لماذا أكتب عن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية- حماس -؟ لأنه تعرض لحملة تتسم باللاأخلاقية من قبل وسائط إعلام تابعة للنظام السوري بسبب ما أعلنه خلال مشاركته في مؤتمر حزب العدالة والتنمية التركي في الأسبوع المنصرم مدعوا من قيادته من تأييد وترحيب بالثورة السورية التي وصفها بأنها ثورة من أجل الحرية والديمقراطية ومطالبته بوقف سيل الدماء الزكية للشعب السوري. فعقب انتهائه من كلمته أمام المؤتمر سارع التليفزيون السوري بتوجيه فيض من ألوان الشتائم ذكرتني بما يطلق عليه في القاهرة "الردح " وهو كناية عن جملة من الألفاظ البذيئة التي تلجأ إليها سيدات المناطق الشعبية عندما يتأجج بينهن خلاف وما أقدم عليه تليفزيون بشار هو نوع جديد يمكن وصفه بالردح السياسي الفظ والفج يعكس بوضوح حالة الإفلاس الأخلاقي التي بلغها النظام بعد أن صار أنموذجا في قتل شعبه وتدمير وتخريب وطنه لا لهدف سوى أن يبقى في السلطة ولا يهم أن يكون هذا البقاء على جماجم البشر واللافت أن صحيفة إيرانية – كيهان – والتي يصدرها مكتب المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي شاركت في الهجوم على مشعل بسبب وصفه لرجب طيب أردوغان بأنه ليس زعيما لتركيا ولكنه زعيم للعالم الإسلامي واعتبرته يتصرف وكأنه عميل صهيوني فهو مستعد للتضحية بشعب فلسطين مقابل طموحاته الشخصية (......). ولكن تليفزيون نظام بشار كان أشد قسوة في استخدامه لمفردات تنطوي على محاولة تشويه المسار المقاوم لخالد مشعل واتهامه في شرفه السياسي وراح يمن عليه بأنه لم يجد ملجأ له بعد ما طاردته العواصم العربية والإسلامية إلا الشام وبالطبع لن أردد ما قاله تليفزيون النظام الدموي في حق مشعل ورفاقه فهو موغل في كراهيته للمقاومين بعد أن ثبت أنه لا علاقة له بخندق المقاومة والممانعة والذي كنت شخصيا واحدا ممن صدقوا طروحاته في هذا الشأن وجعلت من قلمي سواء في موضوعاتي أو حواراتي أو تحقيقاتي أو مقالاتي الصحفية مدافعا عنه ولم أفق من غيبوبتي إلا بعد أن تيقنت من سفهه وشططه وإصراره على قتل شعبه وانتهاك حقوقه ولكن أتوقف فقط عند هذه العبارات التي تنبئ عن حالة الهلع من موقف مشعل ورفاقه فقد جاء نصا على لسان مذيعة تليفزيون بشار: "تشردك وتسكعك في الأجواء حتى جاءتك رحمة الشام " "وأما وقد غادرتم المقاومة (....) فلك بشارتان غير البشارة التي تظن بشارة أن سوريا فرحت بمغادرة من باع المقاومة بالسلطة وبشارة أن من جعل لك مكانة عند شعب فلسطين كان خياركم كمقاوم وليس هويتكم الإخوانية وستكتشفون يوما أن من ينام بين المقابر سيرى المنامات الموشحة وستتذكر ذات يوم أن مشهدك في مؤتمر أردوغان كان كحجار المقابر يسند بعضها بعضا وكل منكم يحتاج إلى من يسنده " ويقيني أن خالد مشعل عندما يتفاعل مع ثورة شعب سوريا هو متسق مع رؤيته وسيرته كمقاوم. فالمقاومة لا تقتصر على قوة احتلال خارجي ولكنها تمتد بكل تأكيد إلى كل أشكال الاستبداد ومعلوماتي أنه حاول أثناء النظام في دمشق وأركانه عن مشروعهم لإبادة الشعب السوري والدخول في حوار حقيقي وجاد مع رموز المعارضة غير أن بشار رفض ذلك بشدة فهو ينظر للمعارضة بحسبانها عدوا له رغم أنه كان يحاور العدو الأصيل – الكيان الصهيوني – وهو والده حافظ الأسد من قبل وقد كشف رئيس الوزراء السابق المنشق رياض حجاب مؤخرا عن هذا الرفض القاطع في تصريحات له قبل أيام أفاد فيها بأنه اتفق مع مجموعة من رموز النظام من خارج الحلقة الضيقة المحيطة ببشار- ومنهم نائب الرئيس فاروق الشرع - على ضرورة الحوار مع المعارضة بعد مقتل وزير الدفاع السابق وصهره آصف شوكت وقادة أمنيين مقربين منه في عملية نوعية للثوار