وجود الأحزاب مناقض للإسلام ويؤدى لانقسام الأمة استخدام القوة للوصول للحكم مشروع ولكنه مقيد بنتائجه الولاء أو العداء.. معيار الجماعة للحكم على المجتمع ومؤسساته الأندلس وصقلية وجنوب إيطاليا مستعمرات إسلامية يجب أن تعود الرؤية الشمولية والإقصائية أحد معوقات بناء الدولة الوطنية من لا يؤمن بتعاليمنا خصم للإسلام وجاهل به ودعاة القومية أعداء الإنسان الأنظمة الحكومية والأحزاب السياسية بدع أهل الكفر منهج التربية لدى الإخوان يؤسس لتكفير المجتمع واستخدام العنف الجماعة قادت انقلابًا للاستيلاء على السلطة وأخونة المؤسسات تناولنا فى الحلقة السابقة مفاهيم الدولة الوطنية الحديثة وعلاقتها بالسلطة وسند شرعيتها المستمد من إرادة مواطنيها، فى إطار عقد اجتماعى وهو الدستور الذى يشكل طبيعة العلاقة التبادلية بين الحاكم والمحكومين ويحدد الحقوق والواجبات لكل منهما، وعرضنا لأهم الإشكاليات التى تواجه هذه الدولة الآن، وأهمها هيمنة حركات الإسلام السياسى على ثورات الربيع العربى، وما نتج عن ذلك من صراعات وحروب أهلية أدت لتفكك هذه الدول، بالإضافة إلى تعاظم انتشار الطائفية بأشكالها المتنوعة، وانتهينا إلى انه لا يمكن فصل مفهوم هذه الدولة عن الارتباط بمفهوم الحداثة كى لا نعيد إنتاج نمط الدولة المستبدة أو الدينية، ولا نكرر ما أسفرت عنه التجربة النازية والفاشية فى ألمانياوإيطاليا. وفى هذا السياق نعرض اليوم لإشكالية التجربة المصرية وسعيها لإعادة بناء دولة وطنية حديثة فى أعقاب ثورتى 25 يناير و30 يونيو، والدروس المستفادة منها كى لا نعيد تكرار أخطائها مستقبلا، والواقع أن إعادة تأسيس الدولة المصرية فى العصر الحديث ترجع بداياتها إلى عهد محمد على، حيث شهدت مصر نقلة حضارية كبيرة بإعادة توحيد أقاليمها، والتأسيس لقيم المواطنة، ونشر التعليم، وإقامة جيش قوى، وإنشاء الصناعات الحديثة، حتى مثلت مصر بتجربتها كما يقال « مركز إشعاع أمد الشرق كله بأنوار العصر الحديث »، ولكن التجربة كما هو معروف لم تكتمل بسبب أطماع الدول الاستعمارية وتآمرها عليها وانتهت بالاحتلال الإنجليزى. ومنذ هذا الوقت شهد مفهوم الدولة فى الواقع السياسى والاجتماعى لمصر انعطافات حادة ومتقلبة، بداية من إرهاصات بناء حركة التحرر الوطنى ممثلة فى الحزب الوطنى القديم بقيادة مصطفى كامل ومن بعده محمد فريد، وتبنى الحزب لمفهوم التحرر فى إطار ما يسمى بالجامعة الإسلامية تحت ظل الارتباط والولاء للخلافة العثمانية، والغياب التام لمفهوم الاستقلال بمعناه الوطنى، ومفهوم الدولة بمعناه الحداثى. ثم جاءت الموجة الكبرى لحركة التحرر الوطنى باندلاع ثورة 1919 بزعامة سعد زغلول، وإنشاء حزب الوفد بقيادة «سعد» ومن بعده مصطفى النحاس، وتبنى الوفد مفهوم التحرر فى إطار مفهوم جديد هو الاستقلال الوطنى تحت مظلة الدولة الوطنية المصرية، حيث حمل شعار الثورة « الدين لله والوطن للجميع »، ترسيخا لفكرة الوطن المستقل، وتعبيرا خالصا عن مفهوم المواطنة فى دولة الحداثة باعتبارها مناط الحقوق والواجبات، وتبلور ذلك فى إلغاء الحماية البريطانية، والاعتراف باستقلال مصر، وصدور دستور 1923، لتشهد مصر ميلاد دولة وطنية ملكية دستورية، وبداية عصر جديد للنهضة الفكرية والاقتصادية والاجتماعية، يغلفها صراع سياسى طويل بين قيم الاستقلال والحرية والديمقراطية من جهة، والممارسات الأوتوقراطية والفاشية من جهة أخرى. وبقيام ثورة 23 يوليو 1952، وإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية، بدأت مصر عصرًا جديدًا فى إطار مفهوم الدولة القومية العروبية، والتى توجت بالوحدة مع سوريا لتتحول مصر إلى الجمهورية العربية المتحدة. وعلى مسار آخر شهدت مصر منذ ثورة 1919، وحتى ثورة 30 يونيو 2013، وجودا قويا لحركات الإسلام السياسى، بنشأة جماعة الإخوان فى 1928، كحركة دينية سياسية على يد حسن البنا، استهدفت العمل على إقامة الدولة الإسلامية العابرة الحدود، والقافزة للأطر الوطنية والقومية لمفهوم الدولة، والتى تحولت إلى حركة قابضة على كل مفاصل السلطة فى مصر بعد أن قفزت على ثورة 25 يناير 2011 ووصلت للحكم. وفى الواقع يمكننا الآن أن نفهم لماذا حدث ما حدث من جماعة الإخوان فى أعقاب قيام ثورة 25 يناير وحتى ثورة 30 يونيو، وما يحدث وما سيحدث، فالمنهج واضح والآليات معروفة، لم تسقط جماعة الإخوان بسبب فشل فى الأداء السياسى أو الاقتصادى أو العجز عن تحقيق برنامج انتخابى، بل فشلت لأن منهجها أدى إلى تقسيم