يتزايد كل يوم تورط الفرقاء اللبنانيين في الأزمة السورية ويجدون لأنفسهم مبررات في ذلك. بين لبنان وسوريا الكثير من المكونات المشتركة من النسيج الطائفي إلى النسيج الاجتماعي العائلي والتفاعلات السياسية . لكن هذه المعطيات ليست كافية لتوريط لبنان في الحرب الأهلية السورية واستيراد الحرب إلى لبنان على قاعدة نفس الأسباب والمبررات والاعتبارات . فإذا جاز لأي طرف التدخل جاز الأمر للطرف الآخر . وفوق ذلك لا يبدل اللبنانيون شيئاً في مسار الأزمة السورية ولا يغيّرون في موازين القوى ولا يستطيعون نصرة مشروع على آخر . نتيجة الأوضاع الميدانية والفوضى العارمة في سوريا وانفلات الحدود كلها من السهل ممارسة بعض أشكال التدخل التي تحافظ على جزء غير قليل من سيرتها، لكن بالمقابل لا تكون هذه الأعمال إلى أمد بعيد في الخفاء وهي عرضة للاحتكاكات مع لبنانيين آخرين . ويبدو أن احتمالات نقل المواجهة إلى لبنان قد تزايدت في الآونة الأخيرة لأسباب كثيرة . هناك ما يشجع البعض في الداخل السوري ولبنان على تصور مشاريع »تقسيمية« لسوريا بصورة واقعية أي على شكل فرز مناطقي عسكري أو سكاني، أو على أساس التفكير بالبدائل الممكنة لأي متغيّر في توازن القوى . هذا الخطر بدأ يلوح بقوة مع ما يحصل في مدينة حمص وريفها بوصفها نقطة التقاطع بين المناطق وعقد التواصل والمدينة الأقرب إلى الحدود اللبنانية التي يمكن عبرها إنشاء معابر الدعم والتدخل . فالوضع العسكري في سوريا أظهر انحسار سلطة النظام عن أرياف المدن كلها وشل يد النظام عن المدن الرئيسية ولا سيّما مؤخراً حلب ودمشق . فلم يعد هناك مناطق آمنة مستقرة يديرها النظام بصورة طبيعية . وتظهر خارطة الميدان أن النظام فشل في إبقاء الشام وجنوبها وساحلها تحت قبضته، فهو بهذا قد بدأ العد العكسي لاحتمال الاستمرار في إمساك مناطق حيوية وأساسية . على الأقل يبدو الشمال السوري والشرق السوري خارج سيطرة النظام من دون أن يؤدي ذلك إلى تكوين مناطق محررة مستقرة كذلك . في مثل هذه الظروف تتزايد الفوضى المسلحة واحتمالات الممارسات المتبادلة من الأطراف الذين يشكلون القوى الفاعلة الهادفة إلى خلق أوضاع صافية سياسياً وطائفياً، كما تتفاقم ظواهر التعديات التي لا ترتبط بأي قرار سياسي . أما الأزمات الاقتصادية والمعيشية وانهيار نظام الخدمات فهو عنصر إضافي في الحرب يشكل مادة تنازع وتعديات . وإذا كانت الأطراف الداخلية قد بلغت هذا المستوى من الفوضى فأي طرف خارجي خاصة إذا كان غير نظامي أو لا يتمتع بشرعية ما تؤهله للتدخل يتحول إلى مادة سهلة للانخراط في دوامة الفوضى . إن بعض مظاهر العنف الاستثنائي اللا إنساني وما هو ثابت من »مجازر« هو في جزء منه يعود إما لجماعات احترفت هذه الممارسات وإما لجماعات غريبة عن البيئة الاجتماعية . على أي حال تتصاعد الأزمة السورية وتكشف عن احتمالات استمرارها لأمد بعيد كحال من الفوضى وعن خلق توترات وتداعيات على حدودها الواسعة، الأمر الذي يهدد لبنان يومياً بإمكانيات حصول مشكلات أمنية . فكيف إذا كان الأطراف اللبنانيون قد اتخذوا لأنفسهم مهمات مباشرة سواء على الحدود أو في الداخل، أو أنهم انخرطوا إلى غير رجعة في محاولة الانتصار لأحد الطرفين؟! لبنان دولته ضعيفة وانقساماته عميقة ونزاعاته كثيرة وليس فيه مرجعية ضامنة للأمن أو لشبكات أمان سياسي طائفي ومذهبي . فإذا ما وقعت توترات أمنية بات من الصعب إطفاؤها في ظل انتشار السلاح وانتشار حال الكراهية والعداء المتبادل بين المجموعات الطائفية الحزبية . اللبنانيون قلقون جداً على أمنهم بعد أن سقطت نظرية وجود القوة والسلاح في يد طرف واحد وهو لا يرغب في استخدامها . وجود السلاح هو مقدمة لاستخدامه وتبرير استخدامه وإيجاد أسباب »شرعية« له كما يحصل عادة . ومن المؤكد أن السلاح ينتشر في أيدي جميع اللبنانيين بما يكفي لحروبهم الداخلية . ولقد صارت مناطق النفوذ الطائفي أكثر وضوحاً، وانفلات الحدود بين لبنان وسوريا يشجع على ممارسة أي نشاط يمكن أن لا يقع تحت رقابة الدولة وسلطتها . بل إن مناشدات رئيس الجمهورية ومواقفه لم تعد قادرة على استنفار المجتمع اللبناني ضد احتمالات انفلات حبل الأمن . ولا يظهر الفرقاء جميعهم أية مسؤولية وطنية لتدارك النتائج المحتملة لقراراتهم السياسية الذاهبة في اتجاه المزيد من النزاع . نقلاعن صحيفة الخليج