أشعر أن قلبى ينزف على الجنود الأبرياء الذين سقطوا فى سيناء بعد أن حشروا حشرًا فى صندوق سيارة من الصفيح والصاج، فاختلطت أشلاؤهم بجسم السيارة وارتوت الرمال بدمائهم الذكية.. أكثر من ستين نفسًا يتم حشرها فى صندوق لا يتسع لأكثر من عشرين بشكل آدمى، فماذا ننتظر يا سادة؟.. هل هان المصرى إلى هذا الحد؟! تذكرنى حكاية شهدائنا بقصة قرأتها فى الصحف منذ سنوات عن أحد مواطنى محافظة سوهاج، والذى كان يسحب جاموسته فى الصباح الباكر، وما إن حاول عبور الطريق، حتى فاجأته سيارة مسرعة، فدهسته هو وجاموسته فماتا فى الحال، فتطوع أحد المحامين ورفع قضية تعويض على شركة التأمين التابعة لها السيارة القاتلة، ففوجئ المحامى بأن القاضى حكم فى القضية.. بتعويض مقداره 3500 جنيه فاندهش المحامى، وطلب من القاضى تفسير الحكمة فرد القاضى بأنه حكم بهذا التعويض لأنه أقصى مبلغ يتيحه القانون للضحيتين الرجل وجاموسته، والمفاجأة المذهلة جاءت عندما طلب المحامى من القاضى تمديد تعويض كل ضحية على انفراد الرجل والجاموسة، فذكر له القاضى بأنه حكم للرجل القتيل بتعويض خمسمائة جنيه ولجاموسته ثلاثة آلاف جنيه!! فلما استغرب المحامى، قال له القاضى يا اخى الجاموسة لها سعر محدد ومعلوم لأنك تذهب بها إلى السوق فتباع بكذا أو بكذا، أما الرجل فلا سوق له حتى نعرف قيمته وثمنه، ومن هنا كان التعويض ثلاثة آلاف للجاموسة وخمسمائة جنيه لصاحبها!! لا أدرى لماذا عدت لهذه القصة الحقيقية التى طالعتها فى صدر الصحف الصباحية منذ سنوات، هل لأن الوضع مازال كما هو، سواء قبل الثورة أو بعد الثورة فلا ثمن للمصرى فى السوق ولا فى الوطن. ومازلت حتى الآن أتذكر ضحايا الباخرة السلام، وهم يجمعون كاشلاء ممزقة ويوضعون فى أكياس زبالة سوداء ويوضعون فى سيارات حفظ الأسماك!! وها هو المصرى يفر من وطنه كالفرار من المجذوم، فيركب البحر فى مراكب بدائية أملاً فى العثور على لقمة العيش التى حرم منها فى بلده، فيسقط فى بطن البحر غريقًا ليصبح وجبة شهية لأسماك البحر المتوحشة، والتى تكاد تقول لجثمانه: «يعنى وطنك رحمك وأنت عايش علشان أرحمك أنا وأنت ميت»!! لكل هذا قلبى يتمزق على هؤلاء البؤساء الذين شاء حظهم التعس أن يقعوا فى يد مسئول بلا دين أو ضمير، فيأمر بحشرهم حشرًا فى زنزانة متحركة من الصاج والصفيح، لتسقط بهم من ارتفاع ثلاثين مترًا كاملة، أى من ارتفاع عمارة حوالى 12 طابقًا كاملة لتنقلب عشر مرات بفعل السقوط الهائل، لتختلط اشلاؤهم بالصاج والصفيح. رحماك ربى، هل هان أمرنا على صاحب الأمر إلى هذا الحد أكثر من ستين شابا من خيرة شباب مصر يحشرون فى صندوق لا يتسع لأكثر من عشرين مجندًا على أقصى تقدير!! والله لو حدثت مثل هذه الحادثة المخزية فى بلد يحترم الإنسان لاستقالت الحكومة بأكملها اعترافًا بالإهمال والتقصير ولا يفوتنى أن أنوه إلى احتجاج الحكومة الاسترالية على الحكومة المصرية بسوء عملية نقل العجول المستوردة منها وسوء ذبحها. فهل لنا أن نحتج لدى حكومتنا على جريمة قتل فلذات أكبادنا والقسوة والغلظة وعدم الآدمية فى المعاملة؟ يا سيادة الرئيس جثث أولادك فى سيناء تستصرخك وتناشدك فأرجو أن تقتص لها ولا تنسى وأنت من تستشهد بسيرة الخلف الصالح أن تتذكر مقولة بن الخطاب: «لو أن دابة فى شمال العراق تعثرت لسأل الله عنها عمر لماذا لم تمهد لها الطريق»، فهل نحن يا سيدى أقل من الدواب والمواشى. اشقائى الضحايا والشهداء قلبى ينفطر على رحيلكم، وحسبى أنكم الآن فى الجنة عند رحيم مقتدر.