أبناء الوطن، ودفع البلاد لما أوشك أن يكون اقتتالًا داخليًا، وهو ما وصفه «بوتين» قائلا: «تشهد سوريا للأسف حربا أهلية ومصر تتجه على الطريق نفسه». فلقد سارعت الجماعة إلى تطبيق منهج «البنا» حرفيا، واستغلت ضعف البنى التنظيمية للأحزاب والقوى السياسية بعد الثورة، واستولت وحلفاؤها على الغالبية العظمى لمقاعد مجلسى الشعب والشورى، ثم جاءت الانتخابات الرئاسية، وتراجعت جماعة الإخوان عن تعهداتها للشعب المصرى، والتى أعلنتها فى أعقاب تنحى مبارك بعدم خوض أول انتخابات رئاسية تالية للثورة، وهيمنت على تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، وتجاهلت الفارق الجوهرى بين الحصول على أغلبية برلمانية فى المجالس النيابية، تعرض نفسها على الناخبين فى كل انتخابات بشكل دورى، وبين اختيار جمعية تأسيسية ينحصر دورها فى وضع مشروع دستور لكافة أبناء الوطن يعكس قيم المجتمع وثوابته، ولا يعبر فقط عن مشروع الجماعة للحكم. فالجماعة واصلت طريقها نحو تنفيذ مشروعها للهيمنة على كافة مؤسسات الدولة «لإعادة بنائها وفق خلفيتها أو مرجعيتها بمنأى عن أية شراكة وطنية»، بغض النظر عن المصالح القومية للبلاد فى إطار ما سمى «أخونة الدولة وأسلمة المجتمع»، متجاهلة طبيعة تركيبة المجتمع وتنوعها. واستكمالا لمشروعها أصدر مرسى إعلانا دستوريا، قادت فيه جماعة الاخوان انقلابا حقيقيا للاستيلاء على السلطة ومؤسسات الدولة، تضمن التأسيس لما وصفه بالشرعية الجديدة، وعصف فيه بكل مكونات الدولة وقواعد الديمقراطية، ليقيم بذلك نظاما استبداديا سلطويا، ينفرد فيه بالجمع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ومنتهكا استقلال السلطة القضائية، وإذا كان مفهوم الدولة الحديثة يقوم طبقا لتوافق فقهاء القانون الدستورى على عدة مبادئ هى الفصل بين السلطات والاعتراف بالحقوق الفردية ووجود دستور وسيادة القانون والرقابة القضائية، فقد أهدر هذا الإعلان تماما مفهوم الدولة وهدم أساسها ومبادئها الحديثة، فباتت مصر أسيرة لدى تنظيم الاخوان. ومررت دستورًا مطعونًا فى شرعيته، وكما يقول الدكتور «صبرى السنوسى» إنه جاء فقط وفقا لرغبة النظام الحاكم وانه « من المؤسف حقا أن يتم وضع دستور مصر بعد ثورة 25 يناير والتى كان من أبرز شعاراتها الحرية بهذه الطريقة التى منعت القضاء، وعلى رأسه القضاء الدستورى والإدارى بل والمواطنين من التعرض لكل ما يصدر من رئيس الجمهورية، فيما سمى بالإعلان الدستورى الصادر فى 21 نوفمبر2012... ولا شك إن إصدار الدستور فى مثل هذه الظروف يلقى بظلال الشك حول الهدف من إصدار الدستور بهذا الشكل، فى حين أنه كان من المفترض أن يصدر هذا الدستور بصورة أكثر تعبيرا عن الديمقراطية.. ولا شك أن كل هذه الظروف والملابسات لا تعكس فى الواقع بناء ديمقراطيا سليما يؤدى فى النهاية إلى الاستقرار، بل إلى العكس من ذلك... وأيضا الإصرار على صياغة دستور بطريقة واضحة فى الانحراف التشريعى الدستورى الذى شهدته مصر ولأول مرة، حيث حرص الرئيس ونظامه على تضمين الدستور نصوصا تحمى نظامه، وتكرس الحكم له وحده، وضح ذلك عندما تضمن الدستور نصوصا تبقى على مجلس شورى باطل فى تكوينه من الأساس لعدم دستورية نفس القانون الذى تسبب فى صدور حكم ببطلان تكوين مجلس الشعب، ومع هذا يصر الرئيس ونظامه وجمعيته التأسيسية على تحصينه، بل وتولية التشريع ليمهد لاستقرار نظام حكمه، لكن إرادة الله فوق إرادة الجميع». ورغم الفترة الصغيرة التى قضتها جماعة الاخوان فى السلطة والتى لم تتجاوز العام، بسبب الثورة الشعبية ضدها فى 30 يونيو،إلا أن مفهوم دولة الحداثة المصرية بتنويعاته المختلفة سواء فى نموذج دولة محمد على، أو نموذج الدولة الوطنية فى الحقبة الليبرالية قبل 52، أو نموذج الدولة القومية فى الحقبة الناصرية بعد 52، قد تعرض للتآكل الشديد وبات معرضا للسقوط والتلاشى، ليس فقط لأن مشروع الإخوان يعتبر مصر ولاية أو حلقة فى سلسلة الدولة الإسلامية التي يسعى التنظيم الدولى للجماعة لإقامتها، وإنما الأخطر أن أنساق وقيم ، والتسامح ونبذ العنف وسلمية العمل السياسى، والتى تبنتها الجماعة منذ أن أعادها «السادات» للوجود من جديد وأخرج قياداتها وأعضاءها من السجون، هذه الأطروحات كانت تسعى قدر الإمكان لتقديم تفسيرات وتأويلات مخففة للمنهج الراديكالى لمؤسس الجماعة حسن البنا، والذى يعتبر فى الحقيقة الإطار الفكرى والايديولوجى الثابت للجماعة، والتى يقسم أفرادها على الإيمان به والطاعة له