شهدت الساعات الماضية تحركات واسعة لوزير الخارجية سامح شكري، حيث أجرى عدداً من الاتصالات الهاتفية مع كل من نظرائه وزراء خارجية المملكة العربية السعودية واليونان وقبرص، فضلاً عن وزير الدولة الإماراتي للشئون الخارجية، وروبرت أوبراين" مستشار الأمن القومي الأمريكي، وذلك للتباحث حول هذا التصعيد الخطير من قبل الجانب التركي. جاءت هذه التحركات في أعقاب قرار البرلمان التركي بتمرير المذكرة المقدمة من الرئيس التركي بتفويضه لإرسال قوات تركية إلى ليبيا. وصرح المستشار أحمد حافظ، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، أن الاتصالات مع وزراء الخارجية العرب قد شهد توافقاً في الآراء حول خطورة هذا التطور على الأمن القومي العربي والأمن الإقليمي وأمن البحر المتوسط وعلى استقرار المنطقة بأسرها. وفي إطار التنسيق المستمر بين مصر والولايات المتحدةالأمريكية، أجرى شكري اتصالا هاتفيا مع مستشار الأمن القومي الأمريكي، لبحث مستجدات الأوضاع الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها التطورات على الساحة الليبية. وصرح المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، بأن الوزيريّن تطرقا خلال الاتصال إلى سُبل دفع أوجه التعاون الاستراتيجي بين مصر والولايات المتحدة في شتى المجالات، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين الصديقين. وأضاف أن الجانبين تبادلا الرؤى حول مستجدات الأوضاع الإقليمية، حيث استعرض شكري الموقف المصري إزاء التطورات المتسارعة على الساحة الليبية، معرباً عن إدانة مصر لقرار البرلمان التركي بتمرير المذكرة المقدمة من الرئيس التركي بتفويضه لإرسال قوات تركية إلى ليبيا، وما يمثله ذلك من تصعيد خطير يهدد الأمن والسلم ويزيد من تعقُد الأوضاع في ليبيا. كما أكد الجانبان خلال الاتصال على أهمية مواصلة التشاور والتنسيق الوثيق بين مصر والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة حول كافة القضايا محل الاهتمام المشترك، بما في ذلك قضية محاربة والقضاء على الإرهاب. كانت مصر قد أدانت تمرير البرلمان التركي المذكرة المقدمة من الرئيس التركي بتفويضه لإرسال قوات تركية إلى ليبيا، وذلك تأسيساً على مذكرة التفاهم الباطلة الموقعة في إسطنبول بتاريخ 27 نوفمبر 2019 بين فايز السراج والحكومة التركية حول التعاون الأمني والعسكري. وأكدت مصر في بيان للخارجية على ما تُمثله خطوة البرلمان التركي من انتهاك لمقررات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن حول ليبيا بشكل صارخ، وبالأخص القرار (1970) لسنة 2011 الذي أنشأ لجنة عقوبات ليبيا وحظر توريد الأسلحة والتعاون العسكري معها إلا بموافقة لجنة العقوبات، مُجدداً اعتراض مصر على مذكرتيّ التفاهم الباطلتين الموقعتين مؤخراً بين الجانب التركي و"السراج"، وعدم الاعتراف بأي إجراءات أو تصرفات أو آثار قانونية قد تنشأ عنهما، نتيجة مخالفة إجراءات إبرامهما للاتفاق السياسي الليبي الموقع بالصخيرات في ديسمبر 2015، وبالأخص المادة الثامنة التي لم تخول "السراج" صلاحية توقيع الاتفاقيات بشكل منفرد، وخولت في ذلك المجلس الرئاسي مجتمعاً، واشترطت مصادقة مجلس النواب على الاتفاقيات التي يبرمها المجلس الرئاسي. وحذرت مصر من مغبة أي تدخل عسكري تركي في ليبيا وتداعياته، واكدت أن مثل هذا التدخل سيؤثر سلباً على استقرار منطقة البحر المتوسط، وأن تركيا ستتحمّل مسئولية ذلك كاملة. وأكدت مصر على وحدة الموقف العربي الرافض لأي تدخل خارجي في ليبيا، والذي اعتمده مجلس جامعة الدول العربية في اجتماعه يوم 31 ديسمبر 2019،وتذكر بالدور الخطير الذي تلعبه تركيا بدعمها للتنظيمات الإرهابية وقيامها بنقل عناصر متطرفة من سوريا إلى ليبيا، مما يُبرز الحاجة المُلحة لدعم استعادة منطق الدولة الوطنية ومؤسساتها في ليبيا مقابل منطق الميليشيات والجماعات المُسلحة الذي تدعمه تركيا ويعوق عودة الاستقرار في هذا البلد العربي، فضلاً عن أي احتمال للتدخل العسكري التركي في ليبيا باعتبار أن هذا التطور إنما يهدد الأمن القومي العربي بصفة عامة، والأمن القومي المصري بصفة خاصة، مما يستوجب اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بحماية المصالح العربية من جراء مثل هذه التهديدات. ودعت مصر المجتمع الدولي للاضطلاع بمسئولياته بشكل عاجل في التصدي لهذا التطور، المنذر بالتصعيد الإقليمي، وآثاره الوخيمة على جهود التوصل عبر عملية برلين لتسوية شاملة وقابلة للتنفيذ تقوم على معالجة كافة جوانب الأزمة الليبية من خلال المسار الأممي.