المسئولة عن ملف القمامة، كان السبب وراء فشل تلك التجربة، وفتح الباب لانتشار "النباشين"، إذ تتوزع المسئولية على وزارات التنمية المحلية والبيئة والكهرباء، علاوة على المحافظات ورؤساء الأحياء. قال الخبير الاقتصادي، إن أولى طرق حل أزمة القمامة تكمن فى إنشاء كيان مستقل عن كل الوزارات تكون وظيفته النظافة، تتولى تلك المنظومة، وتعمل على تطوير وزيادة عدد مصانع تدوير القمامة، تغليظ العقوبات على القاء القمامة فى الشوارع، واستحداث منظومة فى كل حى بحيث يكون ابناء الحى هم المسئولين عن جمع القمامة من البيوت ويتم توظيفهم من خلال عمل شركات صغيرة بشروط ميسرة.. وتتولى تلك الشركات الصغيرة نظافة الحى بالكامل، والتعاون مع نقابة "الزبالين" فهى تمتلك القدرة على التعامل مع المخلفات بالقاهرةوالمحافظات، ولديها أسطول يبلغ 30 ألف عربة نظافة و8300 مصنع صغير لإعادة تدوير المخلفات. وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أن من ضمن الحلول إنشاء منظومة جيدة يمكن أن نستفيد من المخلفات من خلال معالجة 60% منها بالطرق الميكانيكية وتصنيع السماد والوقود البديل، ومعالجة جزء من المخلفات حراريًا لإنتاج الوقود الكهربائي، ويمكن دفن الأجزاء غير القابلة للتدوير فى مدافن صحية، غير ضارة بالبيئة. من ضمن الحلول أيضا التى تزيد من دخل مصر، قال «الشافعي» تدوير القمامة يسمح بتوفير حوالى 250 ألف فرصة عمل سنويًا، مشيرا إلى أن قيمة طن القمامة تصل إلى 6 آلاف جنيه فى حالة الاستفادة منه فى عمليات التدوير أو تصديره للخارج. وتابع: الصين تقيم قيمة القمامة المصرية ب 5 مليارات دولار سنويًا من الممكن أن تدخل خزانة الدولة مباشرة ، مؤكدا أن القمامة المصرية من أغنى أنواع القمامة العالمية بشهادة العديد من الجهات العالمية، حيث إنها مليئة بالمواد العضوية بسبب إلقاء المصريين ما يزيد على 30% من بقايا الغذاء فى صناديق القمامة، ما سيساهم فى انتاج 14 مليون طن من الأسمدة العضوية الكافية لزراعة 2 مليون فدان جديد على سبيل المثال. وأشار الخبير الاقتصادى إلى أن القمامة تساهم فى إنتاج 3 ملايين طن ورق وإنتاج أعلاف الماشية التى نستورد اغلبها من الخارج وتابع: المخلفات العضوية والصلبة يمكن استخدامها فى تصنيع البلاستيك وفى تصنيع الأجهزة الكهربائية، كما أن الاستثمار فى تدوير القمامة يخفض المبالغ التى تتحملها الدولة لعلاج الفئات غير القادرة والتى تصل إلى ما يزيد على 900 مليون جنيه من جراء انتشار الأمراض الوبائية فى مصر.