والعمل من أجله. لذا فإن مراجعات التقية والمماطلة التى أنكرت فى الممارسة، وثوب الحداثة الذى خلعته الجماعة عند وصولها لمرحلة التمكين، هى جزء أساسى من استراتيجية الجماعة منذ نشأتها، والتى طبقتها لحظة أن واتتها الظروف ومنحتها فرصة القفز على السلطة، وهو ما أشار إليه «البنا» بقوله «وإن كانت ظروفنا فى الماضى كدعوة ناشئة تدعونا إلى المجاملة والمداراة، فإن ظروفنا الآن وقد أعز الله الدعوة توجب علينا أن نعامل الناس فى صراحة ووضوح». فى هذا الإطار ولكى نستطيع أن نفهم ونقرأ ما حدث سواء ما قبل ثورة 25 يناير، أو ما بين ثورة 25 يناير إلى ثورة 30 يونيو، علينا أن نعود إلى فكر وعقل الجماعة ممثلا في «البنا» خاصة فى رسائله، والذى سيبقى حاكما لها بمفاهيمه ورؤيته ما بقيت الجماعة، ومن غير ذلك وإن أعلنت انها تخلت عن أفكاره، أو ادعت مراجعتها فلن نكون بصدد جماعة الاخوان، وإنما سنكون بصدد جماعة أخرى وذلك لن يحدث. لذا فإن تجربة الجماعة واستغلالها لكافة الأساليب المشروعة وغير المشروعة للقفز إلى السلطة وما كان يمكن أن تصل اليه مصر من مصير مظلم، لا يمكن فهمه واستيعابه لضمان عدم تكراره والانطلاق لبناء الجمهورية الثالثة، إلا من خلال كشف أفكار وأهداف ووسائل الجماعة، أمام الشعب عبر حوار طويل وممتد حول سبل بناء دولة وطنية ديمقراطية حديثة، وبيان كون الجماعة برؤيتها الشمولية الاقصائية أحد المعوقات الرئيسية أمام عملية البناء، وباعتبارها تشكل تهديدًا مستمرًا لأى عملية إصلاح ديمقراطى. وما يعنينا فى هذا المقام هو مفاهيم الجماعة باعتبار تجربتها فى الحكم، المتعلقة بفكرة الدولة وطبيعة السلطة وسند شرعيتها، وموقفها من فكرة الدولة الوطنية ومؤسساتها. فهم هذه المفاهيم وتحليلها يشكل ضرورة حتمية لا غنى عنها، ونقطة انطلاق لمواجهة التحدى الأكبر فى إعادة بناء مصر الحديثة، فقد اختزلت جماعة الاخوان وحلفاؤها رؤية الإسلام للعلاقة بين الدين والأفراد والمجتمع والدولة ومؤسساتها فى مشروعها فقط، خاصة وأنها « عرضت لمنهجها ليس كأحد التفسيرات أو الاجتهادات الممكنة للإسلام، ولكن باعتباره الإسلام نفسه، واى نقص منه هو انتقاص من القوة الإسلامية الصحيحة»، لإحاطة ما هو سياسى بهالة من القداسة الوهمية باعتبارها جماعة المسلمين التى تسعى لإعادة المجتمع الإسلامى، وهو ما منحها القدرة والتأثير على قطاعات كبيرة من الشعب فى ظل انتشار الأمية والجهل وغياب الوعى بقضايا الفكر الإسلامى، والحنين إلى فترات التوهج فى عصور الإسلام الأولى. ولا جدال فى أن التيار الإسلامى بفصائله المختلفة وعلى رأسه جماعة الإخوان مكون هام من مكونات المجتمع المصرى الفكرية والسياسية على مدار اكثر من قرن، والتى لعبت منذ تأسيسها دورا مضادا للتوجه الوطنى العام، وللقيم المجتمعية السائدة فى فترات عديدة، بداية من تحالفها مع القصر والاحتلال البريطانى ضد مطالب الاستقلال والديمقراطية، مرورا بانقلابها على عبدالناصر ومحاولة اغتياله للقفز على السلطة، وتفريخ جماعات العنف والإرهاب فى عهدى السادات ومبارك، وصولا إلى القفز الفعلى على السلطة فى اعقاب ثورة 25 يناير. وفى الواقع أن وصولها للسلطة كان متوقعًا، وكان يمكن أن يمضى بشكل طبيعى كما يحدث فى أى عملية انتخابية تنافسية فى إطار ديمقراطى، لكنها لم تختلف فى تجربتها عن سوابق عالمية كان أبرزها تجربة وصول الحزب القومى النازى بزعامة هتلر فى ألمانيا للحكم، فاستخدمت النظام الديمقراطى وآلياته للوصول للسلطة، ثم سعت للانقلاب على النظام الديمقراطى والقضاء عليه برمته معتمدة على قدراتها التنظيمية الكبيرة وإمكانياتها المالية الضخمة، من خلال «أخونة» الدولة ومؤسساتها وإقصاء كافة القوى السياسية من المشهد، وتنفيذ مشروعها ذي الصبغة الدولية،مستغلة فى ذلك تشرذم قوى ثورة 25 يناير وضعف الأحزاب السياسية، حتى أوشكت البلاد على السقوط فى هاوية الحرب الاهلية، وكادت الدولة المصرية أن تسقط وتتفكك، كما سقطت وتفككت الدولة فى سوريا وليبيا واليمن والصومال، لولا قيام ثورة 30 يونيو ودعم الجيش لها. وحينما نعود لأدبيات «البنا» نكتشف منذ البداية، أنه كان يرى جماعته كحركة مقدسة تعتبر نفسها وسيلة للصلة بين الفرد وربه، تتحدث باسم الإسلام وتختزله فيها، وأنها وحدها اكتشفت وامتلكت الفهم الحقيقى الجامع للإسلام، بل وكأنها الإسلام بذاته، فهى كما يرى حركة ربانية تهدف لتعريف الناس بربهم، وحركة عالمية موجهة إلى الناس كافة، وكأنها إعادة انتاج جديدة