لكنه أبدى عنادا شديدا للفكرة. ولو تبنى مشعل موقفا غير الذي أعلنه في أنقرة - ومن قبل في غير مناسبة وهو ما دفعه إلى مغادرة دمشق بعد سنوات من الإقامة فيها- لكنت غضبت منه شخصيا ولكنه دوما يدهشني أبو الوليد القائد السياسي المحنك فهو قارئ جيد لمعطيات الثورات العربية وأدرك أنها ستصب بنتائجها الإيجابية في خانة تعظيم المقاومة الفلسطينية بكل أِشكالها ولاشك أن يدرك أن سوريا التي كانت تدعي المقاومة والممانعة لم تطلق رصاصة واحدة لمقاومة الاحتلال الصهيوني لجزء عزيز من أرضها وهو الجولان المحتل صحيح أنها قدمت المأوى لمشعل ورفاقه بعد أن ضنت عليهم عواصم عربية إثر إبعاده قادة حماس من الأردن في العام 1999 وبقائه لفترة وجيزة في قطر ضيفا على قيادتها التي لم تطلب منه الخروج وإنما هو الذي بادر به بيد أن ذلك لا يعطيها لنظامها الحق في أن يمن عليه ويتهمه بالخيانة وبيع المقاومة. أي خيانة مارسها مشعل هل خان النظام أم الشعب في حال خيانته لنظام بشار وتأكيد ولائه للشعب السوري وثورته فإنه بذلك يكون بطلا وفارسا ومقاوما أصيلا إن مشعل ورفاقه من قادة المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية بادروا منذ أشهر بتنبي الخط الرافض لإراقة دماء الشعب السوري لأنه هو الذي كان يدفع كلفة إقامتهم في الشام وليس النظام وبالتالي جاءت هذه المواقف وفاء لهذا الشعب الأبي والمقاتل والمقاوم وبالتأكيد لن تخسر حماس شيئا من هذا الهجوم بل سوف تربح احترام الشعوب العربية التي ثارت ضد جلاديها وغيرها وهذا هو المهم لأن الرهان على الأنظمة من نوعية نظام بشار بالنسبة لحركة مقاومة خاسر بالضرورة لاسيَّما أنه موشك على السقوط والانهيار والرحيل ربما على نحو يفوق ما جرى لنظام القذافي الذي تعامل باستعلاء وغطرسة مع دماء شعبه وقتل منهم الآلاف مثلما يفعل الآن بشار لقد تيقنت عبر حواراتي مع قادة من المعارضة السورية أن مشروع الثورة السورية لتحرير الجولان شديد الوطنية ويقوم على أرضية قومية حقيقية بعيدا عن الضبابية التي شكلت الملمح المهم لقومية بشار وحزبه الذي ظلت رهاناته قائمة على خطاب ديماجوجي وغوغائي بينما هو في حقيقته كان يقدم أكبر الخدمات للكيان الصهيوني وحليفه الاستراتيجي الولاياتالمتحدة فضلا عن ذلك فإن الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني ودعم قضيته العادلة الفلسطينية يمثل واحدا من أهم توجهات السياسة العربية في خارطة طريق المرحلة الانتقالية التي تعهدت بها فصائل المعارضة خلال مؤتمرها الذي عقد بالقاهرة في مطلع يوليو الماضي إن خالد مشعل ليس يتيما وليس كحجار المقابر ولكنه رجل مقاومة من الطراز الأول فهو يقاوم بالفكر وبالفعل وليس بالكلمات الرنانة والخطب المجردة من المضامين وإن قيلت بمفردات ضخمة مثلما كان يفعل بشار في مؤتمرات القمم العربية التي حضرها والتي كان يصر فيها على استخدام عبارات أكبر من طاقته أعدها له كتبة السلطان وأعوان الشيطان. فلك ياخالد ورفاقك قلوبنا مأوى وملجأ ولك أوطاننا رحيقا وحدائق وبيوتا وملاذات آمنة. وكل شعوب الأمة تحنو عليك وتستضيفك في مآقي العيون وتحرسك بنبض قلوبها فلا تأس من القوم الظالمين قد أوشك أوانهم وقرب غيابهم وانتهى زمانهم فالزمان الآن هو للشعوب وهم قتلة شعبهم. لم يعد لهم مكان في خندق العروبة أو مقام المقاومة. السطر الأخير: أمتزج بنبع القصيدة في عينيك أختبئ بالنهر الساكن في الأهداب تتحد روحي بمرايا العشق فيك فتطل على أنهار من شهد مذاب وبقايا نخل وأعناب ياأيتها المسافرة والراحلة والأيقونة المدهشة من يكتب رحلة الإياب؟ من يمنح العطر لساكن القلب ويقنع بالهبوط السحاب؟ نقلا عن صحيفة الشرق القطرية