للدعوة للإسلام، لذا أعتبرها متميزة بفهمها للإسلام الصحيح للإسلام الاول عن الجميع مستخدما تعبير «إسلام الإخوان المسلمين»، ووصفها بأنها شمولية نتيجة لهذا الفهم العام الشامل للإسلام فيقول «وتستطيع أن تقول ولا حرج عليك، إن الإخوان المسلمين: دعوة سلفية، وطريقه سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، وروابط علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية»، تقوم على الطاعة أى «امتثال الأمر وإنفاذه توًا فى العسر واليسر والمنشط والمكره». وإذا كانت الدعوة للدين الإسلامى وللالتزام به مفهومة لدى الجماعات الدعوية المختلفة، إلا أن دعوة الاخوان لدى «البنا»، باتت الإسلام نفسه، وتحولت إلى رسالة عالمية، تهدف لإبلاغ الناس جميعا، وسلطة لإخضاع « كل جبار حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله » ، وأصبحت عقيدة بديلة، وسيفًا على رقاب المسلمين، فكل مسلم لا يؤمن بمنهجها ولا يعمل على تحقيقه أو يعارضها لا حظ له فى الإسلام، بل هو خصم للإسلام وجاهل به، والواجب على كل مسلم أن «يعتقد أن هذا المنهاج كله من الإسلام وأن كل نقص منه نقص من الفكرة الإسلامية الصحيحة»، ومن آمن بها سلك معها «سبيل الإسلام الحنيف»، ومن أبى الانضمام لجماعة الاخوان اصبح من أصحاب الدعوات الجائرة والمناهج الفاشلة، وفاته الالتحاق بكتيبة الله !!. ولأنها أصبحت عقيدة كانت دعوة الناس لها فريضة وحمايتها والدفاع عنها فريضة، وان الموقف من المجتمع وأفراده ومؤسساته يتحدد وفقا لذلك، وبالتالى تعادى الجماعة من يناوئها أو يقف فى طريقها، وفى فاشية واستعلاء يرى « البنا » طالما أن ساعد الدعوة اشتد، فعليها دعوة الجميع للانضمام لها والعمل معها والتوحد خلفها تحت «راية لواء القرآن العظيم »، فهى حاملة صك العقيدة وتأشيرة الايمان، تمنح وتمنع، ولأنها صاحبة سلطة فى الحقيقة لا دعوة، تهدد المخالفين بأنهم سيضطرون للعمل للدعوة «أذنابا... وقد كانوا يستطيعون أن يكونوا رؤساء»، وانها ستتبع «الخطوات القولية بخطوات عملية، وإن أدى ذلك إلى الاصطدام بالأفراد أو الحكومات». وبذلك ينكشف القناع رويدا رويدا عن الرؤية الحقيقية للجماعة كما ترسخها أفكار «البنا»، حركة تتسربل برداء الإسلام للوصول للسلطة تحت ادعاءات تطبيق منهج الإسلام واستعادة حكمه ومجده، الذى لم تقدم له رؤية أو مشروعًا سوى كلام مجمل ودون أى تفاصيل باعتراف «البنا» فى رسائله. ويحدد «البنا» وسائل الدعوة للجماعة، مستوحى ذلك من اطار تجارب الأحزاب النازية والفاشية، من خلال التأكيد على مهاجمة الجهات التى لا تؤيده خاصة الاحزاب، واستعداء الشعب عليها عبر توزيع المنشورات ضدها، فاذا رفضوا منهج الجماعة وبرنامجها باعتبارها الممثل الرسمى للعقيدة الإسلامية فإن الجماعة «ستكون حربًا على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام ولا تسير فى الطريق لاستعادة حكم الإسلام ومجد الإسلام، سنعلنها خصومة لا سلم فيها ولا هوادة معها... ستخاصمون هؤلاء جميعاً فى الحكم وخارجه خصومة شديدة لديدة إن لم يستجيبوا لكم... فإما ولاء وإما عداء». ولتطبيق ذلك المنهج تقوم دعوة جماعة الاخوان كما حددها «البنا» عبر ثلاث مراحل هى التعريف من خلال الدعوة العامة بنشر فكرتها بين الناس، بواسطة نظام الجمعيات الإدارية والعمل الخيرى والوعظ والإرشاد، ثم مرحلة التكوين والدعوة فيها خاصة من خلال ضم العناصر القادرة على تحمل «أعباء الجهاد»، وتتم هذه المرحلة من خلال الإعداد الروحى والعسكرى للأعضاء، تحت شعار «أمر وطاعة»، وتمثل «الكتائب الإخوانية هذه المرحلة من حياة الدعوة»، وأخيرا تأتى مرحلة التنفيذ، وهى «مرحلة جهاد لا هوادة معه، وعمل متواصل فى سبيل الوصول إلى الغاية.. ولا يكفل النجاح فى هذه المرحلة إلا «كمال الطاعة.. والتجرد بأن تخلص لفكرتك مما سواها من المبادئ والأشخاص، لأنها أسمى الفكر وأجمعها وأعلاها»، وتتم هذه المرحلة بواسطة البيعة ليفوز العضو فى الجماعة « بإحدى الحسنيين، فإما الغاية وإما الشهادة فى النهاية»، ويعتبر «البنا» ان وسائل نجاح الاخوان تحتاج إلى «حسن الإعداد وتحين الفرص ودقة الإنفاذ، وكل ذلك مرهون بوقته». وأفراد المجتمع ومؤسساته بالنسبة لعضو الجماعة الصادق عند «البنا» هم «واحد من ستة أصناف: مسلم مجاهد، أو مسلم قاعد، أو مسلم آثم، أو ذمى معاهد، أو محايد، أو محارب، ولكل حكمه فى ميزان الإسلام، وفى حدود هذه الأقسام توزن الأشخاص والهيئات، ويكون الولاء أو العداء»، بينما تقوم العلاقة بين أعضاء الجماعة على الثقة وهى «اطمئنان الجندى إلى القائد فى كفاءته وإخلاصه اطمئنانًا عميقًا ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة.. وعلى قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة، وإحكام خططها، ونجاحها فى الوصول إلى غايتها، وتغلبها على ما يعترضها من عقبات». وطبقا لتعليمات « البنا » على العضو مقاطعة الصحف والجماعات والمدارس والأندية والهيئات والمحاكم، التى يراها مناهضة لفكرته الإسلامية مقاطعة تامة، وأن يتخلى عن صلته بأية هيئة أو جماعة لا يكون الاتصال بها فى مصلحة فكرته خاصة إذا أُمر بذلك. ويصف «البنا» هذه الآليات النازية والفاشية فى الدعوة لجماعة الاخوان بالطريقة لإسلامية والخطة المحمدية والمنهاج القرآنى، مناقضا ما جاءت به تعاليم الإسلام فى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والتراث حول بيان طرق الدعوة، والتى لخصها القران الكريم فى قوله عز وجل (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، وفى ذلك يقول ابن القيم «ذكر سبحانه مراتب الدعوة، وجعلها ثلاثة أقسام بحسب حال المدعو، فإنه: إما أن يكون طالباً للحق، راغباً فيه، محباً له، مؤثراً له على غيره إذا عرفه؛ فهذا يدعى بالحكمة، ولا يحتاج إلى موعظة وجدال. وإما أن يكون مشتغلاً بضد الحق، ولكن لو عرفه آثره واتبعه؛ فهذا يحتاج مع الحكمة إلى الموعظة بالترغيب والترهيب. وإما أن يكون معانداً معارضاً؛ فهذا يجادل بالتى هى أحسن». بينما فى الواقع فان « البنا » أقام جماعة فاشية شبه عسكرية، منغلقة داخليا عبر نظام الأسر والزواج، تدعمها كتائب عسكرية مثل مليشيات الحزب النازى، والتى تشكل بالتوازى كما يرى جنبا إلى جنب مع الجيش، وانفصل سياسيا ودينيا واجتماعيا واقتصاديا وانسانيا عن المجتمع المصرى، ولذلك كان طبيعيا ان تؤدى هذه التنشئة إلى ظهور «التنظيم الخاص»، الذى اغتال القاضى أحمد الخازندار،ومحمود فهمى النقراشى رئيس الوزراء، وحاول نسف غرفة الأرشيف بمحكمة الاستئناف، وفجر ستة أقسام للشرطة بالقاهرة، كم فجر شركة الإعلانات الشرقية،ومحلات شيكوريل وجانتينو، وبعض مساكن فى حارة اليهود بالقاهرة وغيرها، وفى تطور لاحق إلى بداية خروج جماعات أخرى متطرفة من صلب جماعة الاخوان مثل التكفير والهجرة، والتى كانت اول من كفر المجتمع بأكمله، وهاجرت إلى الصحراء هربا من مجتمع الكفر الذى رسخت له أفكار « البنا». وفى رؤية تحليلية للحركات الإسلامية وعلى رأسها جماعة الاخوان يرى بعض الباحثين، ان هذه الحركات خلطت بين الإسلام كرسالة سماوية ودين كامل شامل بعث به الرسول لكافة البشر، وما يقتضيه من التسليم لله قولا وفعلا، وما نتج عنه من ثلاث افكار كبرى هى«العقيدة، والتراث والحضارة.. فالعقيدة هى ما جاء به القرآن الكريم من عند الله.. وما ورد على لسان النبى محمد صلى الله عليه وسلم من احاديث صحيحة... وأما التراث فهو الاساس كل ما ورد من تفاسير واجتهادات لأصول العقيدة تصب فيه أقوال الصحابة والفقهاء والمذاهب المختلفة.. وأما الحضارة فهى ذلك البناء الاجتماعى والمادى المعقد الذى صاحب قيام الدولة الإسلامية منذ الفتوحات الكبرى فهى النسيج الاجتماعى والاقتصادى والثقافى للإسلام عبر الزمن »، وانه وإذا كان الإسلام قد قام بتوحيد الناس من اقطار مختلفة وثقافات متنوعة فى بوتقة إيمانية واحدة، واقام فى فترات مجده حضارة إنسانية كبرى، إلا ان تراثه لم يقدم فى إطار العلاقة بين فكرة الدين والدولة « صيغة سياسية محددة لها شكلها تستطيع التغلب على المتغيرات واستيعابها». لذلك يعتبر الباحثون انه كلما زادت الاعتبارات الأيدويولوجية لدى هذه الحركات شكلت تهديدا مباشرا لمفهوم التعددية الفكرية والسياسية، لأن التعددية «ترفض النظرة الاحادية للكون وتفترض التنوع والاختلاف داخل المجتمع وبين الافراد وثم تنوع فى الافكار والمواقف »، وقد تتحول هذه الحركات إلى نقيض للنظام الديمقراطى وخطر يهدد وجوده، حينما تنفى أيدويولوجيتها المتطرفة الاخر وتناهض التسامح وتدعى امتلاكها للحقيقة، ولا ترى فى الاخرين سوى انهم أعداء، لأنها بدون شك اذا وصلت للسلطة سوف تصادر وجودهم، كما تؤدى ممارساتها إلى إضعاف المضمون الفكرى لقيم الحوار والديمقراطية، وتغلب الشعارات الغامضة والعواطف على معايير العقلانية والحكمة والمصلحة العامة، وتنتهى فى النهاية إلى « رفض شرعية أو مبرر قيام المؤسسات السياسية الديمقراطية كوسائل للتفاوض أو الحلول الوسط فى ادارة الصراع »، وتلجأ لأساليب المراوغة فالإقصاء ثم العنف. لا يرتبط مفهوم الدولة لدى « البنا » بالمفهوم المجمع عليه فى الفكر السياسى والدستورى، بانها شعب يعيش فوق اقليم معين لها سيادة وتتمتع بشخصية قانونية موحدة، فالدولة هى دولة رسالة تقوم على العقيدة وتضم شتات المسلمين وبلادهم المغصوبة، ثم تحمل علم الجهاد ولواء الدعوة إلى الله تعالى حتى يسعد العالم بتعاليم الإسلام، وهى فرض عين يأثم المسلمون جميعا إن لم تقم، وهى دولة واحدة، تضم كافة بلدان الإسلام تحت قيادة واحدة، وظيفتها تطبيق شرع الله ونشر الدعوة الإسلامية وصولا إلى إقامة الدولة الإسلامية العالمية. فالدولة فى مفهوم «البنا» دولة عقائدية فكرية، دولة تقوم على عقيدة ومنهج، وهى كما يراها دولة عالمية لا تنتمى لجنس أو أقاليم وليس لها حدود جغرافية، وجنسيتها متاحة فقط لمن يؤمن بمبادئها. وفى ذات السياق يفسر مفكرو الاخوان وجود اختلاف كبير بين مفهوم الدولة الإسلامية بهذا المعنى لدى البنا عن مفهوم الدولة الحديثة، بالنظر إلى الامة تولد أولا من رابط العقيدة الذى يشكل هويتها المشتركة، ثم تأتى بعد ذلك الدولة كأداة ناتجة عن وجود الامة بهويتها الموحدة، ولا هدف للدولة ولا ضرورة لوجودها سوى تنظيم وجود الامة وتسيير أمورها، واذا كانت الدولة الحديثة صاحبة السيادة والسلطة فى المجتمع، فان الامة فى الدولة الإسلامية هى صاحبة الوجود والسلطة معا، والدولة جهاز يناط به فقط من قبل الامة صلاحيات السلطة مثل ضمان النظام والامن والدفاع، وليس له أى علاقة أو سيطرة على الامة وعقيدتها وقيمها. إن مفهوم الدولة الوطنية فى الفكر الإسلامى السياسى كما يرى الباحثون ليس مطروحا، لأن مفهوم الوطن أو الدولة لا يرتبط لديه بشعب تجمعه ارض وخصائص معينة سواء كانت حضارية ولغوية أو حتى دينية، وانما الرابط الوحيد لمفهوم الدولة لديه هو الدين، لذا استبدل مفهوم الشعب بالأمة التى تربطها العقيدة الإسلامية لا الوطن المحدد، فالفكر الإسلامى لم يقدم مشروع واضح حول مفهوم الدولة، وانما قدم «أيديولوجيات سياسية وباتت الدولة أداة لتحقيق مشروع فكرى وأيديولوجى، ولم تكن إقامة الدولة نفسها هدفا، بل صار استخدام الإسلام وسيلة لتحقيق المشروع الشخصى. حتى أن خطاب الإسلام السياسى يضيف أفعاله وأهدافه للإسلام، وكأن الإسلام بات شخصاً طبيعياً ذا إرادة ولسان يعبر عنها». وفى هذا السياق ينطلق مفهوم « البنا » لقضية الخلافة حيث يراها شعيرة إسلامية يجب اقامتها والعمل على إعادتها، من خلال التعاون بين الشعوب الإسلامية وتكوين الأحلاف وعقد المؤتمرات بين قيادات البلاد الإسلامية وبعد ذلك تكوين عصبة الأمم الإسلامية، والتى يكون مناط بها اختيار الامام، لذا لا يعترف « البنا » بالحدود والتقسيمات السياسية للدول الإسلامية ولا يكتفى بالحديث عن مواجهة الاستعمار فى الدول العربية والإسلامية، والسعى لإقامة الدولة الإسلامية الموحدة على أراضيها، ولكنه يضم اليها الدول التى دخلها الإسلام وعادت إلى الكفر مثل «الأندلس وصقلية والبلقان وجنوب إيطاليا وجزائر بحر الروم، كلها مستعمرات إسلامية يجب أن تعود إلى أحضان الإسلام». ويرى «البنا» أن مفهوم الوطنية ظهر لمواجهة استعمار شعوب الشرق، ويسميها بالوطنية الحزبية التى تقسم الأمة لطوائف متصارعة ومتناحرة تتبع مناهج وضعية صنعتها الاهواء والمصالح الشخصية، واصفا إياها بأنها «وطنية زائفة لا خير فيها لدعاتها ولا للناس»، ويشير إلى ان اوجه الخلاف بين الاخوان ودعاة الوطنية كما يقول يتلخص فى ان الاخوان يربطون الوطنية بالعقيدة أى ان رابطة الوطنية لدى الاخوان هى العقيدة الإسلامية لا بالجنسية، وكل ارض بها مسلم هى وطن لهم، فى مقابل مفهوم الوطنية المرتبط بوطن له حدوده الجغرافية المحددة، معتبرا مهمة دعاة الوطنية «كانت تنتهى بتحرير الوطن واسترداد مجده، فإن ذلك عند الإخوان المسلمين بعض الطريق فقط، أو مرحلة منه واحدة، ويبقى بعد ذلك أن يعملوا لترفع راية الوطن الإسلامى». فمفهوم الوطن لدى الاخوان لا يقتصر كما يقولون «على حدود قطعة الأرض التى يولد عليها المرء، بل إن الوطن يشمل القطر الخاص أولا ثم يمتد إلى الأقطار الإسلامية الأخرى، والأقطار التى فتحها المسلمون الأولون، ثم أُخضعت لغير المسلمين، ثم يمتد وطن المسلم ليشمل الدنيا جميعا.. لذا يقبل الإخوان الوطنية على أنها ذات مضمون إسلامى، وأنها حلقة فى سلسلة النهضة، ويرفضون الوطنية على أنها إحياء للفرعونية وصبغ الأمة بها، أو على أنها محدودة بحدود الوطن المصرى». فى المقابل يرى البعض ان مصطلح «أمة» ليس له صلة بالدين، وانه يمكن ان يضم فى طياته جماعات متعددة العقائد تجمعها فى إقليم أو مكان ما روابط مشتركة سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، ويستدلون على ذلك بأن هذا المصطلح «ورد فى صحيفة المدينة شاملا المسلمين من المهاجرين والأنصار واليهود ومن لحق بهم، أى أن الدين ووحدة العقيدة لم يكونا الرابط هنا، فضلا عن أن هذه الصحيفة ارتبطت بمكان محدد وهو يثرب». وفى ذات السياق يرفض «البنا» مفهوم القومية الذى يراه يؤدى إلى «التحلل من عقدة الإسلام ورباطه بدعوى القومية والاعتزاز بالجنس... فالإخوان المسلمون لا يؤمنون بالقومية بهذه المعانى، ولا بأشباهها، ولا يقولون فرعونية وعربية وفينيقية وسورية، ولا شيئا من هذه الألقاب والأسماء التى يتنابز بها الناس»، معتبرا إياها من دعاوى الجاهلية التى يرفضها الإسلام، لأنها تخالف رباط العقيدة، والناس لديه فى ذلك نوعان، الأول يرتبط مع الاخوان فى العقيدة الإسلامية التى هى «أقدس من رابطة الدم ورابطة الأرض، فهؤلاء هم قومنا الأقربون الذين نحن إليهم، ونعمل فى سبيلهم، ونذود عن حماهم، ونفتديهم بالنفس والمال، فى أى أرض كانوا، ومن أية سلالة انحدروا»، والثانى من هم غير المسلمين. فالقومية لدى الاخوان المرتكزة كما يقولون على العصبية الجنسية، والوثنية الوطنية فقط تخبط على حساب العقيدة، والحكم القومى الذى لا يأخذ بالإسلام وقواعده منقطع الصلة بالدين، واعتبروا أن «العقيدة هى التى تحدد جنسية المؤمن بها. وليست النسب ولا الصهر ولا الأرض ولا الجنس ولا القبيلة ولا العشيرة... وأن الذين يعدلون عن المنهج الربانى ورابطة العقيدة إلى منهج آخر يقوم على قاعدة الجنس أو الأرض أو الطبقة هم أعداء الإنسان حقا». فالمواطن فى مفهوم مفكرى الجماعة هو فقط من يؤمن بعقيدة الامة، وهو لا يحتاج لمن يمنحه الجنسية التى يكتسبها مباشرة بحكم الانتماء الدينى «لأن من يصبح جزءا من الامة يصبح عضوا بها»، وذلك مقابل الجنسية فى الدولة القومية والتى تخضع لقواعد قانونية فى إطار علاقة تعاقدية تبادلية تحدد الحقوق والواجبات المتبادلة، والدولة تقدم خدماتها لمواطنيها مقابل تقديم الطاعة، بينما الامة تقدم خدماتها لأبنائها لأنهم ينتمون إليها دون الحاجة لدخولهم فى طاعتها لأن الطاعة لله وحده، والواقع أن رؤية مفكرى الجماعة فى هذا السياق تناقض تماما المسار التاريخى والواقعى بعيدا عن عصر الخلفاء الراشدين، للعلاقة بين السلطة فى أى عصر إسلامى وبين أفراد الأمة، سواء فى عهود الخلافة أو حكم الدويلات المنفصلة، فأهالى الامصار المختلفة كانوا يعرفون بأسماء بلدانهم مثل «أهل المدينة، أهل مصر، أهل الشام، أهل العراق.. الخ»، وكانت الطاعة هى السمة الثابتة أصلا لهذه العلاقة. لا يهتم «البنا» بالحديث عن طبيعة النظام الإسلامى، متجاوزا الشكل والمسمى، مكتفيا بالتأكيد على ان إقامة الحكومة الإسلامية فريضة فى إطار تعاليم وقيم الإسلام التى تراها جماعة الإخوان، ومناط الشرعية فيها الايمان بقدسية هذه التعاليم، والحاكم لديه ظل الله على الأرض، ومسئول بين يدى الله وبين الناس، فى إطار علاقة تعاقد بينه وبين الامة، معتبرا أن الإسلام وضع أساس نظرية العقد الاجتماعى، وللأمة حق مراقبة الحاكم ونصحه، وعليه الالتزام بالمشورة واحترام ارادتها والاستماع لآرائها، ولكن يبقى له الحق فى ان يأخذ بما يراه صالح منها، وأن العمل لإقامة الحكومة الإسلامية فريضة. وأن التجمع على أساس الإسلام فريضة. وأن كل تجمع لإقصاء الإسلام لا يجوز، ومن ثم فهو مرفوض فى فهم وعرف الإنسان المسلم. ويقول «البنا» ان الاخوان لا يؤيدون أية حكومة تقوم « على أساس الحزبية، وهم يعتقدون أن كل حكومة تقوم على غير الأصول والقواعد الإسلامية لا يرجى منها صلاح، ولا تستحق تأييدا ولا مناصرة... والإخوان مع هذا يرون من واجبهم التعاون مع الحكومة التى يأنسون منها استعدادا صادقا لتأييد مناهجهم والعمل على تحقيقه »، ولكنه يعتبر أن كل الحكومات لا تطبق احكام الإسلام، وبالتالى ينبغى عدم السكوت عليها، وأن عدم السعى لاستخلاص الحكم منها والمطالبة به من جانب المصلحين الإسلاميين جريمة إسلامية لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدى الذين لا يدينون بأحكام الإسلام. وهذه الحكومة التى يتصورها «البنا» تطبق المنهج الإسلامى من وجهة نظره هى «الحكومة المسلمة التى تقود هدا الشعب إلى المسجد، وتحمل به الناس على هدى الإسلام... ونحن لهذا لا نعترف بأى نظام حكومى لا يرتكز على أساس الإسلام ولا يستمد منه، ولا نعترف بهذه الأحزاب السياسية، ولا بهذه الأشكال التقليدية التى أرغمنا أهل الكفر وأعداء الإسلام على الحكم بها والعمل عليها، وسنعمل على إحياء نظام الحكم الإسلامى بكل مظاهره، وتكوين الحكومة الإسلامية على أساس هذا النظام». ويشير مفكرو جماعة الاخوان إلى أن الامة فى النظام السياسى هى مصدر الشرعية والسلطة الهوية فى آن واحد، وما يحدد هذا النظام هو قيم الامة ورؤيتها، دون أى دور للدولة التى هى« معنية فقط بالمهام المحددة لها كأى مؤسسة متخصصة »، ومشروعية السلطة أساسها العقيدة الإسلامية للامة، فالدولة تابعة لعقيدة الامة، ومشروعية سلطة الدولة تتحدد من خلال «اجماع الامة لا ارادة الدولة، وبالتالى تصبح الشريعة الدينية قيدا مفروضا على الدولة ومعيارا للحكم على الدولة من الامة، ويكون خروج الدولة عن شرعيتها تصريحا للامة بالخروج على الحاكم ومنازعته سياسيا». واذا كانت الامة سابقة على وجود الدولة، وتحدد عقيدتها الإسلامية هويتها وشرعية السلطة ومبادئ الحكم، فان « الدستور » يأتى ليقر هذا الوضع ويعبر عنه فهو «مؤسسا لوضع الامة ومنظما لقواعدها العامة، ومن خلال التأسيس النظامى للامة يأتى وجود الدولة بوصفها دولة الامة»، فالدولة هى فى نظرهم أداة ومؤسسة من مؤسسات الامة، وبالتالى فإن الامة ليست مصدرًا للسلطات بل مصدر للشرعية التى هى سابقة على السلطة وتؤسس لقواعد وجودها، وهذه الشرعية تملكها الامة ولا يمكن لها التفويض فيها أو التنازل عنها، عكس السلطة إلى تفوض الامة فيها الدولة لممارستها، وفقا للأسس التى تحددها الامة وعقيدتها، وهذه الأسس هى مناط الحكم طول الوقت على شرعية الحكم أو عدم شرعيتها. وفيما يتعلق بالموقف من الحياة الحزبية والأحزاب، يتخذ « البنا » موقفا رافضا لمفهوم العمل الحزبى، باعتباره يؤدى إلى وجود الانقسام داخل الامة، وزعزعة استقرار سلطة الحكام، ونشر التعصب للرأى بين الافراد، وأن وجود الأحزاب مناقض للإسلام وقيمه القائمة على الشورى والنصيحة وحرية الرأى، فالإسلام لا يقر نظام الحزبية ويرفضه ولا يوافق عليه، ويصفها بانها جميعا قامت على الحزبية البغيضة والمصالح الشخصية، وأنها أساس الفساد الاجتماعى ولا برامج لها، وان هذه الحزبية « قد أفسدت على الناس كل مرافق حياتهم، وعطلت مصالحهم، وأتلفت أخلاقهم، ومزقت روابطهم، وكان لها فى حياتهم العامة والخاصة أسوأ الآثار». ويرى «البنا» أنه يمكن الاستغناء عن الأحزاب فى النظام النيابى البرلمانى والاخذ بنظام الحزب الواحد، مطالبا بحل الأحزاب، بل ويطلب من الملك اتخاذ قرار الحل ودمج الامة كلها فى حزب واحد، «تتوحد به جهود الأمة حول منهاج إسلامى صالح تتوافر على وضعه وإنفاذه القوى والجهود»، باعتبار أنها أدت دورها وانتهت مهمتها، وانه يجب عليهم الاندماج تحديدا تحت لواء دعوة الاخوان التى هى فوق الأحزاب جميعا باعتبارها « ميراث رسول الله.. ويوجهونها واضحة مستنيرة إلى كل رجال هذه الأحزاب على السواء، ويودون أن لو أدرك حضراتهم هذه الحقيقة،وقدروا هذه الظروف الدقيقة، ونزلوا على حكم الوطنية الصحيحة، فتوحدت كلمتهم، واجتمعوا على منهاج واحد، تصلح به الأحوال وتتحقق الآمال، وليس أمامهم إلا منهاج الإخوان المسلمين، بل هدى رب العالمين». وحول مدى إمكانية قيام الاخوان باستخدام القوة للوصول للحكم، لا ينكر «البنا» ذلك باعتبار أن القوة شعار الإسلام فى كافة قواعده وتشريعاته، ويحدد مراتبها ودرجاتها الثلاث فى قوة الإيمان وقوة الوحدة وقوة السلاح، ولكنه يقيد استخدام القوة العملية أولا باستكمال قوة الإيمان والوحدة، ثم تقييم الإخوان المسلمين لمنهج ونتائج استخدام القوة قبل اللجوء اليها، ثم استكمال قوة، وأخيرا ألا يجدى غيرها، مؤكدا انه حينما سيلجأون لاستخدام هذه القوة «سيكونون شرفاء صرحاء وسينذرون أولاً، وينتظرون بعد ذلك ثم يقدمون فى كرامة وعزة، ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح». المراجع: رسائل حسن البنا مقالات متنوعة لرفيق حبيب «الدولة فى الإسلام» عاصم حنفي «الإسلام السياسي والدولة الإسلامية» سعيد العلوي «الحركات الإسلامية فى مصر وقضايا التحول الديمقراطى» الدكتور عبدالعاطى محمد «القانون الدستورى شرح لأهم المبادئ الدستورية العامة والتطورات الدستورية فى المرحلة الانتقالية» الدكتور صبرى السنوسي